شوؤن دولية

وحدة الدراسات الأمريكية – سياسة “بايدن” الخارجية .. دراماتيكية أم براجماتية ؟

 نرمين سعيد *- 4/1/2021  

 طرحت مراكز الفكر حول العالم ثلاثة اتجاهات لانعكاس تغير الإدارة الأمريكية من ترامب “الجمهوري” إلى بايدن “الديمقراطي” على السياسات الخارجية لواشنطن بعد فوز الأخير بالسباق الرئاسي، أولها: يرى أن ثمة تغيرًا دراماتيكيًّا قادمًا لسياسات “بايدن” مقارنة بـ”ترامب” في عدد من الملفات، وثانيها: أن التغير سيكون محدودًا، ولن يكون ملحوظًا، حيث سيُبقي “بايدن” على السياسات الأمريكية نفسها لأنها معنية بالأساس بالأمن القومي، بينما دفع ثالثها بأن “بايدن” سيكون براجماتيًّا، بحيث إنه سيتعامل مع سياسات “ترامب” الخارجية بمنطق ما تجلبه من نفع للولايات المتحدة.

الاتجاه الأول- تغير دراماتيكي :

ذهبت بعض التحليلات إلى أن “بايدن” سيعيد صياغة سياسات واشنطن في عدد من الملفات، وهو ما لفت إليه -على سبيل المثال- “دايفيد ميلر” في تقريره المعنون، على موقع كارنيجي، “كان ترامب عظيمًا بالنسبة لنتنياهو… بايدن سيكون أفضل لإسرائيل”. إذ يشير إلى أن خطة “ترامب” غير المتوازنة للسلام الإسرائيلي الفلسطيني قوضت قدرة واشنطن على أن تكون وسيطًا فعالًا في عملية السلام، كما خلقت عقبات أمام التعاون بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. ويشير التقرير إلى أنه بدلًا من أن يمنح “بايدن” الإسرائيليين شيكًا على بياض على شاكلة “ترامب”؛ فإنه سيسعى إلى التهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإعادة الانخراط في عملية السلام بطريقة هادفة.

اتصالًا بهذا الاتجاه، ناقش “خالد الجندي” في تقريره على موقع معهد الشرق الأوسط “زيارة بومبيو الاستيطانية تتوج الجهود التي استمرت أربع سنوات لتدمير حل الدولتين” نفس الفكرة؛ ليؤكد أن إدارة “بايدن” القادمة إن لم تكن مستعدة لإعادة التأكيد على مركزية القانون الدولي وحقوق الفلسطينيين بشكل صارم على عكس سعي “ترامب” إلى نزعهم عنها؛ فإن تقدم عملية السلام سيكون مستحيلًا.

بدوره، جادل “باراك أرافيد” في مقال له بالمركز العربي بواشنطن بأن صفقات الأسلحة التي تتكلف مليارات الدولارات، والتي أغرى بها “ترامب” دول الخليج، قد تستغرق سنوات للوفاء بها، وإذا قام “بايدن” بإعادة النظر في الصفقات، فمن المحتمل أن يثير ذلك دول الخليج ضد أي دبلوماسية إيرانية، مثل موقفها خلال إدارة “أوباما”. ويختتم المقال بأن أكبر استثمار لـ”بايدن” هو الاتفاق النووي الإيراني، بعد أن أعلن اعتزامه العودة إليه على أساس “الامتثال للامتثال” لتحقيق النجاح، ولكن يجب أن يراعي ذلك المخاوف الإسرائيلية والسعودية والإماراتية بشأن طموحات إيران الإقليمية. كما أن على “بايدن” مخالفة “ترامب” فيما يتعلق بتحديد مصير تعريفات “ترامب” على الصلب والألومنيوم المفروضة حاليًا على الواردات من الاتحاد الأوروبي وحلفاء آخرين باسم الأمن القومي، وعلى الأرجح سيتم إزالتها.

حسب تقرير “حسين إبيش” المعنون “السعودية والخلافات مع بايدن والديمقراطيين”، في معهد دول الخليج العربية بواشنطن، فقد تعهد “بايدن” بالحد من الدعم الأمريكي لتورط السعودية في الحرب باليمن، وذلك على الرغم من أن إدارة “أوباما” كانت قد دعمت سابقا مشاركة الرياض العسكرية في هذا البلد. ليتوصل التقرير إلى أنه من المرجح أن تعطي إدارة “بايدن” الأولوية للجهود المبذولة لإحياء الحوار مع إيران ربما تحت عنوان واسع لتنشيط خطة العمل الشاملة المشتركة. لذلك، هناك احتمال لوجود توترات كبيرة مع الرياض.

جادل فريق العمل المكون من خمسة باحثين في التقرير المعنون “تأثير وصول بايدن للسلطة على الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، والمنشور على موقع المعهد الملكي للخدمات بأن سياسات “ترامب” كانت فاشلة في أكثر من ملف، ومنها سياساته التي عزلت طهران وجعلتها أقرب من أي وقت مضى من امتلاك سلاح نووي. لذا، من المتوقع أن تعمل الإدارة القادمة مع دول الخليج بطريقة أبعد من الطريقة الأكثر تخصيصًا التي يفضلها “ترامب”، بينما يمكن للفلسطينيين أن يتوقعوا تجديد تمويل الأونروا، وإعادة فتح بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.

الاتجاه الثاني- تغييرات محدودة:

يُبرز هذا الاتجاه السياسات الخارجية التي من المرجح أن يستقر عليها “بايدن” أيضًا خلال ولايته. وفي هذا الإطار، أشار “عارف رفيق” في تقريره المعنون”جو بايدن يجب أن يقرر بسرعة موقفه من أطول حرب في أمريكا” والمنشور على موقع معهد الشرق الأوسط إلى أن إدارة “بايدن” القادمة يجب أن تتخذ قرارًا رئيسيًا في الأسابيع والأشهر المقبلة بشأن ما إذا كانت ستتابع التزام الولايات المتحدة بسحب جميع القوات من البلاد بحلول نهاية أبريل 2021، لا سيما أن التورط في السياسة الأفغانية يمثل ثقبًا أسود للولايات المتحدة. 

لذلك، سيحافظ “بايدن” على قرار الانسحاب، ويمكن له -في الوقت نفسه- أن يعمل مع حلفاء في العالم الإسلامي بما في ذلك باكستان وقطر لدعم إجماع جميع الأفغان على مفهوم أوسع وأكثر شمولًا وتقدمية لحكومة إسلامية. لذا، يجب على إدارة “بايدن” أن ترى أن صفقة طالبان مع إدارة “ترامب” هي الخيار الأقل سوءًا؛ إذ لا ينبغي لها أن تتردد في الانسحاب الكامل من أفغانستان إذا ما تمسكت طالبان بنهاية الصفقة.

بدوره، أشار “جوليانو باتيستون” في تقريره المنشور على موقع معهد الدراسات السياسية الدولية إلى احتمالية قيام “بايدن” بإدخال بعض التعديلات على عملية الانسحاب من أفغانستان. ومع ذلك، من المرجح أن يكون موقفه أكثر عقلانية ويمكن التنبؤ به وثابتًا. كما يمكن له الضغط على إسلام أباد من زاوية إقامة علاقات وثيقة للغاية مع بكين، والفساد المؤسسي، وعدم احترام حقوق الإنسان.

الاتجاه الثالث- سياسة براجماتية:

دفعت الدراسة الصادرة عن مركز “جون إل ثورنتون” الصيني ومركز “بول تساي” بكلية الحقوق بجامعة ييل، بأن الإدارة القادمة ستحتاج إلى تطوير فكر جديد حول السبل الأكثر فعالية لمواجهة التحديات والفرص في العلاقة بين واشنطن وبكين، سواء لتعزيز التنسيق مع حلفاء واشنطن بشأن الصين، أو تعزيز المصالح الأمريكية في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا وسيادة القانون، بحيث تتمكن واشنطن من حماية الملكية الفكرية الأمريكية والتكنولوجيات الاستراتيجية، مع الحفاظ على القيم الأمريكية لحقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون.

يشير “ويليام آلان” في تحليله المعنون “ما الذي يجب على بايدن فعله؟”، والمنشور على مركز الأبحاث الاستراتيجية والدولية إلى أن “بايدن” وعلى العكس من “ترامب” هو شخص يؤمن بالائتلافات والتعاون. وعلى الرغم من أن وجهة نظر الديمقراطيين عن التحدي الذي تطرحه الصين لا يختلف عن وجهة نظر الجمهوريين، فإن “بايدن” سيحاول التعامل مع الصين من خلال التحالف والتفاوض، مع الإبقاء على سياسات “ترامب” فيما يخص التعريفات الجمركية.

يؤكد الاتجاه البراجماتي نفسه ما أشار له تقرير مجموعة العمل الصادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية لعدد من المؤلفين، الذي أشار إلى أهمية تايوان للولايات المتحدة، وتطرق إلى الاتجاهات التي تؤثر على الجوانب الاقتصادية والدفاعية والدبلوماسية لسياسة الولايات المتحدة تجاهها، ليختتم بمجموعة من التوصيات المحددة لتطوير السياسات المحتملة بما يتفق مع المصالح الأمريكية طويلة الأمد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، مع الاستجابة أيضًا للتحديات الجديدة والناشئة.

يذهب الاتجاه البراجماتي في تعامل “بايدن” مع السياسات الخارجية لسلفه إلى أن سياسات “ترامب” لم تكن فعالة في بعض الأحيان، وبتسليط الضوء على الاتجاه البراجماتي في التعامل مع أوروبا، يُشير تقرير آخر منشور على موقع المجلس الأوربي للعلاقات الخارجيةإلى وجود فرص للتعاون مع حكومة المملكة المتحدة على وجه التحديد، حيث تريد كلتا الحكومتين رؤية قمة مناخية ناجحة في غلاسكو في نوفمبر 2021، وكلاهما يريد إعادة إيران إلى المفاوضات حول برنامجها النووي. كما أن هناك أهدافًا مشتركة تتعلق بمكافحة الفساد، والدفاع ضد الاستبداد، وتعزيز حقوق الإنسان. ويمكن أن تكون هذه الخطوات الآن بمثابة الأساس لعلاقة خاصة أكثر حداثة في القرن الحادي والعشرين بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة.

تأكيدًا للطرح نفسه، أشار “إيان بوند” و”لوجي سكاوزيري” المنشور على موقع مركز الإصلاح الأوروبي إلى أنه على عكس “ترامب”، لن يحاول “بايدن” تقويض الاتحاد الأوروبي أو الناتو، لأنه يعتقد أن المؤسسات الدولية والتعاون متعدد الأطراف يخدم المصالح الأمريكية. وبينما سعى “ترامب” إلى تقسيم الاتحاد الأوروبي من خلال دعم القادة الشعبويين الاستبداديين مثل “فيكتور أوربان” في المجر؛ فإن “بايدن” سيُعلي المبادئ الأمريكية ويدعم الديمقراطيين بما يتناسب مع مصالح واشنطن، وعلى الرغم من اتفاق واشنطن المحتمل في عهد “بايدن” والاتحاد الأوروبي في السياسات بشأن ملفات إيران وفلسطين وتركيا؛ إلا أن الخلافات قد تبرز في ملفات أخرى كالاتجاه لعلاقات أكثر تشددًا مع روسيا، أو مع الدول المحورية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كمصر والسعودية، وكذلك فيما يخص ملف الصين.

ختامًا، تصدرت قضايا الخارج اهتمام مختلف مراكز الفكر العالمية لما لها من انعكاسات على التحركات والسياسات الأمريكية المرتقبة التي من شأنها أن تُحدِث تحولات هيكلية في بعض الملفات، وتُبقي على ملفات أخرى دون تغيير. وفي كل الأحوال، تتوجه أنظار العالم أجمع نحو إدارة “بايدن” للنظر في سبل وآفاق تلك التحولات المرتقبة، وتداعياتها المحتملة على مختلف الأنظمة الإقليمية.

نقلا عن “تقديرات مصرية”، العدد (١٦)

* نرمين سعيد –  باحث “بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى