واشنطن بوست : طموحات ترامب في الشرق الأوسط تتحول إلى أوهام مضللة
واشنطن بوست ١٥-١٠-٢٠١٨، بقلم جاكسون ديهل
عندما انُتخب دونالد ترامب بشكل غير متوقع رئيساً للولايات المتحدة، سارعت دولتان في الشرق الأوسط كانتا قد تضررتا بشكل خاص من سياسات إدارة باراك أوباما للاستفادة من هذا التطور. وكانت هاتان الدولتان هما المملكة العربية السعودية وإسرائيل -ونجحتا في هدفهما على نحو يتجاوز كل توقعاتهما. “ففي غضون أشهر، تراجع ترامب عن استراتيجية أوباما لتشجيع التوازن الإقليمي للقوة بين المملكة العربية السعودية السنية وإيران الشيعية، وانحاز بشكل واضح إلى السعوديين.
كما تخلى (ترامب) عن عقود من المحاولات الأميركية لموازنة المصالح الإسرائيلية مع مصالح الفلسطينيين؛ ومزق الاتفاق النووي الإيراني؛ ونقل السفارة الأميركية لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، وقطع المساعدات عن اللاجئين الفلسطينيين.
لقد جادل ترامب ومؤيدوه بأن هذا التحول الجذري من شأنه أن يؤدي إلى إنجازات في الشرق الأوسط عجزت إدارة أوباما عن تحقيقها، بما في ذلك تحقيق تسوية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني سيساعد السعوديون في التوسط فيها، حيث تحدث صهره ومبعوثه إلى الشرق الأوسط، جاريد كوشنر، مراراً عن صياغة “صفقة القرن” وعن إنشاء “حلف ناتو عربي” لدحر النفوذ الإيراني عبر المنطقة”. ولكن “يتضح اليوم أن هذه الطموحات لم تكن سوى أوهام مضللة؛ فقد كشف الاختفاء والقتل المزعوم للصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول عن العائد الحقيقي لرهانات ترامب: سلسلة من الأعمال الطائشة من قبل السعوديين والإسرائيليين جعلت المنطقة أكثر اضطراباً وليس أكثر استقرارا، ً حيث أعطى قادة كلا البلدين، الأمير محمد بن سلمان وبنيامين نتنياهو، ترامب أكثر ما يرغب فيه، ألا وهو الدعم المتملق.
ولكن من الناحية العملية، لم يفعلا (محمد بن سلمان وبنيامين نتنياهو) أي شيء على الإطلاق مقابل تنازلات ترامب أحادية الجانب، مثل نقله السفارة أو استئناف الدعم الأميركي للقصف السعودي في اليمن، إذ وسع نتنياهو نطاق المستوطنات في الضفة الغربية، ورفض خطوات بناء الثقة مع الفلسطينيين، في حين أخفق السعوديون على نحو متوقع في الوفاء بوعد شراء أسلحة أميركية بقيمة 110 مليار دولار الذي تفاخر به ترامب العام الماضي.
كلتا الدولتين استغلتا ترامب إلى أقصى الحدود، واتخذتا تحركات لم تجرءا على اتخاذها في عهد أوباما أو في عهد أي رئيس سابق آخر، فقد دعمت حكومة نتنياهو قانوناً جديداً يجعل من غير اليهود مواطنين من الدرجة الثانية؛ ومارست الضغط على المنظمات غير الحكومية الهامة والمنافذ الصحافية؛ وفي الأسبوع الماضي، احتجزت إسرائيل طالبة أميركية تحمل تأشيرة دخول لأنها تؤيد جماعة مناصرة للفلسطينيين داخل الحرم الجامعي.
وأما بالنسبة لولي العهد السعودي، ومنذ استمالته لترامب خلال زيارته للرياض العام الماضي، أطلق ولي العهد حصاراً على دولة قطر المجاورة، رغم أن القيام بذلك قد قوض الجبهة السنية الموعودة ضد إيران؛ واختطف رئيس الوزراء اللبناني الموالي للولايات المتحدة وأجبره على الاستقالة على شاشة التلفزيون السعودي؛ وأسقط قنابل أميركية على أهداف مدنية في اليمن، بما في ذلك حافلة مليئة بالأطفال، ما يورط الولايات المتحدة فيما وصفته الأمم المتحدة بأنه جرائم حرب محتملة؛ وعاقب كندا على انتقادها سجل النظام في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك حبسه للنساء اللاتي دافعن عن الحق في قيادة المرأة للسيارات. ولم يزعج أي من هذا ترامب، بل على العكس، فقد لبى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الشهر الماضي طلب الكونغرس بالتصديق –رغم توصية خبراء وزارة الخارجية- على أن السعوديين يتخذون خطوات كافية لتجنب وقوع ضحايا مدنيين في اليمن. وبالنظر إلى ذلك السجل، ووصف ترامب للمنظمات الإخبارية مثل صحيفة واشنطن بوست بأنها “عدو الشعب”، فمن المنطقي أن يكون الأمير محمد قد خلص إلى أنه يستطيع خطف أو حتى قتل خاشقجي دون تكبد أي عواقب وخيمة.
وقد يتبين للأسف أنه محق في هذا الاستنتاج. إذ يهدد ترامب، الذي استغرق ستة أيام للرد على اختفاء خاشقجي، الآن بـ /عقاب شديد/، لكنه وصف أيضاً العلاقات مع النظام بأنها /ممتازة/، وقال إنه لا يريد إلغاء تلك الصفقات العسكرية المراوغة. ومع ذلك، وكما اكتشف الكثيرون بالفعل، فانه نادراً ما يسفر أي تحالف مع ترامب عن أمر طيب. فحتى قبل اختفاء خاشقجي، أدى الغضب بشأن اليمن إلى تشكيل تحالف حزبي غير مسبوق في الكونغرس، والذي شمل فرض المزيد من الشروط على المساعدات العسكرية للسعودية.
ومع تأجج ردة الفعل بشأن خاشقجي، وقع 22 عضواً من أعضاء مجلس الشيوخ على رسالة موجهة إلى ترامب تطالب بإجراء تحقيق إلزامي، وفرض عقوبات بموجب قانون غلوبال ماغنيتسكي، الذي يعاقب مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان” مستشهدا بقول السيناتور الجمهوري بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، إنه /إذا تم تأكيد التواطؤ السعودي، فإن ذلك سيدفع بالعلاقات الى الهاوية.
إذا كان نتنياهو يعتقد أنه ليس لديه ما يدعو للقلق، فهو لا يقرأ الاستطلاعات التي تظهر فجوة كبيرة في دعم إسرائيل بين الجمهوريين والديمقراطيين؛ وعلى غرار الأمير محمد، يبدو أنه يراهن على أن نهج ترامب سيسود في واشنطن إلى أجل غير مسمى – وأنها لن تكون هناك أي مساءلة على الانتهاكات التي اُرتكبت تحت مظلته.