واشنطن بوست: طهران ستتذوق طعم صناعة الصفقات التي يتحدث عنها الرئيس ترامب

واشنطن بوست 8-4-2025، ديفيد اغناطيوس: طهران ستتذوق طعم صناعة الصفقات التي يتحدث عنها الرئيس ترامب
أطلق الرئيس ترامب مساعيه للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران يوم الاثنين بتكتيك مألوف. فقد عقد مؤتمرا صحافيا صاخبا في المكتب البيضاوي وعرض خطته التفاوضية، بينما جلس حليف حذر بجانبه بشكل غير مريح. وكان هذا الشخص الجالس بجواره هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولم يرتكب نتنياهو خطأ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي قاطع خطاب ترامب في أواخر شباط/ فبراير لتقديم حجج مضادة. التزم نتنياهو الصمت في الغالب بشأن مناورة ترامب الدبلوماسية مع العدو الرئيسي لإسرائيل، على الرغم من مخاوف بلاده.
إن ترامب يحب إلقاء القنابل الخطابية، حتى عندما لا يكون متأكدا أين ستسقط. كان هذا صحيحا بالنسبة لدفعه للسلام في أوكرانيا، والذي يبدو حتى الآن أنه أدى فقط إلى زيادة وتيرة القتال هناك وإعلانه عن التعرفات الجمركية الذي هز الأسواق المالية العالمية، والآن يسعى إلى عقد محادثات وجها لوجه مع إيران، مع التهديد بالعمل العسكري إذا فشلت الدبلوماسية.
وسارع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى إحباط إعلان ترامب المفاجئ عن محادثات “مباشرة” مع مسؤول إيراني “رفيع المستوى”، مؤكدا أن إيران وافقت فقط على محادثات غير مباشرة. وأخبر مسؤول في الإدارة الأمريكية أن فريق المبعوث الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف أرسل رسائل يحث فيها على إجراء محادثات مباشرة عبر عُمان، حيث كان من المقرر عقد اجتماع السبت.
وأضاف المسؤول أنه إذا لم تكن المحادثات مباشرة، فقد لا يزور ويتكوف عمّان. وقال المسؤول: “لن نبدو كالحمقى”، مجادلا بأن ما نحتاجه لكسر انعدام الثقة العميق بين الجانبين هو “نقاش شامل” و”توافق أفكار”. وأخبر مسؤولان في الإدارة على معرفة بالمفاوضات، أنه سيسافر على الأرجح إلى طهران إذا وجهت إليه دعوة من الإيرانيين.
إيران تبدو مهتمة وغير مرتاحة، ولفت الانتباه لما كتبه عراقجي في نفس الصحيفة يوم الثلاثاء، والذي قال فيه إن إيران ترى انفتاح ترامب عليها “محاولة حقيقية لتوضيح المواقف وفتح نافذة نحو الدبلوماسية”، مستغلا رغبة ترامب المتكررة في وقف “الحروب التي لا تنتهي” حيث كتب: “لا يمكننا أن نتخيل الرئيس ترامب راغبا في أن يصبح رئيسا أمريكيا آخر غارقا في حرب كارثية في الشرق الأوسط”. وبدأ عراقجي حديثه عن المحادثات غير المباشرة، قائلا: “نحن على استعداد لتوضيح نيتنا السلمية واتخاذ الإجراءات اللازمة لتهدئة أي قلق محتمل. ومن جانبها، يمكن للولايات المتحدة أن تظهر جديتها في الدبلوماسية من خلال إظهار التزامها بأي اتفاق تبرمه وإذا أظهر لنا الاحترام، فسنبادله ذلك”.
ومن الواضح، إدراك ترامب أن إسرائيل ستكون طرفا ثالثا غير مرئي في أي مفاوضات مع إيران. لذا، كان إعلانه عن رغبته في إجراء محادثات مباشرة مع نتنياهو إلى جانبه أمرا بالغ الأهمية.
ورغم حرص ترامب، إلا أن أحد مسؤولي الإدارة توقع أن يكون مشهد المكتب البيضاوي وسيلة لإبقاء نتنياهو تحت السيطرة واستباقا للانتقادات الإسرائيلية.
وقال ترامب خلال حديثه مع نتنياهو: “أنا أفضل رئيس تخيلته إسرائيل حتى الآن”، ثم وضح طموحه الدبلوماسي البديل عن الحرب: ” يتفق الجميع على ما أعتقد أن التوصل إلى صفقة أفضل من عمل ما هو واضح [العمل العسكري] وما هو واضح ليس شيئا أرغب بالمشاركة فيه”.
وكما يفعل ترامب غالبا، أرفق مساعيه التفاوضية بالتهديد والتلويح بالسيف، حيث قال: “إذا لم تنجح المحادثات مع إيران، أعتقد أن إيران ستكون في خطر كبير” و”إنها ليست صيغة معقدة، فلا يمكن لإيران امتلاك سلاح نووي. هذا كل ما في الأمر”.
إن مسرح المكتب البيضاوي سمح لترامب بإظهار أمر كان صعبا على أسلافه الديمقراطيين في الآونة الأخيرة، ألا وهو إظهار لنتنياهو من هو المسؤول.
فلم يكتف ترامب بالإعلان عن نيته إجراء محادثات واسعة النطاق مع أكبر أعداء إسرائيل. بل قال أيضا عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي ربما يكون ثاني أكبر مصدر قلق لإسرائيل، “أنا أحبه، وأعلم أنه يحبني”. ومن أجل التأكد أن الرسالة وصلت إلى نتنياهو أو أن الأخير لم يتجاهلها، أكد ترامب قائلا: “أي مشكلة تواجهها مع تركيا، أعتقد أنني أستطيع حلها، أعني طالما كنت عقلانيا”، في الطلب. ولم تكن هذه هي الرسالة العادية التي وجهها البيت الأبيض إلى نتنياهو.
لهجة لقاء يوم الاثنين كانت مختلفة عن توقف نتنياهو في البيت الأبيض بداية شباط/ فبراير. فقد ركزت المناقشات آنذاك على الآمال الإسرائيلية في أن يدعم ترامب عملا عسكريا محتملا ضد المنشآت النووية الإيرانية.
لكن مسؤولين اكدوا لاحقا أن ترامب كان أكثر حرصا على الدبلوماسية من القصف. وفي آذار/ مارس، أرسل ترامب رسالة إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، مقترحا إجراء محادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني، لكنه حذر من أن إيران لديها مهلة شهرين فقط للدبلوماسية. وكان رد إسرائيل هو الإصرار على أن أي اتفاق جديد مع إيران يجب أن يكون “على غرار ليبيا”، أي التفكيك الكامل لمعدات الأسلحة النووية المحتملة. مع أن إيران وافقت على ضوابط أكثر تحديدا على برنامجها النووي في اتفاق عام 2015 الذي ألغاه ترامب عام 2018.
ولكن عقارب الساعة تدق، ليس فقط على مهلة الشهرين التي وضعها ترامب للتوصل إلى اتفاق، فمن المقرر أن تعود العقوبات المفروضة على البرنامج النووي الإيراني في وقت لاحق من هذا العام بموجب أحكام “العودة السريعة” لاتفاق عام 2015.
ويعتقد أن إيران تمتلك ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب بحيث يمكنها في غضون أسابيع رفعه إلى المستوى اللازم لعدة أسلحة، لكن المحللين يعتقدون أنها ستحتاج إلى عام أو أكثر لتطوير رأس حربي نووي حقيقي يمكن وضعه على صاروخ باليستي.
وسيتعمق انخراط ترامب في الشرق الأوسط عندما يزور المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، ربما الشهر المقبل. من غير المعقول أن يضيف طهران إلى قائمة وجهاته، أليس كذلك، إذا كانت المحادثات الأولية بين ويتكوف وعراقجي مثمرة؟ ولكن بعد ذلك، بالنظر إلى موهبة ترامب في تحقيق اختراق دراماتيكي في إبرام الصفقات، كيف يمكنه المقاومة؟