واللا العبري – كيف يستعد الجيش الإسرائيلي للتغيرات في الشرق الأوسط؟

موقع واللا العبري – بقلم غال بيرل فينكل وغابي سيبوني – 2/6/2018
في العام 2015 تم نشر وثيقة “استراتيجية الجيش الإسرائيلي”، التي فتحت نافذة لعمليات التفكير التي تتم في الجيش ورؤيته للتحديات المهمة التي تقف أمامه وكيفية الاستجابة لها، حينها تحدد أن عمليات التفكير الاستراتيجية والتحديثات على الوثيقة ستبقى مستمرة وثابتة، وذلك من أجل تحسين الحوار بين الجيش وبين الجمهور. في السنوات التي سبقت نشر الوثيقة، أجريت في الجيش عمليات تفكير لبحث أهمية التغيرات التي حلت بالشرق الأوسط على مفهوم عمله، ووفقًا لهذا النهج، نشر الجيش في ابريل 2018 وثيقة استراتيجية مُحدثة.
بين التحديثات الأساسية التي طرأت على الوثيقة كان تقسيم الساحة الاستراتيجية لإسرائيل لـ “مناطق نزاع” و”مناطق تعاون”، بما في ذلك إمكانية تحديد المصالح مع دول عربية معتدلة أمام تهديدات مشتركة. بالإضافة لذلك، تم تعريف نهجيْن للاستجابة للتهديدات الأمنية؛ أحدهما يشمل خضوع العدو، والثاني يتضمن أعمالًا وقائية وتشكيل منطقة النزاع.
كما تم التطرق بشكل واسع لمبادئ بناء القوة، ومن بينها مركزية تنمية القوى البشرية في القوات النظامية والاحتياط، وتم تعريف عناصر الصراع في الوثيقة كـ “مجموعة من الجهات ذات منطق سياسي مشترك، تعمل ضد مصالح إسرائيل والجيش الإسرائيلي”. وفهم الصلات بين الجهات بالعموم يسمح بتحليل جيد لنقاط ضعفها وطرق العمل أمامها.
وفقًا لذلك، تم تعريف بعض عناصر الصراع، وعلى رأسها الخط الشيعي، بدءًا من إيران ومرورًا بحزب الله وحتى النظام السوري والميليشيات الشيعية التي تعمل في سوريا. من بين هذه الجهات تعتبر إيران الجهة الأهم، وهي من تشكل تهديدًا مباشرًا وغير مباشر، مثل التدخل في سوريا، الساحة الفلسطينية، اليمن والعراق. بجانب الأيديولوجية المشتركة فإن السمات الأساسية للاعبين في الخط الشيعي هي السعي للحصول على نووي وبناء بنى تحتية لقوة إقليمية ذات صناعة عسكرية واسعة، وقد انعكس هذا التهديد في محاولات التمركز الإيراني في سوريا، في تدخلها بتشجيع المواجهات في غزة والضفة الغربية، وكذلك عمل استخباراتي وهجومي ضد إسرائيل في مجال السايبر.
حسب الوثيقة، تعتبر الساحة الفلسطينية هي عنصر الصراع الأعلى في قابليته للانفجار، وبينما تعمل حماس في قطاع غزة، الجهاد الإسلامي وجماعات أخرى؛ في الضفة الغربية تعمل حماس بجانب تنظيمات أخرى وأشخاص فرادى. الحديث عن منطقتيْن ذات كيانيْن سياسييْن وأيديولوجيات معادية لبعضها البعض، والتي تحارب إسرائيل وتعمل من أجل المساس بحرية عمل الجيش وجني ثمن سياسي اقتصادي قضائي في إسرائيل.
هناك أيضًا السلفية الجهادية، التي تعمل في كل العالم ولا تركز فقط على إسرائيل، عنصر المواجهة هذا يشمل جهات إرهابية من تنظيمات الجهاد العالمي، سواءً في سوريا والحدود التي بين إسرائيل وبين شبه جزيرة سيناء. من تحليل الجيش يظهر أن إسرائيل ولاعبين كثر في المنطقة وفي أنحاء العالم لديهم مصلحة مشتركة في إضعاف السلفية الجهادية، في ظل ذلك يعمل الجيش من أجل تطوير التعاون معهم.
ولهذا السبب، تتضمن استراتيجية الجيش بجانب التعامل مع نفس عناصر المواجهة كذلك تعاون: “مجموعة جهات بينها وبين مصالح إسرائيل هوية معينة، وتتحرك منظومات العلاقات بينهم في إطار متواصل بين التعاون وغياب المواجهة، بما يشمل مستويات مختلفة من التنسيق”.
الحسم أمام التأثير
النهج الأول لتحقيق أهداف الجيش هو نهج الحسم، الذي يسعى – في حال مواجهة كبيرة – لإلغاء رغبة العدو وقدراته على مواصلة العمل ضد إسرائيل، أما النهج الثاني فهو نهج الوقاية والتأثير الذي يهدف لإحباط التهديدات، ردع وإبعاد المواجهات المهمة، وبين ذلك تشكيل منطقة المواجهة بشكل مناسب أكثر لإسرائيل؛ هذا هو النهج الذي يتبعه الجيش عادةً. النهج الحالي يمتد من تدابير أمنية مستمرة، من خلال المعركة بين الحروب وحتى عمليات محدودة، نموذج على تطبيق هذا النهج يمكن رؤيته في شهر مايو 2018، في عملية “بيت الورق” الذي تمت بها مهاجمة بنى تحتية إيرانية ومنظومات دفاع جوية في سوريا.
تقسيم العمل لنهجين ليس ثنائي التفرع، بل إن بينهما علاقة متبادلة وتداخل معين. والهدف هو تزويد قادة الجيش بمفاهيم هدفها بحث طرق التعامل مع التهديدات، وفي وقت التصعيد الأمني بحث إمكانية الاستمرار والتمسك بالوقاية والتأثير أن الانتقال لنهج الحسم.
تستمر استراتيجية الجيش في تأكيدها على مركزية القوة البرية كجزء من مبادئ عمل القوة، اعتمادًا على التأكيد الذي كان بالوثيقة الاستراتيجية للجيش عام 2015. بناءً على مبادئ العمل، سيعمل الجيش بنهج الحسم “ضربة قوية متكاملة فورية وفي وقت واحد من خلال عناصر أساسية؛ أولًا: جهد مناورة ذو قدرات مدمرة، باقٍ، سريع، قاتل ومرن، يعمل في مزج متعدد الأذرع. ثانيًا، جهد إطلاق نار دقيق واسع النطاق، بشكل يستند على استخبارات نوعية. الجديد في الوثيقة المحدثة هو تحديد مسؤولية القيادة العامة في صياغة رؤية مناورة على الأرض ومن خلالها توجيه بناء القوة”.
كما تؤكد الوثيقة على مجموعة واسعة من مبادئ بناء القوة التي تستمد على استخدام القوة أمام المناهج المختلفة، أحد التغيرات في الوثيقة المحدثة مقارنة بالنسخة الأصلية هو التطرق بشكل واسع لبناء الموارد البشرية. من بين جملة أمور، يُلاحظ في فهم الجيش أنه قد تحدث أزمات، الأمر الذي يتطلب تجنيدًا عامًا لكل موارد البلاد. في إطار ذلك، سيتم بناء القدرات لحشد السكان المجندين بالكامل في إسرائيل بهدف مساعدة الجيش حين يحتاج قوة بشرية إضافية للجيش والجهات الأمنية الأخرى.
الطريق إلى هناك ما زالت بعيدة، لكن الحديث عن أمر ذي قيمة كبيرة، يساهم في ترسيخ الجيش الإسرائيلي كجيش وطني.