ترجمات أجنبية

واشنطن بوست: الوثائق المسربة عن حرب أوكرانيا تقشعر لها الأبدان

واشنطن بوست ١١-٤-٢٠٢٣م، ديفيد إغناطيوس: الوثائق المسربة عن حرب أوكرانيا تقشعر لها الأبدان

كنت اعمل مراسل للشؤون الأمنية لصحيفة “وول ستريت جورنال” حيث أخبرني مسؤول مكافحة الاستخبارات في سي آي إيه في حينه، جيمس جي أنغيلتون، بأنه لا يهم أن يكون الجاسوس عميلا مزدوجا أو يعمل لثلاث جهات طالما كنت تعرف الفرق.

جرى هذا الحديث عندما كنت  في عمر 29 عاما ولم افهم ما عنى به أنغيلتون، لكن معنى ما قاله بات واضحا في التسريبات الاستخباراتية العسكرية الأخيرة والمتعلقة بحرب أوكرانيا.

فهل كان الطرف المسرب لها هم الروس، الذين يريدون الكشف عن ضعف الأوكرانيين وتدمير معنوياتهم؟، كما يعتقد معظم الخبراء الذين اتصل الكاتب بهم. أم أن الأوكرانيين هم من نشروها، حسبما اقترح مدونون روس، في مؤامرة لدفع الكرملين للاعتقاد ان أوكرانيا ضعيفة وإخفاء القوة الحقيقية مقدما وقبل الحملة العسكرية المتوقعة؟.

وما يهم في المرايا المتوحشة التي تحدث عنها أنغيلتون هو التفريق بين الحقيقة وما تم التلاعب به. ورغم الكشف عن عدد من الوثائق المزورة إلا أن مسؤولا أخبره عن استمرار فحص الوثائق المسربة وأنها تبدو صحيحة.

إن الاستخبارات هي عما يطلق عليه الفلاسفة علم المعرفة، دراسة ما نعرفه عما نعرف. ولكن دعنا نركز على بعض الحقائق الرئيسية في الوثائق، والتي تحتوي على معلومات منسوبة لمصادر، فمن خلال التركيز على هذا المعلومات فإننا نقصر أنفسنا على عدد من الموضوعات الرئيسية، منها أن أوكرانيا تواجه نقصا في الغطاء الدفاعي الجوي والمكلف في الحرب، وهو ما دفع الولايات المتحدة في الأسبوع الماضي إلى تقديم أنظمة دفاعية جوية وأسلحة بقيمة 2.6 مليار دولار.

وتضم حزمة المساعدات ذخيرة ونظام هيمارس الصاروخي وبطاريات للصواريخ وتسع عربات محملة بالمدافع وعشرة أنظمة ليزر مضادة للطائرات المسيرة ورادارا للرقابة وأسلحة مضادة للطائرات وصواريخ غراد.

إن الإرقام المجردة حول النقص في الدفاعات الأوكرانية والمسجلة في وثيقة تعود إلى 23 شباط/فبراير مخيفة. وتعتمد أوكرانيا على أنظمة سوفييتية مثل أس إي-10 وأس إي-11 وبنسبة 89% من دفاعاتها الجوية على مستوى 20 ألف قدم.

وبحسب الوثيقة، فإن صواريخ أس-11 ستنضب بحلول 31 آذار/مارس، أما صواريخ أس-10 فستنتهي بحلول 2 أيار/مايو، وتشير الوثيقة إلى أن الأنظمة الأخرى لا يمكن أن تتناسب مع حجم الهجمات الروسية ولأن النقص حاد فيجب البحث عن عدة طرق لتخفيف الوضع وبشكل متتابع. ولو لم تملأ أوكرانيا هذا الفراغ فإن روسيا ستسيطر على الأجواء وتقوم بالضرب في أي وقت تريد. وهذا يعني عدم قدرة أوكرانيا على حشد قواتها البرية للهجوم المضاد.

أما الأمر الثاني، فإن ترسانة الديمقراطية الغربية لا تقترب من الوفاء باحتياجات أوكرانيا. فمن الناحية النظرية، يجب أن يكون الدعم اللوجيستي أهم تميز لأوكرانيا على روسيا التي تعاني من عقوبات كافية لشلها. ولكن هناك عدم تناسب بين استخدام الأوكرانيين للصواريخ والذخيرة وبين قدرة الغرب على الإمداد. وهذا بسبب استهلاك الأوكرانيين كميات كبيرة من الذخيرة، ولكن الوثائق تقول إن هذا هو سبب الجهود الحثيثة لإقناع دول مثل كوريا الجنوبية وإسرائيل بإرسال أسلحة إلى أوكرانيا.

ومن المفترض أن تكون هذه هي الورقة الرابحة للولايات المتحدة، ففي أثناء الحرب العالمية الثانية حولت مواقع التصنيع حول البلاد لصناعة الدبابات والطائرات وحاملات الطائرات وجعلها تتفوق على اليابان وألمانيا. ولم يتم القيام بنفس التعبئة هذه المرة، ولماذا لا؟ والتقى وزير الدفاع لويد أوستن مع المتعهدين في صناعة السلاح عدة مرات، ولكن لماذا لم يعين بايدن مجلسا للتصنيع الحربي كما فعل فرانكلين دي روزرفلت!.

أما الأمر الثالث، فقد كانت الولايات المتحدة حذرة من المخاطرة وأكثر من اللازم. وتشير وثيقة إلى أن بريطانيا وفرنسا أرسلتا طائرات للحروب الإلكترونية فوق البحر الأسود، في وقت أرسلت فيه الولايات المتحدة مسيرات فقط، لماذا؟ الجواب لأن أمريكا لا تريد حربا مباشرة مع روسيا، مثل ما حدث عندما كادت روسيا أن تسقط طائرة بريطانية من نوع أر أس-135 حسب وثيقة.

حذر الإدارة معقول، لكن هل الحذر أكثر من اللازم؟ فالقانون الدولي يسمح لطائرات الرقابة بالتحليق لمسافة 12 ميلا عن الشاطئ، لكن وثيقة وضعت حدا أوسع بحوالي 50 ميلا حول شبه جزيرة القرم. وقرر المسؤولون الدفاعيون أن المعلومات التي تم الحصول عليها من التحليق قريبا لا تساوي المخاطرة، ولكن عليهم شرح هذا للرأي العام.

وأخيرا، استمع الصحافيون ومنذ عدة أشهر في أحاديثهم الخاصة مع المسؤولين أن هذا النزاع دخل مرحلة مسدودة، إذ أنهكت الخسائر الفادحة الطرفين. وتقدم الوثائق صورة أوضح، فتحليل أعد في 23 شباط/فبراير وصف “حملة الاستنزاف الطاحنة” والتي تتجه نحو طريق مسدود. وتراهن أوكرانيا أن تعكس حملة الربيع هذا التوجه. وتدعم الإدارة هذه المقامرة “كل هذا يعتمد على القتال في الربيع ومدة الحرب”، كما قال مسؤول للكاتب. وقال السياسي البريطاني وينستون تشرتشل عام 1943 “الحقيقة غالية ولهذا يجب أن تكون بحضور حارس من الأكاذيب”. ولكن معلومات أوكرانيا الاستخباراتية صحيحة ولهذا فهي تحكي قصة تثير القشعريرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى