واشنطن بوست: ترامب محق بشأن سورية : لقد حان وقت المغادرة
بقلم جيفري د. ساكس*، واشنطن بوست 5/4/2018
اقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مؤخراً، أن على الولايات المتحدة الخروج من سورية “قريباً جداً”. وقد تراجعت الأصوات القيادية لمؤسسة السياسة الخارجية -في وزارة الدفاع ووزارة الخارجية والكونغرس ووسائل الإعلام- التي كانت تطالب الولايات المتحدة بالبقاء سورية. وأذعن ترامب بسرعة. كان ترامب على حق (نعم، في أمر نادر الحدوث) في حين كانت الدولة الأمنية مخطئة مرة أخرى. وقد مر وقت طويل على استحقاق إنهاء الولايات المتحدة تدخلها العسكري المدمر في سورية وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط، على الرغم من أن من المستبعد أن تسمح الحالة الأمنية بأن يحدث ذلك.
تعارض مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية خروج الولايات المتحدة من سورية، على أساس أن ذلك سوف يمكِّن حليفتي ذلك البلد، إيران وروسيا، كما أوضح في كانون الثاني (يناير) وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون في تنسيق وثيق مع وزير الدفاع، جيم ماتيس. وبشكل أكثر عمومية، تحاول الدولة الأمنية الأميركية عادة الاحتفاظ بقواعد عسكرية في الأماكن حيث تدخلت الولايات المتحدة عسكرياً ذات مرة. وهو السبب في وجود مئات عدة من القواعد العسكرية الأميركية في مختلف أنحاء العالم في أكثر من 60 بلداً.
تؤمن الدولة الأمنية بأن للولايات المتحدة الحق وبأن لديها الوسائل لتقرير مَن يحكم في الشرق الأوسط، وأي حلفاء تختار. وهي تعتقد بأن علينا أن نقاتل في سورية لأن مؤسسة السياسة الخارجية لا تحب بشار الأسد، خاصة حقيقة أنه يتحالف مع إيران وروسيا. ولهذا السبب، أعلن السيناتور ليندسي غراهام أن مغادرة سورية “هي أسوأ قرار مفرد يمكن أن يتخذه الرئيس”.
هذا النهج الساذج للسياسة الخارجية -القائم على الإطاحة بالحكومات التي لا نحبها واستبدالها بأخرى نحبها- هو جوهر مشكلة السياسة الخارجية الأميركية. ونتيجة لهذا النهج، ظلت الولايات المتحة متورطة في الحروب من دون توقف لتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما في ذلك أفغانستان، والعراق، وسورية وليبيا. وقد تحدث ترامب ذات مرة عن الانسحاب من أفغانستان، لكن الولايات المتحدة ما تزال باقية هناك أيضاً لأن الدولة الأمنية تريد أن تكون الأمور على هذا النحو.
تنتهك حروب الولايات المتحدة من أجل تغيير الأنظمة القانون الدولي، وتكلف البلد ترليونات الدولارات، وتقوض الديمقراطية الأميركية عندما يتم خوض الحروب بالخداع والأكاذيب بلا توقف، والتي تفشل دائماً تقريباً في تحقيق أهدافها. فهي إما أن تنجح في الإطاحة بحكومة، فقط ليعقبها العنف وعدم الاستقرار (كما هو واقع الحال في أفغانستان والعراق وليبيا)، أو أنها تفشل في الإطاحة بالحكومة، وتتسبب بدلاً من ذلك بنشوب حرب دموية مستمرة (كما هو الحال في سورية).
لقد حان الوقت لكي يفهم الرأي العام الأميركي ماهيّة الحرب السورية. وقد وصفتها وسائل الإعلام السائدة بأنها حرب أهلية، لكنها لم تكن أي شيء من هذا القبيل. ومنذ بدايتها في العام 2011، كانت حرباً دفعت بها الولايات المتحدة وبعض دول المنطقة وإسرائيل وتركيا وآخرون، من أجل الإطاحة بالأسد وإجبار إيران وروسيا على الخروج من سورية.
في حقيقة الأمر، فشلت هذه الحرب في تحقيق أي شيء سوى تدمير سورية، ونزع استقرار أوروبا، واستنزاف الولايات المتحدة. ويقدر أن نحو 500.000 سوري لقوا حتفهم في الحرب، بالإضافة إلى 10 ملايين لاجئ ونازح. وما يزال الأسد في السلطة، وما تزال إيران وروسيا حليفتاه. وباختصار، كانت الجهود الأميركية كارثة.
كان قرار الولايات المتحدة محاولة الإطاحة بالأسد قد اتخذ في وقت الربيع العربي في العام 2011. وعندما اندلعت الاحتجاجات في سورية، وقمع نظام الأسد المتظاهرين بلا رحمة، تحرك الرئيس أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لإسقاط الأسد. ويبدو أنهما اعتقدا أن وكزة قوية سوف تسقط النظام، ويبدو أنهما لم يفكرا بدقة كبيرة في احتمالية النجاح.
بما أن حرباً تقودها الولايات المتحدة مباشرة على سورية كانت لتشكل انتهاكاً للقانون الدولي، أطلق أوباما وكالة المخابرات المركزية لتعمل بشكل سري مع بعض دول المنطقة. وتحالفت وكالة المخابرات المركزية مع هذه الدول في عملية بالاسم الرمزي “تمبر سكايمور” لدعم القوى المناهضة للأسد والجهاديين من خارج سورية. وبطبيعة الحال، لم يكن هناك أي تصويت من الكونغرس، ولا حديث صادق مع الشعب الأميركي، ولا تصويت في الأمم المتحدة أيضاً.
لكن سورية وإيران وروسيا واجهت جهود الولايات المتحدة وحلفائها بفعالية. وفي العام 2014، انشق بعض الجهاديين لتشكيل “داعش” وإعلان خلافة، وهو ما بدأت بعده الولايات المتحدة بمحاربة “داعش” أيضاً. ودعمت الولايات المتحدة المقاتلين الأكراد لمحاربة التنظيم الإرهابي، لتدفع في نهاية المطاف تركيا الغاضبة المعادية للأكراد إلى تحالف ضمني مع روسيا.
والآن، بعد ست سنوات من الحرب والدمار والفشل في سورية، حان الوقت لكي ينتهي سفك الدم السوري، والأهم من كل شيء إنهاء دعم الولايات المتحدة للقوى المناهضة للأسد. ومع ذلك، ما تزال الدولة الأمنية مركزة على تواجد إيران وروسيا في سورية.
ضعوا نهاية لهذه الحرب، ودعوا الدبلوماسية ضمن إطار للأمم المتحدة ترتب لما بعد الحرب التي قادتها الولايات المتحدة، والتي ما كان ينبغي أن تحدث من الأساس. ومن المهم بشكل حاسم أن يكون الشعب الأميركي متيقظاً لوقف مؤسسة السياسة الخارجية عن تسريع الاندفاع إلى حرب أخرى أيضاً، هذه المرة مع إيران، والتي يمكن أن تصنع كارثة أكبر بكثير.
*أستاذ جامعي ومدير مركز التنمية المستدامة في جامعة كولومبيا، ومؤلف “عصر التنمية المستدامة”.