وسام يونس الاغا: خدعة الديمومة حين يُفوض الزائل بصياغة النظام الدائم

وسام يونس الاغا 6-7-2025: خدعة الديمومة حين يُفوض الزائل بصياغة النظام الدائم
أثناء قراءة بعض ما كتبة الزميل تيسير عبود عن فلسفة الزائل والموقت فى التفاوض بين الأطراف حماس وإسرائيل بوساطة كل من قطر ومصر والولايات المتحدة كان في إحدى أكثر العبارات دقة وإرباكا في مسودة الاتفاق الجاري التفاوض عليه ترد الجملة التالية: “يجب الانتهاء خلال 60 يوماً من المفاوضات بشأن الترتيبات اللازمة لوقف دائم لإطلاق النار”.
هذه الجملة التي تبدو للوهلة الأولى تقدما نحو الاستقرار تخفي في بنائها اللفظي والمفاهيمي مفارقة فلسفية وخديعة سياسية على مستوى عميق وهي مفارقة لا يمكن المرور عليها دون تفكيك.
ـ فكيف يطلب من فاعل زائل” حماس “وكيان مهدد بالزوال أن يفاوض ويضع الأسس لما هو “دائم”؟
ـ فكيف يمكن لمؤقت أن يصوغ نظاما دائما بينما هو نفسه لا يملك ضمانات البقاء؟
والتحليل المعمقة للمصطلحات
أولا: ما المقصود بـ”الزائل” في هذا السياق؟
ـ الزائل ليس بالضرورة كيانا ضعيفا عسكريا بل هو في جوهره كيان غير معترف بشرعيته في النظام السياسي الدولي ولا يحظى بوضعية الدولة أو الوكيل الشرعي المعتمد.
في هذه الحالة:
حماس وفق الخطاب الأمريكي والإسرائيلي الرسمي ليست كيانا شرعيا بل “منظمة إرهابية” يجب اجتثاثها. وهذا ما ثم تداوله على مدار اشهر الحرب بأنه يجب القضاء على حماس فى غزة
ومع ذلك يطلب منها التفاوض خلال 60 يوما على الترتيبات “الدائمة” لغزة وما بعد الحرب.
فمنطقيا ـ اذا كانت إسرائيل وحلفاؤها يصرون على زوال حماس بعد انتهاء الحرب فكيف تمنح حق التفاوض على “ما بعد الحرب”؟
ـوكيف تتولى رسم ملامح النظام الجديد وهي ليست جزءاً منه بحسب ادعاء الأطراف الراعية؟
ثانيا : الزمن السياسي كأداة هيمنة
في الفلسفة ينظر إلى “الزمن” بوصفه أداة سياسية خطيرة.
فحين يقاس الامر بـكلمه “الآن” يبدو المؤقت مجرد محطة لكن حين يمنح المؤقت حق التفاوض على “اللاحق” فإنه يتحول بحكم الممارسة إلى عنصر فاعل في صناعة المستقبل.
إذا كانت حركه حماس – وفق الرواية الإسرائيلية والأمريكية – لن تبقى بعد الحرب فمن الذي سيتولى تنفيذ “الترتيبات الدائمة” التي ستنجز خلال الـ60 يوماً؟
وهنا تطرح بعض بعض الفرضيات هل ستستلم ملف قطاع غزة السلطة الفلسطينية؟
هل تستدعي جامعة الدول العربية لوضع قوات إدارية؟ او اوقات من ثلاث أو أربع دول .
أم أن “جهة غير محددة” ستتسلم غزة في فراغ سياسي قاتل؟ ” الاتحاد الأوروبي” مثلا او أن مجموعات “ياسر ابو شباب “ستستلم ملف قطاع غزه.
اللافت أن الاتفاق لا يجيب بدقة عن هذه الأسئلة لأنه لا يريد الإجابة بل يفتح الباب أمام حلول زاحفة تتكرس بالوقت وتتكيّف مع الواقع. او ترك القطاع فى حاله فوضى وهو ما تريد اسرائيل. ” الفوضى الخلاقة” وهي مصطلح يشير إلى عملية تغيير اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي من خلال إحداث فوضى متعمدة بهدف الوصول إلى وضع جديد. غالبا ما ترتبط هذه العملية بالاستراتيجيات السياسية والعسكرية التي تهدف إلى إعادة تشكيل منطقة أو دولة من خلال إثارة الاضطرابات والحروب الأهلية.
وهنا تكمن الخديعةـ اشراك حماس في مفاوضات ترتيب وقف إطلاق نار “دائم” يعني عمليا تثبيتها كفاعل سياسي لا يمكن تجاوزه.
هذا يحول “الحرب التي أرادت اقتلاعها” إلى فرصة شرعنة ناعمة لوجودها. برأيي أنهم لا يقولون ذلك صراحة لكن الممارسة التفاوضية تنضج واقعاً جديدا . ام هى خدعه لاسترجاع الأسرى وبعدها تندلع الحرب من جديد بحجة الفضاء عليها وأنها ما زالت موجودة .
والمعلوم والمفروض ـ أن من يفاوض على المستقبل يصبح بالضرورة جزءاً منه.
ثالثا : لعبة التحول من المؤقت إلى الدائم تقوم هذه الاتفاقات على فلسفة تدريجية مركبة:
– الاعتراف بالمؤقت لأسباب ظرفية (وقف الحرب).
– إشراكه في ترتيبات الحاضر (الهدنة وإدارة الإعمار).
– ثم التدرج في منحه أدوارا تنظيمية (معابر – أمن – إدارة محلية).
– ثم تثبيته لاحقًا كطرف سياسي لا بديل عنه.
هكذا نشأ حزب الله في لبنان، وهكذا نمت طالبان في أفغانستان، وهكذا تهيأ الأرض والواقع في غزة. الفرق فقط هو في طريقة التغليف:
في لبنان بحجة “المقاومة”وفي أفغانستان بحجة “عدم وجود بديل”في غزةايضا بحجة “الواقع الميداني ومن يتحكم بالأرض”.
رابعا: أين تكمن الفلسفة المخادعة؟
يكمن الخطر في استخدام المفردات الفلسفية والسياسية بطريقة انتقائية، فمثلا ما هو متعارف عليه بأن -مصطلح”الترتيبات اللازمة”تعني ضمنا أن هناك مسارات تقنية وعملية يجري الإعداد لهاما يضفي على المفاوضات طابعاً مؤسسياً. ووفق المقترح سينسحب الجيش الإسرائيلي وفق خرائط يثم التوافق عليها كما ستتم عملية انسحاب إسرائيلية من مناطق فى الجنوب فى اليوم السابع حسب خرائط متفق عليها. والعمل على الترتيبات الأمنية طويلة الأمد فى غزة. اى ” اليوم التالى “
– “الوقف الدائم لإطلاق النار” يعني التزاما أخلاقيا وقانونيا لكنه يصدر – هنا – من طرف يفترض أنه “غير دائم” أساسا!
– “خلال 60 يوماً” تشير إلى استعجال سياسي لا إلى نضج استراتيجي وكأن الهدف هو الوصول إلى تسوية شكلية تُجنب إسرائيل الحرج الداخلي وتظهر واشنطن بمظهر صانع السلام.
في المحصلة انك أمام هندسة لغوية/سياسية تسعى لتجميل واقع مشوّه وتمنح كيانا مهددا بالزوال – على حسب ادعاء نتانياهو – موقعا تفاوضيا لصياغة المستقبل في الوقت الذي لا يعترف له بالشرعية للبقاء!
خامسا من يحرس “الدائم” بعد زوال “المؤقت”؟
لنفترض جدلاً أن حماس وافقت على المقترح ودخلت فى تفاصيل الترتيبات ووقعت على وقف دائم ثم أُخرجت من المشهد بعد شهرين كما يريد الإسرائيليون. من يضمن تطبيق الاتفاق؟، ومن يضمن استمرار التفاهمات إذا كان الطرف الموقع ليس هو من سيحكم بعد الهدنة؟، “تخرب بمعرفتى ولا تخرب بغيرى”، ومن سيملك السيطرة على الأرض؟ ومن سيكون مرجعية “الدائم” إذا زال من أقره؟ إنها حالة من العبث السياسي المنظم يراد منها أن تمرر هندسة جديدة للقطاع عبر قوى مؤقتة تمهيداً لاستبدالها بقوى أخرى لكن بشروط الاتفاق الذي وضع أصلاً بيد الزائل.
واختم بالقول انها اتفاقات تصنع واقعًا لا شرعية في المآلات نحن أمام ما يمكن تسميته بـ”اتفاق الخداع التدريجي”، يشرك المؤقت في صياغة الدائم، لكى يمرر تسويات تشبه العقود النفسية أكثر من كونها تعهدات قانونية، ويمهد لتحول سياسي خطير عبر أدوات لفظية محسوبة لا عبر صناديق اقتراع أو شرعيات دستورية ببساطة فإن ما يصاغ الآن في غرف التفاوض ليس وقفاً لإطلاق النار فقط، بل إعادة تعريف لمن يملك القرار الفلسطيني ومن يدير غزة ومن يمثل الشعب ومن يفاوض باسم القضية، بعد أن تكون حققت اسرائيل اغلب أهدافها الاستراتيجية الغير معلنة.
وكل ذلك… خلال 60 يوماً من الكلام الفلسفي على الورق.