واشنطن بوست: تقرير استخباراتي يكشف عن تدخل حليف خليجي في السياسة الأمريكية
واشنطن بوست 13-11-2022، بقلم جون هدسون : تقرير استخباراتي يكشف عن تدخل حليف خليجي في السياسة الأمريكية
كشفت وثيقة استخباراتية عن محاولات الإمارات توجيه السياسة الخارجية الأمريكية لصالحها، بطرق مشروعة وغير مشروعة. المسؤولون الاستخباراتيون الأمريكيين، قاموا بإعداد التقرير وتحدثوا فيه الجهود الحثيثة للإمارات ومحاولتها التلاعب بالنظام السياسي الأمريكي، رغم العلاقة القوية بين البلدين، والثقة التي توليها بواشنطن للدولة الخليجية المؤثرة. وتحدث ثلاثة مسؤولين اطّلعوا على التقرير، عن نشاطات أبو ظبي والتي شملت على نشاطات قانونية وغير قانونية لحرف السياسة الخارجية الأمريكية بطرق تحبذ الديكتاتورية الخليجية.
وقال الأشخاص الذين قرأوا التقرير، إنه يكشف عن محاولات أبو ظبي وعلى مدى عدد من الإدارات الأمريكية استغلال مكامن الضعف في النظام الأمريكي، بما في ذلك الاعتماد على المساهمة المالية في الحملات المعرّضة لتأثير جماعات اللوبي، والتهاون في فرض قوانين الكشف عن المصادر المالية للحملات الانتخابية من تدخل القوى الخارجية. وتحدث كل واحد من الثلاثة بشرط عدم الكشف عن اسمه، حيث قالوا إن الوثيقة أعدها المجلس الوطني للاستخبارات، وأُحيط صناع القرار السياسي بها في الأسابيع الماضية لكي ترشد قراراتهم المتعلقة بالشرق الأوسط والإمارات التي تتمتع بتأثير في واشنطن.
الوثيقة المثيرة للدهشة؛ لأنها تركز على دولة صديقة وليس عدوة مثل الصين وروسيا أو إيران. وليس من الشائع أن تركز تقارير الاستخبارات على تفاعل المسؤولين الأمريكيين، نظرا للتفويض المسموح لها بمراقبة التهديدات الخارجية. ونقلت الصحيفة عن محلل “سي آي إيه” السابق، والزميل حاليا في معهد بروكينغز بروس ريدل قوله إن “المجتمع الأمني يبتعد بشكل عام عن أي شيء يمكن فهمه بأنه دراسة للسياسة الأمريكية المحلية”، مضيفا أن “عمل أمر كهذا ضد دولة صديقة، هو إشارة عن استعداد المجتمع الأمني للتصدي لتحديات جديدة”.
ورفضت لورين فروست، المتحدثة باسم مكتب مديرة الاستخباراتية الوطنية التعليق. وعلّق سفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة، في بيان بقوله إنه “فخور بتأثير الإمارات وموقفها في الولايات المتحدة”، مضيفا: “تم الحصول عليه بكدٍ والحفاظ عليه بشكل جيد، وهو نتاج تعاون إماراتي- أمريكي وثيق ودبلوماسية فاعلة. ويعكس المصالح العامة والقيم المشتركة”. والعلاقات فعلا هي استثنائية، لدرجة مواقفة الولايات المتحدة في السنوات الماضية على بيع معدات متقدمة مثل مسيّرات “أم كيو- 9” والمقاتلات الحديثة من طراز “أف-35″، وهو شرف لم تحظ به أي دولة عربية، خشية خسارة إسرائيل التفوق النوعي لها في الشرق الأوسط.
وقال الأشخاص الثلاثة الذين قرأوا التقرير، إن بعض النشاطات معروفة لرجال المخابرات الحرفيين، ولكنها تزدهر بسبب عدم استعداد واشنطن لإصلاح قوانين التأثير الأجنبي، وعدم توفير الدعم الكافي لوزارة العدل. ولكنهم يشيرون إلى نشاطات تشبه التجسس.
وبحسب وزارة العدل، فقد أنفقت الإمارات منذ عام 2016 أكثر من 154 مليون دولار على جماعات اللوبي. كما أنفقت ملايين أخرى على الجامعات الأمريكية ومراكز البحث التي تصدر أبحاثا تفضل الإمارات. ولا يوجد حظر في الولايات المتحدة على تبرع جماعات اللوبي للحملات السياسية. وقال مشرع قرأ التقرير، إنه يلخص العملية التي يتم فيها تشويه الديمقراطية من خلال المال الأجنبي، ويجب أن يكون بمثابة صيحة تذكير كما يقول. وأضاف: “يجب وضع خط أحمر ضد لعب الإمارات أي دور في السياسة الأمريكية”، مضيفا: “لست مقتنعا أننا طرحنا هذا أبدا مع الإمارات وعلى مستويات عليا”.
ولم يجب مكتب الاستخبارات الوطنية ووزارة الخارجية على سؤال حول طرح المسألة مع الإمارات. ويأتي صمت الحكومة الأمريكية بعد مناشدة الرئيس جو بايدن خلال الأسبوع الماضي، الناخبين الأمريكيين لحماية الديمقراطية الأمريكية التي تتعرض لتهديد من المصالح القوية وبحاجة لضمانات قوية. وقال وسط حملات التجديد النصفي: “بالتصويت على الديمقراطية، علينا تذكر هذه المبادئ، وهي أن الديمقراطية تعني حكم الشعب وليس حكم الملوك وأصحاب المال، ولكن حكم الشعب”.
ويعتبر مجلس الاستخبارات القومي (أن أي سي) قلبَ التحليل في مجال الأمن، وعادة ما تعتمد تقاريره على معلومات من 18 وكالة استخباراتية تتحدث بصوت واحد في القرارات المتعلقة بالأمن. وقال الأشخاص الذين شاركوا في إعداد التقرير، إن نشاطات الإمارات تذهب أبعد من مجرد التأثير والتلاعب. ومن بين النشاطات الجريئة، هي الاستعانة بمسؤولين أمريكيين عسكريين واستخباراتيين سابقين، للمساعدة في مراقبة المعارضين السياسيين والصحافيين والشركات الأمريكية. وفي ملفات دعوى قانونية، قال محامو الاتهام بأن الرجال ساعدوا الإمارات لكي تخترق أجهزة كمبيوتر في الولايات المتحدة ودول أخرى. واعترف ثلاثة منهم في العام الماضي، بأنهم قدموا تكنولوجيا تنصت متقدمة للإمارات، وتخلوا عن مميزاتهم الأمنية، وتم دفع 1.7 مليون دولار لتسوية الاتهامات الجنائية. ولوحت وزارة العدل بالتسوية، ووصفتها بأنها “أول حل من نوعه”. ولم تشمل التسوية على حكم بالسجن، وهو ما دعا النقاد للقول إن العقوبة المالية تافهة نظرا للمبالغ المالية الهائلة التي تلقوها لقاء عملهم. مما أثار المخاوف أن المحاكمة هذه وتسويتها لا تمنع من استمرار نفس السلوك.
ولاحظ الداعون لإصلاح قوانين التأثير الأجنبي هذا الشهر، تبرئة توماس باراك، أحد مستشاري دونالد ترامب السابقين من كل التهم الموجهة له، والتي تزعم أنه اشتغل كعميل أجنبي نيابة عن الإمارات، وكذب على المحققين الفدراليين. واتهم المحققون باراك بأنه استغل علاقته الخاصة مع ترامب لمنفعة الإمارات، والعمل كقناة سرية للتواصل والتي مرر من خلالها معلومات حساسة للإماراتيين.
وشملت الأدلة التي قُدمت للمحاكمة، منشورات على منصات التواصل الاجتماعي، وتواصلا عبر البريد الإلكتروني، واتصالات تظهر كيف قدم المسؤولون الإماراتيون لباراك نقاطا معينة لكي ينقلها في أحاديثه للإعلام. وعلق مسؤول إماراتي في رسالة: “لقد نجحت بالمهمة لصالح فريقنا” أي الإمارات. ونفى باراك الذي لم يسجل كعميل أجنبي في وزارة العدل، كل الاتهامات بشدة، وفشل محامو الاتهام في إقناع المحلفين بأن دوره أسهم في ارتكاب جرائم. وتمت تبرئة مساعد له وهو ماثيو غرايمز، ورفض متحدث باسم باراك التعليق.
والإمارات ليست الوحيدة في محاولات استخدام أساليب قاسية لليّ النظام السياسي الأمريكي لصالحها. فهناك السعودية وقطر وإسرائيل وتايوان وعدد آخر من الدول الأجنبية، حيث تدير حملات تأثير في الولايات المتحدة لكي تترك أثرا على السياسة الأمريكية. إلا أن التقرير الأمني والتدقيق في نشاطات الإمارات، يعبّر عن مستوى أعلى من القلق وخروج دراماتيكي عن لهجة الإشادة بالبلد من قبل المسؤولين الأمريكيين، رؤساء ووزراء دفاع وخارجية في تصريحاتهم العلنية والتي تؤكد على بشكل روتيني على “أهمية تعميق العلاقات الأمريكية- الإماراتية”.
ومنذ عام 2021، أصبحت الإمارات ثالث مشتر للسلاح الأمريكي، وأنشأت ما يقول المسؤولون الأمريكيون بأنه أقوى جيش في العالم العربي من خلال بناء علاقات مع المؤسسة السياسية والعسكرية والدفاعية الأمريكية. وشاركت الإمارات إلى جانب القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق وسوريا، واستقبلت 5 آلاف جندي أمريكي في قاعدة الظفرة الجوية، وترسو سفن حربية أمريكية في ميناء جبل علي. وعادة ما يدافع أنصار الإمارات في مراكز البحث والدوائر السياسية عنها، ويصفونها بأسبرطة الصغيرة، لكنهم يتجاوزون في الوقت نفسه سجلها في حقوق الإنسان وعلاقتها القوية مع السعودية. ولا يوجد في الإمارات انتخابات تشريعية أو قضاء مستقل، ويُحظر انتقاد الحكومة والاتحادات النقابية والعلاقات المثلية. ويصنف “فريدم هاوس” البلد الخليجي في المراتب الدنيا من ناحية الحرية.
إن الجو الخانق للحريات يتناقض مع المباني اللامعة التي تشمل أطول مبنى في العالم، وفنادق الخمسة نجوم، وجبال التزلج داخل الأماكن المغلقة، ومتنزه عالم فيراري، والحفلات الموسيقية والإعفاءات الضريبية. وفي السنوات الأخيرة، حذر المسؤولون الأمريكيون من تحول الإمارات إلى ممر تببيض أموال للمجرمين والمتشددين. وتم التركيز على الإمارات في السنوات الماضية بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي عام 2018، وهو ما دفع الكثير من شركات اللوبي ومراكز البحث لفكّ علاقاتها مع السعودية. ولم تلعب الإمارات دورا في الجريمة، إلا أن علاقة رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، دعت للتدقيق.
وقال بروس ريدل، إن محمد بن زايد كان من أكبر المدافعين عن محمد بن سلمان، ووصفه بأنه مصلح أعطى الحرية للنساء بقيادة السيارات، ويريد جعل بلاده بلدا طبيعيا، وكل هذا تحطم عند مقتل خاشقجي.
وزاد القلق بشأن ملفات حقوق الإنسان في الإمارات، نظرا للدور الذي لعبته في حرب اليمن القاسية والتي انسحبت منها بعد ذلك. فيما عبّرت دائرة الرقابة بوزارة الدفاع الأمريكية، عن قلق من إمكانية تمويل الإمارات لشركة المرتزقة الروسية “فاغنر” القريبة من الكرملين، والتي لعبت دورا في ليبيا وإفريقيا وأوكرانيا، وهو ما تنفيه أبو ظبي. ورغم الدعم القوي الذي تتمتع به الإمارات في الكونغرس من الحزبين، إلا أنها أقامت علاقات قوية مع إدارة ترامب التي أقرت صفقة بـ23 مليار دولار لبيع مسيرات “أم كيو- 9” ومقاتلات “أف-35”.
وكشف تحقيق أجرته صحيفة “واشنطن بوست” عن قيام عسكريين أمريكيين متقاعدين ومتعهدين عسكريين سابقين، بتطوير القوات الإماراتية، والعمل كمستشارين في أجهزتها الأمنية والعسكرية، وأن أكثر من 280 منهم عملوا في الإمارات برواتب خيالية. كما لعب السفير يوسف العتيبة، دورا مهما في تحسين وضع الإمارات بواشنطن من خلال إقامته علاقة مع المسؤولين ورجال الأعمال وعلى مدى الطيف السياسي والتجاري.
ولا يذكر التقرير أسماء بعينها، ولكنه يشير إلى لقاءات ومناقشات بين المسؤولين في البلدين، منها لقاء بين مسؤول أمريكي وإماراتي، تحدثا عن “إنقاذ العلاقة” بين البلدين. وقال شخص قرأ التقرير، إن الوصف ينطبق على العتيبة الذي نقلت عنه الصحيفة قوله ردا على سؤال لها إنه “يتشرف بكونه واحدا من مجموعة نوايا حسنة في البلدين بنوا علاقة طويلة ودائمة وجعلت الولايات المتحدة والإمارات والمنطقة آمنة، مزدهرة ومنفتحة”. يذكر أن بعض المشرعين تقدموا بمشاريع قوانين لإصلاح نظام التبرعات للحملات السياسية ومنع جماعات اللوبي المسجلة نيابة عن حكومات أجنبية، بالتبرع.
U.S. intelligence report says key gulf ally meddled in American politics