واشنطن بوست : واشنطن.. والاستراتيجية المقبلة في سوريا
بقلم : جيمس ستافريديس *، واشنطن بوست ٢١-٤-٢٠١٨م
أنا أفهم جيداً ما الذي كان يحاول الرئيس دونالد ترامب التعبير عنه من خلال تغريدته الشهيرة التي أطلقها السبت الماضي وقال فيها: «المهمة أُنجزت». وحتى نكون منصفين، فإننا نحن معشر العسكريين غالباً ما نستخدم هذا التعبير للإشارة إلى النجاح التام لمهمة تكتيكية عسكرية محددة.
ولكن، كان من الأفضل له أن يأخذ العبرة من الرئيس بوش الابن عندما ظهر على متن إحدى حاملات الطائرات بعد غزو العراق لينطق بالعبارة ذاتها عن مهمة كانت أبعد ما تكون عن أن تكون قد أُنجزت فعلاً. ولسوء الحظ، لم تسمح لنا الضربة الصاروخية التي أطلقناها في عطلة نهاية الأسبوع الماضي أن نقترب من حالة إتمام المهمة العسكرية الاستراتيجية الأكثر اتساعاً التي تنتظرنا في سوريا. وكان كل ما فعلته تلك الضربة التي شاركت فيها الحليفتان فرنسا وبريطانيا، يتلخص بتدمير مراكز ومنشآت البحوث المتخصصة بإنتاج وتخزين الأسلحة الكيميائية في سوريا. وليس هناك أدنى شك بأن هذه المنشآت قد دُمرت عن آخرها على المستوى التكتيكي، وتستحق القوات التي ساهمت في الضربة كل الشكر والتقدير وخاصة المخططين العسكريين في القيادة المركزية الأميركية.
ولكن هناك بعض الأهداف التي لم تتمكن هذه الضربة من تحقيقها وهي: التدمير التام للمخزون السوري من الأسلحة الكيميائية، وشلّ قدرة الأسد على إنتاج المزيد من غازات الأعصاب أو استعادته للقدرة على إنتاجها من جديد، وإضعاف قدرة النظام على نقل الأسلحة الكيميائية عبر الطرق العامة والسكك الحديدية أو عن طريق الجو، وإضعاف أو تدمير وسائل إطلاق الأسلحة الكيميائية وخاصة الطائرات الحربية السورية التي يبلغ عددها 250 طائرة، وتدمير نظام الاستطلاع وتوجيه الأوامر التابع للنظام السوري.
وتُعتبر كل هذه الإجراءت مقبولة وفقاً للقوانين الدولية إلا أن الولايات المتحدة اتخذت قراراً حكيماً بإطلاق هجوم أكثر ميلاً للتعقل بالرغم من أنه استخدم ضعف القوة من صواريخ توماهوك التي استخدمت في الضربة السابقة على مطار الشعيرات. وباختيار ترامب وماتيس للضربة المحدودة، اتبعا مساراً يسمح لهما بزيادة التصعيد عند الضرورة. ويضمن هذا الخيار تعريض الجنود والضباط الأميركيين لأقل المخاطر وتجنب المواجهة المباشرة مع روسيا وإيران.
إلا أن هناك عدة أسئلة تبقى معلقة: ماذا لو لم يتوقف الأسد عن ممارساته؟ وما مدى قوة الضربة التالية التي سيتم توجيهها إليه؟ وما مستوى المخاطر الإضافية التي ستهدد الولايات المتحدة؟
من النواحي العملية، يمكن أن تتضمن الخطوات التصعيدية المقبلة العناصر التالية:
– إطلاق حملة دبلوماسية لحل الأزمة بمشاركة العديد من الحلفاء بما فيهم دول حلف «الناتو» والدول العربية وربما أستراليا أيضاً.
-الإبقاء على حاملة طائرات أميركية واحدة على الأقل أو اثنتين لو أمكن في شرق البحر الأبيض المتوسط أو الخليج العربي.
-إطلاق هجوم افتراضي شامل يهدف إلى تعطيل نظام القيادة ووحدات توجيه الأوامر للقطاعات العسكرية السورية.
-إطلاق دفعة متتابعة من الصواريخ تكفي لتدمير الدفاعات الجوية السورية تماماً.
-إطلاق سلسلة غارات جوية بطائرات يقودها طيارون تنطلق من القواعد الجوية في الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة لتدمير عدد كبير من الأهداف الحيوية للنظام السوري.
-توظيف أصول استخباراتية متكاملة من وكالة المخابرات المركزية والقوات الخاصة على الأرض تتركز مهمتها على رصد مدى الدمار الناتج عن الضربات الجوية، وتحقيق أقصى دقة في إصابة الأهداف المقصودة.
ولا شك أن هذا السيناريو يمكن أن ينطوي على أخطار كامنة أكبر بكثير من تلك التي كانت متوقعة في هجوم نهاية عطلة الأسبوع الماضي لعدة أسباب. أولها، أنه سيضع طواقم الطيران الحليف ضمن مدى استهداف الدفاعات السورية والروسية، وقد يؤدي إلى زيادة عدد الضحايا من المساجين في دوائر استخبارات النظام بالإضافة للمدنيين. وثانيها، أنها قد ترفع عدد الدول المتضامنة مع القوات الحليفة، وبما يوسع من المدى المراد من العملية ويزيد الأمور توتراً. وثالثها، هو أنها قد تؤدي إلى توقف تام للمفاوضات السياسية لحل الأزمة والتي يجري الحديث بشأنها هذه الأيام. ورابعها وأكثرها خطورة هو أنها قد تؤدي إلى حدوث مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا. وسيكون من الصعب تجنب نتائج مهاجمة الطائرات السورية طالما أن الروس يتكفلون بحمايتها.
وعلينا أن نتذكر أيضاً أن للولايات المتحدة أهدافاً استراتيجية مهمة ومتعددة في سوريا يقع في مقدمتها القضاء على ما تبقى من فلول تنظيم «داعش»، والحد من مستوى الخطر الإرهابي الذي قد يهدد الولايات المتحدة ذاتها. ويتعلق ثاني هذه الأهداف بفرض الإجراءات الرادعة بحق كل طرف يفكر في استخدام أسلحة الدمار الشامل. ويرتبط الهدف الثالث بضرورة التصدي للسياسة التوسعية الإيرانية وبما يجعل من تجنب الولايات المتحدة للتدخل خطراً على شركائها وحلفائها في المنطقة كإسرائيل ودول الخليج العربي.
وعلى المستوى الإنساني، يقع علينا واجب مهم لا يمكننا التقاعس عن أدائه أبداً وهو التخفيف من المآسي التي يعانيها الشعب السوري بعد أن قُتل منه أكثر من 500 ألف وتم تهجير أكير من 10 ملايين من بيوتهم. ولا شك أن كل هذه الأهداف التي ذكرتها تنطوي على أهمية استراتيجية كبيرة. وينعقد أملنا الآن على أن يكون الأسد قد استوعب الرسالة الموجهة إليه بحيث يمتنع تماماً عن استخدام الأسلحة الكيميائية من جديد ضد شعبه. ولكن، وكما تقول الحكمة المعروفة، فإن التعلق بالآمال لا يمكنه أن يشكل استراتيجية حقيقية للعمل، بل إن الاستراتيجية الحقيقية تكمن بالإبقاء على الوجود العسكري الأميركي في سوريا وزيادة عدد الجنود هناك من 2000 إلى 5000 على الأقل، وهو رقم يبقى بعيداً جداً عن عدد الجنود العاملين في أفغانستان، والذي بلغ 150 ألفاً قبل بضع سنوات.
ويمكن للحلفاء أن يساهموا في الضغط على نقطة الضعف التي تعاني منها روسيا وهي اقتصادها الهشّ من أجل إجبارها هي وحليفها الأسد للجلوس على طاولة التفاوض تحت رعاية الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة، خاصة وأن روسيا لا تمتلك القدرات المالية اللازمة لإعادة بناء سوريا المدمّرة. ويكمن النموذج المناسب لهذه التجربة في حرب البلقان التي استمرت 20 عاماً، وحيث أصبحت روسيا أخيراً جزءاً من الحل بعد أن كانت جزءاً من المشكلة. والآن، ينبغي على الولايات المتحدة أن تحقق التوازن في تعاملها مع سوريا بين استخدام القوة الشديدة نسبياً كالقوات البرية المحدودة التي تساندها القوات الخاصة والضربات الجوية بعيدة المدى، وبين القوة الناعمة التي تكمن في المبادرات الدبلوماسية، وتقديم الحوافز الاقتصادية والتكفل مع الحلفاء بالمشاركة في تحمل أعباء وتكاليف إعادة البناء.ويعني ذلك كله أن «إنجاز المهمة» في سوريا الذي تحدث عنه ترامب في تغريدة يوم السبت يتطلب المزيد من الجهد والعمل.
*القائد السابق لقوات حلف «الناتو» وعميد كلية الحقوق في جامعة «تافتس»