
وليد فارس 15-10-2025: تحليل خطة ترمب العشرينية لوقف حرب غزة
منذ أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب خطته لإنهاء حرب غزة، وفيها 20 نقطة على مستويات عدة، حتى انطلقت عواصف التحليل والنقاش، وأيضاً الآمال لدى الناس بمن فيهم فلسطينيو القطاع والمجتمع الإسرائيلي، وجزء واسع من الرأي العام الدولي، ومعظم المراقبين باتوا يرون احتمال أوسع للوصول إلى السلم، ولكن عدداً كبيراً منهم يصعب عليهم التصديق حتى لو أن التطورات تشير إلى ذلك.
والأسئلة المطروحة الآن، هل نقاط ترمب الـ 20 ستتحول إلى حقيقة على الأرض وبسرعة؟ وهل سينتهي الصراع العسكري في القطاع؟ وهل سيصمد وقف إطلاق النار حتى الوصول إلى الحل السياسي الدائم؟ ومن هنا يصعب التكهن، ولكن خطة ترمب بمجرد إعلانها حركت المفاوضات وأخرجت الحال الراكدة من الوحول إلى العلن، فلنستعرض النقاط الـ 10 الأولى من الخطة ونضعها في إطارها الإستراتيجي المحتمل.
أولاً، “على قطاع غزة أن يكون خالياً من الراديكاليين وأن يبقى كذلك”، وإبعاد الإرهابيين عنها، وإن عنى الرئيس ترمب “حماس” بهذه النقطة فسيتمتع بقبول واسع من الحزبين في واشنطن والتحالف العربي وإلى حد بعيد إسرائيل، وهذا في المبدأ ولكن يبقى الواقع.
ثانياً، “ستجري إعادة بناء وتنمية غزة لمصلحة أهلها الذين تعذبوا كثيراً”، ومثل هذا المبدأ بالطبع سيفرح الغزاويين ويسعد عرب الاعتدال ويوفر مجالاً “للبزنس” الأميركي والغربي والعربي أن يتموقع في القطاع كما طرح ترمب، والسؤال هو متى وكيف ومن سينظمه؟
ثالثاً، “إذا وافق الطرفان تنتهي الحرب بسرعة، وتنسحب القوات الإسرائيلية إلى الخطوط المتفق عليها لتهيئة عملية إطلاق الرهائن، وفي هذه المرحلة تتوقف كل العمليات العسكرية وتتجمد خطوط المواجهة حتى تتحقق شروط الانسحاب الشامل”، وهذه الفقرة تتعلق بإسرائيل لوحدها، فعليها أن تنسحب من خطوط المواجهة وأن تستعد للانسحاب الكامل إذا نفذت “حماس” التزاماتها بتحرير كل الرهائن وتسليم سلاحها، والسؤال هو من وماذا يضمن تسليم السلاح؟
رابعاً، “بعد 72 ساعة من القبول بما سبق، كل الرهائن الأحياء والأموات يجب إعادتهم لإسرائيل”، وهذا المطلب هو مفتاح الفصل الأول للحل، فالرهائن هم النتيجة المباشرة لغزوة السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، فلا حل من دون إعادتهم وعودتهم فقط لن تكون حلاً شاملاً، و”حماس” تحاول أن تحصل على ما تريده سياسياً كثمن لإطلاقهم، وإسرائيل تسعى إلى تحريرهم لكي تمنع “حماس” من الاستمرار إستراتيجياً.
خامساً، بعد الإفراج عن 250 محكومين بالمؤبد و1700 غزاوي معتقلين، بمن فيهم نساء وأطفال، وفي مقابل كل جثة إسرائيلية ستسلم إسرائيل جثامين 15 غزاوياً”، ويعد هذا تبادلاً تقليدياً وقد حصل في الماضي أكثر من مرة وقد يثبت وقف إطلاق النار الذي قد يفتح المفاوضات حول مستقبل القطاع، إلا أن تسليم الرهائن وتحرير الأسرى الفلسطينيين من دون نزع سلاح “حماس” أو البدء في ذلك، سيقابل بانتقاد إسرائيلي وامتعاض أميركي، ولكن السؤال هو كيف يمكن نزع السلاح من الميليشيات في ظل وقف إطلاق نار؟ ومن هي القوة التي ستنفذ ذلك؟ ومن هي القوة التي ستتسلم من “حماس”؟ وكم طول مثل هذه المرحلة؟
سادساً، “إن أعضاء ‘حماس’ الذين يلتزمون بالتعايش مع إسرائيل ويسلمون سلاحهم سيصدر بحقهم عفو كامل، أما الذين سيفضلون مغادرة القطاع فسيجري تأمين المرور الآمن لهم إلى جهات خارج الحدود”، ويخرج السؤال إلى الواجهة بسرعة وهو في أية جهة بإمكان المقاتلين أن يسلموا سلاحهم؟ وهذا يعني أن سلطة ما ستتشكل لتقوم بتنظيم انتقال السلاح وتفكيك المعدات، وهل ستكون سلطة فلسطينية وقوة عربية ودولية؟ وهل سيكون هناك دور دولي وخطة أمنية؟
لا أجوبة بعد على هذه الأسئلة من قبل أي طرف، ولقد كنا بين الذين اقترحوا مؤتمراً دولياً عربياً شاملاً يضع خطة طريق واضحة ومفصلة حول إنهاء الحرب والانتقال إلى ما بعدها، ولكن ربما مهندسي الخطة فضلوا أن يصلوا إلى وقف إطلاق نار وتحرير الرهائن قبل أية نتيجة أخرى كي يثبتوا واقعاً جديداً من دون قتال ومن دون صداع الرهائن.
سابعاً، “مع القبول بهذا الاتفاق تدخل المساعدات فوراً وتبدأ ورشات إصلاح الأضرار بما فيها المستشفيات والمرافق العامة والمخابز وغيرها ورفع الدمار”، وهذا ما سيريح السكان ويعيد نسبة من الأمان، وفي الكواليس أسئلة عدة مثل من هي الشركات التي ستقوم بهذه الأعمال؟ ومن أين التمويل؟ وهل ستدخل هذه الشركات مع أو من دون حماية أمنية؟ وهل ستخرج القوات الإسرائيلية من مناطق عمل الشركات؟ وهل ستبقى “حماس” في تلك المناطق؟ والخطة لم تنزل إلى هذه التفاصيل ولكن الشيطان يكمن في التفاصيل، لكن ربما هناك تفاهمات غير ظاهرة قد شملت مثل هذه التفاصيل.
ثامناً، “إن توزيع المساعدات سيتواصل من دون تدخل من أي طرف تحت إشراف الأمم المتحدة والهلال الأحمر والمؤسسات الإنسانية، وسيجري فتح معبر رفح في الاتجاهين”، وهذا تطور ضروري لإعادة الحياة لغزة وسكانها، ويبقى التنفيذ ومن أين تدخل المساعدات وكيف توزع؟ فبحسب الخطة أن “التوزيع سيتواصل من دون تدخل أي طرف” مما يعني إسرائيل و”حماس”، فهل ذلك يعني أن هذه الأخيرة ستحيد قبل إدخال المساعدات؟ أم أنها فعلاً لن تفتش القوافل ومراكز التوزيع؟ وهل يعني ذلك امتناع إسرائيل من تفتيش المساعدات وانكفاءها عن عملية إعادة البناء؟
تاسعاً، “ستدار غزة مرحلياً من قبل لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية بإشراف ‘مجلس سلام جديد’ يترأسه الرئيس ترمب وزعماء دوليين”، فبسبب ما جرى في السابع من أكتوبر 2023 خسرت “حماس” حقها في إدارة القطاع من وجهة نظر المجتمع الدولي، وبسبب ما جرى عام 2007 من انقلاب عنيف ضد السلطة الفلسطينية وأيضاً الغزوة المتهورة خريف عام 2023 ضد إسرائيل، خسرت الحركة الثقة العربية بقيادة القضية الفلسطينية، فاستفاد الرئيس ترمب ليدخل المعترك ويأتي بحل وسط لا يسمح لإسرائيل بضم القاطع ويمنع “حماس” من إدارة هذا الأخير، أضف إلى ذلك تحويل قطاع غزة إلى منطقة اقتصادية بإدارة دولية – عربية وبمشاركة عالية للشركات الاقتصادية الدولية، وهذا السيناريو يلائم مصالح قوى مالية عدة، بما فيها الإقليمية والدولية، وليس خطراً على إسرائيل، هذا إذا نجح عملياً على الأرض.
عاشراً، “إطلاق خطة ترمب الاقتصادية والانمائية بمساعدة خبراء بنوا مدناً شرق أوسطية حديثة لكي يوجدوا خلاصات توجيهية لاقتراح استثمارات مبنية على مرتكزات أمنية وإدارية”، وهنا أيضاً هذه التصورات النظرية جيدة وحضارية لمستقبل القطاع بعد أن ينتهي الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، فمثل هذا الوعد للمجتمع الغزاوي قد يصبح شبيهاً بـ “مشروع مارشال” بعد الحرب العالمة الثانية ولكن بمستوى رفاهية أعلى، إن عصفت الرياح بالاتجاه المطلوب، وبكلام آخر فإنه مشروع ضخم سينال إعجاب وتأييد كثيرين دولياً، ولكن الأهم أن يحظى بضوء أخضر من الطرفين المتقاتلين، الفلسطينيين والإسرائيليين.
بعد استعراض النقاط الـ10 الأولى من برنامج الرئيس دونالد ترمب للسلام في غزة، نستعرض في هذا المقال النقاط العشر الثانية، ولا سيما على ضوء خطاب الرئيس الأميركي في الكنيست الإسرائيلي وقمة شرم الشيخ. وتشكل النقاط الـ10 الثانية جسراً إلى مستقبل القطاع وممراً إلى حل المسألة الفلسطينية الإسرائيلية على المدى الأبعد.
فلنستعرض المجموعة الثانية من النقاط.
11- “إقامة منطقة اقتصادية خاصة خاضعة لنظام جمركي معين ورسوم يتم التفاوض حولها”.
هذه النقطة تشير إلى وجود مشروع اقتصادي يهيئه ترمب للقطاع والدول المحيطة. الرئيس الأميركي عنده قدرة خاصة على معرفة الفرص المالية والإنمائية المهمة. فمنذ عودته إلى البيت الأبيض هذا العام وهو يردد أنه من الممكن تحويل غزة إلى “ريفييرا فلسطينية”. وعندما انفجرت الحرب الإيرانية الإسرائيلية، أنهاها ترمب على أساس إيجاد حل سياسي سرعان ما تحول إلى مشروع بزنس دولي في كامل القطاع. والنظرية التي انطلقت منها هذه التصورات ترتكز على قدرة للنجاح المالي بأن العقائديين، أي الإسلاميين في هذا الواقع، يمكن أن يتطوروا إلى “رجال أعمال” يتخلون عن أجندتهم العقائدية. هكذا تجربة اقتصادية ستحتاج إلى أدلة تاريخية، ولكن هناك وقائع جيوسياسية يجب اجتيازها قبل ذلك.
12- “لن يجبر أحد على مغادرة غزة ومن يختار الهجرة بإمكانه أن يعود. سنشجع الناس أن يبقوا وأن يشاركوا بإعادة البناء”.
هذه النقطة هي جواب على تساؤلات جمة انبثقت عن مشروع إنمائي اقتصادي سابق طرحه ترمب منذ أشهر أعلن فيه عن عرض لانتقال سكان غزة، أم جزء منهم إلى دول أخرى، وعلى مصر بنوع خاص، ريثما يتم إعادة بناء القطاع كمساحة اقتصادية على ساحل المتوسط. وقد انتقدته أوساط فلسطينية وعربية ودولية وقتها. واتهم البعض المشروع بأنه تهجيري ويتماشى مع “أهداف صهيونية” ديموغرافية. إلا أن هذه النقطة في مشروع الرئيس الأميركي أوضحت وحسمت أن لا تهجيراً ولا تغييراً ديموغرافياً سيحصل، وبالتالي حصل الرئيس على دعم “تحالف شرم الشيخ” مما سيوفر تغطيةً دبلوماسيةً واسعةً لتحركات ترمب واستثمارات عربية ودولية لتنفيذ خطة الرئيس.
13- “وافقت (حماس) أن لا يكون لديها أي دور في إدارة غزة، وسيتم تدمير كامل القدرات العسكرية ولن تبن من جديد. إن تفكيك الآلة العسكرية الحالية في قطاع غزة ستشرف عليه شبكة مراقبين مستقلين بالإضافة إلى صندوق دولي لشراء الأسلحة (من الميليشيات)”. هذه النقطة حسمت انتهاء المنظمة العسكرية لـ “حماس” وحلفائها في القطاع، وأحاطت الميليشيا بجهاز مراقبة، ووفرت مالاً لشراء الأسلحة الفردية. إلا أن ما هو مكتوب سيصطدم بالواقع، والشيطان يكمن في التفاصيل. فلا يتبع المراقبون أي مؤسسة عسكرية، وما هي القوة العسكرية التي ستنفذ جمع السلاح من “حماس”؟ ومن سيتسلم الأسلحة الثقيلة؟ وربما الأهم: هل سيتم إدخال عسكر “حماس” في القوة الجديدة؟ هذه النقطة قد حسمت أمراً كبيراً – نزع السلاح – لكنها فتحت أبواباً صغيرة معقدة.
14- “إن الشركاء الإقليميين سوف يضمنون أن لا تتحول غزة إلى بقعة أخطار تهدد جيرانها أو أهلها”.
ما معنى هذه الفقرة؟ أولاً، الشركاء الإقليميون هم الدول العربية والشرق أوسطية القريبة، وخاصة الدولة العربية المتاخمة لغزة وهي مصر. وبالفعل، هي القوة القادرة الوحيدة على تأمين غزة حالياً بعد الانسحاب ومن دون قوات أميركية داخل القطاع. ولدى مصر القدرات على تدريب وتنظيم الشرطة الغزاوية، ولدى الخليج المقدرات على التمويل. فهل يتكفل عرب الاعتدال بتحويل غزة إلى “سنغافورة العرب”؟
15- “ستقوم الولايات المتحدة بالتعاون مع شركائها العرب والدوليين بنشر قوة استقرار دولية في غزة. القوة سوف تدرب الشرطة الفلسطينية، تأمين الحدود، منع تهريب الأسلحة، والتنسيق مع إسرائيل ومصر”. هذا البند هو عملياً “البند السيادي” الذي يحول غزة من مساحة سيطرة للميليشيات لأول مرة منذ 2007 إلى منطقة تحت سلطة قوة دولية أمنية تضبط الحدود وتنسق مع الجارتين الوحيدتين، مصر وإسرائيل. إذا طبقت هذه الخطة وهذا البند، فسيكون الانطلاق نحو نواة قوات فلسطينية مسلحة تحت رعاية دولية، وربما تابعة للأمم المتحدة في ما بعد. والتحدي سيكون في وجود أو عدم وجود فلول “حماس”. والسؤال المتبقي سيكون حول مستقبل القوات التابعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية: هل ستشارك في أمن غزة أم تبقي قواتها في الضفة فقط؟
16- “إسرائيل لن تحتل قطاع غزة، وسينسحب جيشها منها بموازاة انتشار القوة الدولية، مع إبقائها على دائرة أمنية موقتة حتى يتم نزع السلاح في كل القطاع وجعله آمناً”. هذه النقطة هي لطمأنة الفلسطينيين والعرب بأن الانسحاب الإسرائيلي سيتحقق، ولكن على مراحل. والتطمين التالي هو عدم ضم القطاع لإسرائيل وإبقاؤه “أرضاً فلسطينية” حتى الوصول إلى حل شامل.
17- “إذا رفضت (حماس) المبادرة أو أخرتها، فسنستمر في إطلاق منطقة خالية من الإرهاب تحت القوة الأمنية الدولية”. وما يعنيه ذلك أن التحالف سوف يتصدى لـ”حماس” إذا قاومت الآلية المطروحة. بالمقابل، تطرح عدة أسئلة حول هذه النقطة، أهمها: من هي القوة التي سوف “تنزع السلاح”؟ وهل هنالك توافق على مواجهة “حماس” إذا رفضت حل ميليشياتها؟ فما يعلن حيال نزع السلاح هو إيجابي وقد كسر الجمود السياسي السابق، ولكن الغموض حول الحزم تجاه عسكر “حماس” وقيام قوة فلسطينية جديدة يبقى عنواناً للمرحلة.
18- “إطلاق آلية حوار أديان لنشر الاعتدال والسلام والتعايش بين الفلسطينيين”. هذه دعوة دائمة تطلق دولياً وتطرح تقليدياً لرسم صورة إيجابية ومشجعة حول المشروع. وهي جيدة نفسياً وثقافياً، لكنها اختبارات إيجابية تأتي بعد حل الأزمات وليس أثناءها.
19- “ومع استقرار غزة وتقدم الإصلاحات الفلسطينية ستبرز شروط لإيجاد طريق إلى حق تقرير المصير وقيام الدولة الفلسطينية”. هنا أيضاً تطمين للفلسطينيين والعرب بأن حل الدولتين هو الحل النهائي للصراع، ولكن عبر آلية سلمية مرحلية.
20- “ستقوم الولايات المتحدة بتسهيل الحوار بين إسرائيل والفلسطينيين للاتفاق على أفق سياسي يسعى للتعايش السلمي”. هذا الشعار يؤكد على ضرورة إقامة دولتين، لكن كيانين يؤمنان بالاعتراف المتبادل والتعايش، مما يعني عزل المتطرفين والقبول بالأطراف القابلة للتعايش بين دولتين.
هذا تلخيص لمشروع دونالد ترمب لحل الصراع، وقد بشر بتنفيذه. وسيجيب التاريخ ما إذا سيتحقق كاملاً، جزئياً، أم لا.
* وليد فارس الأمين العام للمجموعة الأطلسية النيابية @WalidPhares