وليد خدوري: أوروبا تواجه قرارات طاقة صعبة في نهاية عام 2024
وليد خدوري 26-11-2024: أوروبا تواجه قرارات طاقة صعبة في نهاية عام 2024
تواجه أقطار السوق الأوروبية المشتركة مجموعة قرارات صعبة في مجال الطاقة عند نهاية عام 2024، وقد تبينت هذه الصعوبات أثناء مؤتمر «كوب 29»، حيث هيمن التخوف من السياسات السلبية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب حول «اتفاق باريس 2015 لمكافحة تغير المناخ»، أكان ذلك بتغيير ترمب سياسات الطاقة الأميركية بإهمال الاستمرار في دعم سياسات الطاقات المستدامة، أو احتمال سحب عضوية بلاده مرة ثانية من «اتفاقية باريس».
كما بدأ برلمان السوق الأوروبية يواجه معارضة قوية وزائدة من قِبل حركات الخضر المناوئة لجماعات «اللوبي» الممثلة لشركات الطاقة التي تحاول الضغط على المسؤولين الأوروبيين.
وتواجه أوروبا الآن مأزقاً نتيجة قرارات اللحظة الأخيرة في مؤتمر «كوب 29»، حيث تقرر زيادة الدعم إلى 300 مليار دولار سنوياً للدول النامية حتى عام 2035 لأجل مكافحة التغير المناخي. والأموال مخصصة لمساعدة الدول النامية أيضاً على التكيف مع الفيضانات، وموجات الحر والجفاف، بالإضافة إلى الاستثمار في الطاقات منخفضة الكربون.
وأصبحت الأقطار الأوروبية في موقف لا تحسد عليه، فإنها قد قادت حركة مكافحة التغير المناخي من جهة، ولكن من جهة أخرى، تواجه ثلاثة تحديات: كيفية التعامل مع الرئيس ترمب في القريب العاجل، والتجربة المرة في تعامله مع أوروبا خلال عهده الأول، والتوقعات بشأن السياسات الأوروبية في عهده الثاني، خصوصاً فيما يخص سياسات الطاقة التي تختلف كلياً عن سياسات ترمب المرتقبة، ومدى الالتزام الأوروبي لأوكرانيا في الحرب مع روسيا إما في مجال المساعدات المالية الضخمة، وإما في المسؤوليات العسكرية والدفاعية إثر إطلاق أوكرانيا للصواريخ الباليستية الأميركية على الأراضي الروسية، وما يشكله هذا من تصعيد نوعي في الحرب، مما قد يترك التزامات مالية إضافية على الأقطار الأوروبية. كما يُتوقع أن تضيف قرارات مؤتمر «باكو» التزامات جديدة، إذ إن المبلغ المقرر الآن يُشكّل زيادة كبرى في الالتزامات العالمية وهو 300 مليار دولار سنوياً للدول النامية بدلاً من 100 مليار دولار سنوياً لمكافحة التغير المناخي للدول النامية.
ويكمن موقف أوروبا الصعب اليوم، في عدم القيام بدراسة شاملة للآثار المالية الناتجة عن سياسة «تصفير الانبعاثات» في الفترة القصيرة خلال 2015 – 2035 لتحول الطاقة التاريخي، والأكثر من ذلك التزامها بتوفير دعم أساسي لتعويض دول الجنوب نسبة كبيرة من تريليونات الدولارات لمساعدتها في تحول الطاقة.
وقادت الأقطار الأوروبية حركة مكافحة تغير المناخ منذ يومها الأول، والأهم أنها قد بادرت بتغيير قوانينها الداخلية في مجالي الزراعة والصناعة، مما أخذ يُشكل لها مصاعب اقتصادية داخلية؛ إذ تدل إضرابات المزارعين الأوروبيين قُبيل الانتخابات الأخيرة للبرلمان الأوروبي ومؤخراً في فرنسا، على احتجاج المزارعين على أسعار السلع الزراعية المستوردة من الخارج، خصوصاً من دول أميركا الجنوبية، حيث يؤكدون أنها لا تطابق التشريعات البيئية التي يتبعونها في أوروبا، ومن شأن ذلك أن يجعل البضاعة الزراعية المحلية الأوروبية عالية السعر، ومن الصعب عليها منافسة أسعار السلع المستوردة. كما أخذ الساسة الأوروبيون يتخوفون من استغلال اليمين المتزمت لهذه الإضرابات، خشية زيادة نفوذه في بعض البرلمانات الأوروبية، ولكن أصبح يُشكل اليمين الآن الأغلبية في البرلمان الأوروبي. ومن المعروف عن أحزاب اليمين، خصوصاً المتطرف منها، معارضتها لكل السياسات المتعلقة بالبيئة، وزيادة الضرائب.
ومما زاد الطين بلة مؤخراً فوز ترمب الذي يؤيد علناً برامج اليمين الأوروبي، الأمر الذي يزعج الساسة الأوروبيين التقليديين.
وتواجه أوروبا كذلك مشكلة زيادة التعريفات الجمركية على أدوات وسلع الطاقات المستدامة الصينية مثل: السيارات الكهربائية، وألواح الطاقة الشمسية، وبطاريات الليثيوم، وذلك لحماية منتجاتها المحلية. لكن ردت الصين بزيادة التعريفة الجمركية على بعض المنتجات الأوروبية المستوردة.
ومع زيادة الكوارث الطبيعية من أعاصير وفيضانات، والارتفاع السنوي لدرجات الحرارة عن 1.50 درجة مئوية عند ابتداء الثورة الصناعية، تزداد مطالب الدول الجنوبية بتنفيذ ما تم الالتزام به وهو: الإسراع في التنفيذ، وزيادة المبالغ المخصصة لدعم مكافحة تغير المناخ.
لقد أصبح من الواضح أنه من الصعب جداً تنفيذ أجندة «تصفير الانبعاثات 2050» دون تنفيذ المطالب أعلاه للأجندة الطموحة. وسيزيد الأمور تعقيداً موقف الرئيس ترمب المعادي لتعزيز حملة مكافحة تغير المناخ، مما سيجعل الأمور أكثر صعوبة للحصول على القروض والمساعدات من الدول الصناعية، وصناديق التنمية المتعددة الأطراف. وهنا، وفي ظل سياسات ترمب المعلنة، يبقى التحدي الأكبر في تنفيذ التعهدات المالية الجديدة التي تم الاتفاق عليها؛ إذ من الصعب جداً تحقيق هذه التعهدات من دون المشاركة الأميركية المالية.
كما تواجه الأقطار الأوروبية مسؤولية وإمكانية استبدال الغاز الروسي الذي أعلنت مقاطعتها له بسبب حرب أوكرانيا. وقد نُشرت تقارير إعلامية عدة حول قيام عمليات تهريب بعض الشحنات إلى بعض الدول الأوروبية. وفي حال صحة هذه الأخبار، فإن أوروبا بحاجة ماسة إلى إمدادات مستقرة وضخمة لتعويض الغاز الروسي، ناهيك عن توقيع عقود طويلة المدى توافق عليها الدول المنتجة. وهنا تختلف مصالح الدول المنتجة عن الدول المستهلكة، فعقود الغاز المسال تمتد عادة لنحو 25 – 30 سنة، وذلك لكي تضمن الدولة المنتجة أنها ستحصل على ريع واف يعوض التكاليف الباهظة لتشييد المواني والناقلات المتخصصة، هذا بينما حاولت الدول الأوروبية عند مفاوضاتها مع الدول المنتجة، بعد مقاطعة الغاز الروسي، الحصول على عقود قصيرة المدى، إلى حين تطوير مشاريع طاقات مستدامة، ومن ثم تحسين موقعها التنافسي.