ترجمات أجنبية

واشنطن بوست – معركة أردوغان مع ترامب خاسرة

واشنطن بوست – بقلـم إيشان ثارور – 13/8/2018 

خسرت العملة التركية (الليرة) أكثر من 14% من قيمتها في يوم واحد، أكبر خسارة تعرضت لها الليرة في يوم واحد من أكثر من عقدين، ولم يستطع وزير المالية – وزوج ابنة الرئيس أردوغان – تجنب الانزلاق بعد أن أدى خطابًا بدون أن يقدم شيئًا يذكر يساعد على استعادة الثقة في العملة. إلا أن أردوغان وضع اللوم على الولايات المتحدة الأمريكية، وقال في أحد التجمعات أمام أنصاره السبت الماضي مهاجمًا ترامب: «يا للعار! تضحّي بشريكك الإستراتيجي في الناتو من أجل قِس».

يذكر أن القس المذكور هنا هو قس أمريكي اسمه أندرو برانسون، رجل دين أمريكي ألقي القبض عليه عام 2016 من قبل السلطات التركية، ووجهت له تهم بالتجسس وجرائم أخرى. أنكر أندرو هذه التهم كما رفضتها أمريكا، إلا أن محاولاتها في تحريره فشلت حتى الآن.

ذكرت مقالة أخرى نشرتها «واشنطن بوست» أن أنقرة سعت لمقايضة برانسون بهاكان أتيلّا، رجل أعمال مصرفيّ اعتقلته الولايات المتحدة الأمريكية؛ لتورطه في قضايا ذات علاقة بتجاوز العقوبات الأمريكية المفروضة على النفط الإيراني، إلا أن أمريكا مستاءة من استخدام تركيا لبرانسون كرهينة سياسية، بحسب الكاتب. كما عُقد اجتماع مع وفد تركي رفيع المستوى في واشنطن الأسبوع الماضي، إلا أنه انتهى بسرعة بعد أن طلب الأمريكيون أن يتم إطلاق سراح برانسون بشكل فوري.

أعلن ترامب بعدها عن زيادة رسوم الجمارك على الحديد والألمنيوم التركي؛ مما أدى إلى فقدان الليرة لقيمتها بنسبة غير مسبوقة. صحيح أن تركيا تعاني من مشاكل اقتصادية، إلا أن هذه العقوبات زادت من سوء الوضع الاقتصادي، وترامب -كما يقول الكاتب – سعيد بأن يُذكر على أنه صاحب الفضل في ذلك.

أكمل أردوغان تعبيره عن انزعاجه من معاملة الولايات المتحدة في مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، حذر فيه أمريكا من اتخاذ خطوات قد تؤثر على شراكتهم، والحلف الموجود بينهما منذ القدم. كما ذكر فيه امتعاضه من رفض الولايات تسليم فتح الله جولن المتهم بتدبير محاولة الانقلاب عام 2016، إضافة إلى استمرار الولايات المتحدة بتقديم الدعم للجماعات الكردية في سوريا. كما هدد واشنطن بشكل واضح تجاه وجود بدائل عنها كحليف استراتيجي. ومن الجدير ذكره، كما قال الكاتب، بأن توجه تركيا نحو الحلف الروسي الإيراني سيقلل من عزلة طهران، والذي تسعى الولايات المتحدة لزيادته.

مزيد من الأعداء لأردوغان وإدارة أمريكية لا تعطي للتحالف قيمة، إن مواقفه هذه ستكسبه المزيد من الأعداء في واشطن، ويقول الكاتب: «إن أردوغان في غنى عن ذلك، خاصة وأنه شخص غير محبوبٍ أصلًا في واشنطن. وقد أقر الكونجرس الأمريكي تشريعات تجعل من صفقة بيع مجموعة من طائرات (إف-35) مشروطة بإطلاق سراح القس، كما أن صناع القرار، ودوائر السياسة الخارجية هناك تنتقد سلطويته المتوسعة. أما ترامب فقد اعتاد على التنمر على أي من حلفائه، إذا اختلف معه، بعكس كل الرؤساء السابقين».

ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن من عادة واشنطن أن تُهدّئ الأسواق العالمية في لحظات كهذه، والتي ينتشر فيها الخوف بين المستثمرين، إلا أن ترامب استمر بممارسة الضغط على أنقرة أكثر وأكثر، وهذا له تبعات عالمية، منها مخاوف من هشاشة الأسواق الصاعدة، وقلق في البنوك الأوروبية الكبيرة تجاه قدرة تركيا على تسديد ديونها.

ذكر أرون شتاين، خبير الشرق الأوسط في مركز «أتلانتك كاونسل»، في مقابلة مع موقع شبكة بلومبرج أن أردوغان ارتكب خطأً كبيرًا في حساب الموقف؛ «فتوازن القوى غير متساوٍ، وأمريكا هي الطرف الأقوى في المعادلة. التصعيد مع الولايات المتحدة ليس له سقف، وهذا ما لم يستوعبه الأتراك، وأدخلهم في مأزق حقيقي».

كما أخبر جيكوب كيركيجارد، اقتصادي من مؤسسة بيتيرسون للاقتصاد الدولي، شبكة بلومبرج أن جاذبية ورقة الناتو لم تعد رنانة كما في السابق، وخاصة في ظل علاقة تركيا الصعبة مع أوروبا، وتصرفات ترامب اللامبالية بالحلفاء. فلا الإدارة الأمريكية تعطي قيمة للناتو، ولا لتركيا العضو في الناتو، فليس من المتوقع أبدًا أن تبذل إدارة ترامب أي مجهود لإنقاذ مؤسسة لا تهمها بالأساس.

تركيا نحو المجهول وترامب الرابح الأكبر يقول مصفى أكيول، الباحث السياسي: «إن مشاكل تركيا الاقتصادية والقانونية ليست خفية على أحد، إلا أن العقوبات لن تحل أي مشاكل، بل على العكس، ستزيد من تعقيد الأزمة، وتزيد من لهيب الحس الوطني لتركيا؛ مما سيدفع الدولة للتوجه أكثر وأكثر نحو المحور الروسي، والمطلوب الآن هو مزيد من الدبلوماسية، وليس مزيد من العقوبات».

إن الدبلوماسية لم تعد متوفرة كما سبق، فبحسب الكاتب، معظم سياسات أردوغان تعتمد على إثارة الحس الوطني لتبرير إحكام سيطرته على البلاد. فاز أردوغان بالانتخابات في شهر يونيو (حزيران) الماضي بدعم القوميين، وتقدم نحو مزيد من تمركز السلطة من أجل إنقاذ تركيا من مأزقها الاقتصادي، لكن ما حصل كان عكس ذلك، وازداد الوضع سوءًا.

علّق أيكون إيرديمر، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن والناقد لأردوغان، قائلًا: إن الوضع الحالي هو نتيجة لقيادة أردوغان «المتهورة»، وإصلاح أخطائه سيتطلب سنوات من الآن، إضافة إلى قيادة جديدة وعقلية مختلفة تمامًا.

يكمل أيكون قائلًا: إنه «على الرغم من تضرر تركيا، إلا أن ذلك لن يؤثر على أردوغان داخليًا وسياسيًا، فالمعارضة التركية الهزيلة لا تعطي أي أمل، وبدون قوى سياسية حقيقة وقوية تدفعه خارج منصبه، فمن شبه المؤكد أن يستمر أردوغان في سحب نفسه وتركيا إلى الهاوية».

أما ترامب، فقد يربح أكثر إذا أصرّ على موقفه، ويعلل الكاتب ذلك بأن الصراع الحالي يلمّع صورته عند أنصاره ومؤيديه، وستظهره بمظهر القائد القوي الذي ضغط على قائد مسلم بارز من أجل رجل دين مسيحي.

ترسم الكاتبة ألميرا بايراسي مقارنة بين برونسون، الذي دعاه ترامب بـ«المسيحي الصالح»، و«رجل دين بريء» وبين سركان جولجي، عالم «ناسا» الأمريكي التركي المحتجز في تركيا، والذي يؤدي حكمًا مدته سبع سنوات ونصف بعد أن أدين بتهم تشبه تلك الموجهة للقس، لكنه لم يلقَ أي اهتمام من ترامب أو القيادة الأمريكية عامة. والسبب ببساطة – كما تقول ألميرا – أن جولجي مسلم، أما برونسون فهو «مسيحي صالح»، وخطاب كهذا كفيل بإرضاء مؤيدي القيادة الأمريكية الحالية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى