ترجمات أجنبية
واشنطن بوست: الوجود العسكري الأمريكي يتوسع في الشرق الأوسط
واشنطن بوست 16-3-2024، ستيف هندريكس وسوزانا جورج: الوجود العسكري الأمريكي يتوسع في الشرق الأوسط
في الوقت الذي حرف فيه العقيد جيرمي أندرسون مقدمة طائرته التي تحمل 16 حزمة من المساعدات الغذائية الطارئة لغزة ورماها فوق سماء شمال القطاع، كانت المقاتلات الأمريكية والمروحيات العسكرية بعيدا آلاف الأميال تهدر منطلقة من سطح حاملة الطائرات “يو إس إس دوايت دي أيزنهاور”، لمواجهة مقاتلي الحوثي الذين يهاجمون السفن التجارية في البحر الأحمر.
وفي كلا الساحتين، يقول الجنود الأمريكيون إن مهمتهم تتغير بطريقة غير متوقعة، في وقت تحرك البيت الأبيض سريعا لمواجهة تداعيات الحرب الإسرائيلية في غزة.
والآن، والجنود الأمريكيون في الطريق من أجل بناءميناء عائم قبالة ساحل غزة، فقد أصبحوا جزءا من الحضور الأمريكي المتوسع في الشرق الأوسط وهي المنطقة التي حاول الرئيس جو بايدن عدم التركيز عليها، والتحول لمواجهة الخطر الروسي والصيني. وعادة ما أدى تورط أمريكا في الشرق الأوسط إلى دمار، وكلّفها ثمنا باهظا.
وقال العقيد أندرسون بعد عودته إلى مطار عسكري في الأردن تنطلق منه الطائرات المحملة بالمساعدات: “هذا أمر كان متوقعا” و”لم نكن نعرف في مرحلة ما بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر أننا سنأتي لمساعدة الناس أثناء أزمة حقيقية”.
وفي البحر حيث يستهدف المقاتلون الحوثيون السفناحتجاجا على الحرب الإسرائيلية، يقول الأدميرال مارك ميغويز، إن مجموعة حاملة الطائرات كانت تخطط للعبور من الشرق الأوسط واستقبال الشخصيات البارزة والمشاركة في مناورات عسكرية. وأضاف قائلا: “قبل الحرب، كنا سنزور البحرين ونستقبل الملك حيث خططنا للكثير”، وبدلا من ذلك، يقول قائد مجموعة الهجوم إن قواته تقوم باعتراض المسيرات الحوثية والصواريخ الباليستية، في منطقة تعتبر الأهم للتجارة العالمية، إلى جانب توجيه ضربات للجماعة في العمق اليمني.
وأضاف الأدميرال: “سنبقى هنا طالما استدعت الحاجة لذلك”. وتعلق الصحيفة أن الحرب في غزة علمت بايدن درسا فهمه الرؤساء السابقون وهو أنه “من الصعب التخلي عن الشرق الأوسط”. فبعدما انتهت “الحروب التي لا تنتهي” في العراق وأفغانستان، أرادت إدارته التحول نحو مواجهة العدوان الروسي في أوكرانيا، والتوسع الصيني في منطقة المحيط الهادي. إلا أن هجوم حماس في 7 أكتوبر غيّر كل هذا.
ويجد البنتاغون نفسه الآن متورطا في أكثر النزاعات استعصاء في الشرق الأوسط، بشكل يعكس الدور الدعم الثابت من بايدن لإسرائيل، والإحباط المتزايد منها بسبب الطريقة التي تدير بها الحرب. ولا توجد أدلة على انتهاء المهمة العسكرية الأمريكية في المنطقة سريعا، وسط زيادة عدد الضحايا الذي وصل عددهم إلى أكثر من 31,000 فلسطيني، وكارثة إنسانية بسبب منع إسرائيل دخول المواد الإنسانية برا.
وأرسلت القوات الأمريكية بداية الشهر الحالي من ولاية فيرجينيا، سفناً إلى البحر المتوسط للمساعدة في إيصال حوالي مليوني وجبة يوميا إلى قطاع غزة.
وقال المسؤولون الأمريكيون إن الجنود سيعملون على بناء رصيف عائم وممر بحري يسهّل عملية وصول المواد الغذائية إلى غزة، بدون أن تطأ اقدام الجنود تراب القطاع.
وقال ديفيد أرون ميلر، الزميل البارز في وقفية كارنيغي للسلام العالمي، والمسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية إن “فندق كاليفورنيا.. يجب أن تكون الأغنية الرسمية لإدارة بايدن”. وقال: “تستطيع أن تحجز في أي وقت، لكنك لا تستطيع المغادرة”.
وإلى جانب هذه الجهود، بدأ البنتاغون بنقل الأسلحة وبكميات كبيرة إلى إسرائيل مباشرة بعد الحرب لمنع حزب الله من فتح جبهة أخرى وعدم توسع الحرب في كل المنطقة. وقرر نشر حاملتي الطائرات أيزنهاور وجيرالد فورد في الشرق الأوسط، وسفن من وحدة باتان البرمائية قبالة إسرائيل، وأعلن أنه سيرسل أسرابا من مقاتلات أف-16 وأنظمة دفاعية أخرى إلى المنطقة.
وتمثل التحركات زيادة في النشاطات العسكرية بالمنطقة، ولكنها تظل أقل من الحضور العسكري الأمريكي في الحروب التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر، حيث نشرت أكثر من 160,000 جندي في العراق، وحوالي 100,000 جندي في أفغانستان.
وإلى جانب القوات الأمريكية الموجودة في قطر والبحرين والإمارات، هناك اليوم حوالي 4,000 جندي أمريكي في الأردن، و2,500 في العراق، و900 في سوريا. ولم يتغير مستوى العمليات بعد هجمات 7 أكتوبر ولا عدد القوات البرية. وأكد البنتاغون أنه يعمل على أطراف النزاع ولا يتدخل مباشرة فيه، إلا أن أحدا لا ينكر المخاطر التي تحيط بالجنود الأمريكيين على متن المقاتلات والبوارج الحربية في منطقة متفجرة كالشرق الأوسط.
ففي العراق وسوريا، أدت حرب غزة لقيام الجماعات الموالية لإيران باستهداف القوات الأمريكية. وشنت الجماعات هذه أكثر من 170 هجوما ضد القوات الأمريكية بعد هجمات حماس. وفي 28 كانون الثاني/ يناير، قتلت مسيرة عسكرية ثلاثة جنود أمريكيين وجرحت آخرين، عندما استهدفت برج 22، وهو موقع عسكري صغير في الأردن.
وردّ البنتاغون بسلسلة من الهجمات ضد الجماعات الموالية لإيران، وقتل قياديا في بغداد، مما أعاد ميزان الردع والهدوء. وفي البحر الأحمر وحول شبه الجزيرة العربية، ناضلت الولايات المتحدة وحلفاؤها لاحتواء الهجمات الحوثية، مع أنها تقوم بغارات ضدهم منذ شهرين واستهدفت مخازن أسلحتهم وبناهم التحتية.
واستهدف الحوثيون منذ تشرين الأول/ أكتوبر، 60 سفينة تجارية، وأغرقوا واحدة هي “روبيمار” وتسببوا بحرف مسار التجارة العالمية وزيادة كلفة الرحلات التجارية والتأمين. كما واجهوا مباشرة القوات الأمريكية واستهدفوا قوة كانت تستجيب لنداء استغاثة من سفينة تجارية.
وقال الأدميرال ميغويز والقيادات معه على متن أيزنهاور، إن نشاطات الحوثيين تناقصت في الأسابيع القليلة الماضية. وأن المسلحين لم يعودوا يتحركون بحريّة وأصبحت هجماتهم أقل جرأة. ولكنه وصف مستوى العمليات بأنه مثل “قرع الطبول المستمر”.
ويقول الطيار أندرسون إن إلقاء المساعدات جوا يحمل مخاطر، مشيرا إلى المجال الجوي المزدحم بطائرات المساعدات الإنسانية، حيث تشارك الولايات المتحدة ومصر والأردن وبلجيكا وهولندا في هذه الجهود. وأضاف: “في بعض الأحيان، هناك تسع أو عشر طائرات في مجال ضيق”. وقال إن مراقبة الحركة الجوية الإسرائيلية تتعاون في خفض التوتر من خلال مقاتلاتها ومروحياتها.
وقالت الهيئة الإسرائيلية المسؤولة عن تفتيش حزم المساعدات، وهي الإدراة المدنية للمناطق، إنها “تشترك” في تفتيشها قبل رميها على غزة.
وفي إسرائيل، رحب بعض المسؤولين بالدعم الإنساني جوا؛ لأنه بديل عن وكالة الأونروا. في المقابل، يرى المتطرفون في حكومة بنيامين نتنياهو أن الدعم تسيطر عليه الجماعات المسلحة بشكل يساعدها على مواصلة القتال. ولم يصدر عن نتنياهو أي موقف من الدعم الجوي، وقال مصدر مطلع: “يعرف أن أي دعم يأتي لغزة هو مشكلة للرأي العام”.
إلا أن بعض الإسرائيليين يرون أن نشاطات الجيش الأمريكي هي نتاج إحباط بايدن من إسرائيل وفشلها في حل الأزمة الإنسانية، وهم خائفون من تحرك واشنطن ووضع قيود على الدعم العسكري لهم.
ويقول تشاك فريليتش، نائب مستشار الأمن القومي السابق، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة كولومبيا: “إنها صفعة في وجه نتنياهو شخصيا” و”يقوم حليف كبير بالدوران حول حليف صغير ليعمل ما يريد”، مضيفا: “إذا لم يغير نتنياهو المسار سريعا، فالضرر سيكون كبيرا”.