ترجمات أجنبية

واشنطن بوست: التداعيات الخطيرة لتفجيرات أجهزة إتصالات حزب الله

واشنطن بوست 17-9-2024، ديفيد اغناطيوس: التداعيات الخطيرة لتفجيرات أجهزة إتصالات حزب الله

إن المشاهد القادمة من لبنان يوم الثلاثاء أشبه بفيلم لجيمس بوند حيث انفجرت أجهزة “بيجر” وبشكل متتابع في جيوب مئات اللبنانيين حول البلد، فيما ظهر وكأنها عملية “عبقرية” جمعت بين الهجوم السايبري والتخريب. إلا أن حزب الله هو من سيكتب الفصل المقبل من فيلم الإثارة في الزمن الحقيقي.

وكان المسؤولون الإسرائيليون في ليلة الثلاثاء يحضرون للهجمات الانتقامية، لو لم يتم احتواؤها، والتي قد تشعل حربا إقليمية شاملة، حاول المسؤولون الأمريكيون منعها ولأكثر من عام. إسرائيل لا تعلن عن المسؤولية، وهي ليست بحاجة لعمل هذا. فعمل بهذه البراعة والجرأة في لبنان لا تقوم به أي دولة، غير إسرائيل.

فمشاهد الفيديو التي أظهرت مقاتلي حزب الله وهم يسقطون على الأرض بواسطة أجهزة الاتصالات الخاصة بهم كانت بمثابة رسالة إسرائيلية لا لبس فيها إلى الجماعة المدعومة من إيران: نحن نملككم ونحن قادرون على اختراق كل مساحة تعملون فيها. وعندما يفكر حزب الله في الرد، فعليه أن يتصرف بأن إسرائيل قد يكون لديها مفاجآت لهم، ولديها فعلا”، حسب قول مصدر على معرفة بالتفكير الإسرائيلي في مقابلة مع الكاتب يوم الثلاثاء.

مسؤولي إدارة بايدن نأوا سريعا بأنفسهم عن الهجوم في لبنان، قائلين إنهم لم يتلقوا أي إشعار مسبق، وبالنسبة للرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، فإن التوقيت لا يمكن أن يكون أسوأ: يأتي هذا التصعيد الحاد وخطر اندلاع حرب أوسع نطاقا قبل أقل من شهرين من الانتخابات الرئاسية – وقد يؤدي ذلك إلى تفجير أي فرصة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.

ويضيف أن المسؤولين الأمريكيين كانوا على اتصال مع الإيرانيين من خلال قناة خلفية يوم الثلاثاء لإبلاغها بأن الولايات المتحدة لم يكن لها أي دور في الهجوم. والحقيقة هي أن شعور الإدارة الأمريكية في الوقت الراهن هو أن حزب الله مرتبك ومذعور، وأنه لن يقوم برد عسكري فوري. وإذا وقع هجوم، يعتقد المسؤولون الأمريكيون أن إسرائيل قادرة على احتواء الضرر، وأن الولايات المتحدة سوف تساعد في الدفاع عن إسرائيل إذا لزم الأمر.

 قرار إسرائيل شن العملية في هذا التوقيت كان مدفوعا باعتبارات سياسية وعملياتية، فقد تعطلت خطة وقف إطلاق النار التي تقودها الولايات المتحدة، ومعها الأمل في التوصل إلى اتفاق دبلوماسي مع حزب الله لتهدئة الحدود. وبعد أن طورت إسرائيل القدرة غير العادية على تحويل أجهزة الاتصالات الخاصة بخصومها إلى قنابل، ربما حكمت بأن هذه القدرة يجب استخدامها قبل اكتشافها وتعطيل أجهزة النداء أو بيجر كما ذكر موقع “المنيتور” مساء الثلاثاء.

رغبة إسرائيل بتوجيه ضربة قوية لحزب الله تعكس وجهة نظر واسعة بين الإسرائيليين مفادها أن البلاد لا تستطيع تحمل ما أصبحت حرب استنزاف طويلة مع حزب الله. ورغم أن إسرائيل نجحت فعليا في تحييد حماس عسكريا في غزة، إلا أن حزب الله واصل توسيع هجماته الصاروخية ضد شمال إسرائيل. واضطر أكثر من ستين ألف إسرائيلي إلى إخلاء منازلهم في الشمال، تاركين وراءهم ما يمكن وصفها ببلدات أشباح.

الرغبة بالتعامل مع “الشمال” كما يتحدث الإسرائيليون صارت قوية وكثيفة مثل الرغبة في تحرير الأسرى لدى حماس. وبحسب المصدر المطلع على التفكير الإسرائيلي: “عندما يتعلق الأمر بلبنان والشمال، هناك إجماع متزايد في إسرائيل على ضرورة القيام بشيء ما”.

كما لاحظ المصدر أن مجلس الوزراء الإسرائيلي أضاف يوم الاثنين هدفا جديدا إلى قائمة أهداف الحرب: عودة الإسرائيليين إلى منازلهم بالقرب من الحدود مع لبنان. ويعتقد الكاتب أن براعة العملية الإسرائيلية وتفجير أجهزة النداء/بيجر تعطي صورة أن إسرائيل تعرف أسرار سلسلة الإمدادات السرية لحزب الله، التي وزعت الأجهزة المتفجرة.

وكان زعيم الجماعة، حسن نصر الله، قد حذر عناصره في خطاب ألقاه في شباط/فبراير وطالبهم بالتوقف عن استخدام الهواتف المحمولة، التي “أصبحت مثل الأكسجين للجميع”، ولكنها كشفت عن مواقع المقاتلين، وكانت تعمل في بعض الأحيان كأجهزة تجسس إسرائيلية. وقال نصر الله: “لم تعد إسرائيل بحاجة إلى عملاء، إن أجهزة مراقبتها موجودة في جيوبكم، وإذا كنتم تبحثون عن العميل الإسرائيلي، فانظروا إلى الهاتف الذي بين أيديكم وهواتف زوجاتكم وأطفالكم”. فقد كان نصر الله يعلم أن الأجهزة المحمولة ترسل إشارات إلى أبراج الهواتف المحمولة التجارية التي يمكن اعتراضها بسهولة.

وعليه سارع حزب الله لحماية شبكته العسكرية وتوفير بيجر خاص لعناصره يعمل على نظام من الصعب تتبعه. ولم يكن الحزب يتخيل قدرة العملاء الإسرائيليين على اختراق سلسلة التوريد لبيجر. وهو ما حدث على ما يبدو، حسب قول خبير حرب إلكترونية أمريكي.

وأرسل حزب الله رسالة فيها دلالة يوم الثلاثاء أمر فيها كل عنصر من عناصره حصل على بيجر جديد برميه. وتساءل الكاتب عن العامل الذي أدى لانفجار الأجهزة في الساعة 3:30 مساء الثلاثاء، وعندما بدأت الإصابات بالتدفق على مستشفيات بيروت. وبحسب محلل أمريكي تحدث للكاتب، فقد اشتبه حزب الله بأن البرامج الإسرائيلية الخبيثة ربما تسببت في انفجار بطاريات الليثيوم في أجهزة النداء/بيجر. ولكن مقاطع الفيديو التي التقطت العديد من الانفجارات تجعل هذه النظرية غير مرجحة. ذلك أن بطاريات الليثيوم تسخن بشدة قبل أن تنفجر، حيث تصبح ساخنة جدا بحيث لا يستطيع أحد أن يحتفظ بها في جيبه لفترة طويلة.

ويبدو أن الانفجار كان يسبقه عادة دخان ثم حريق، كما تظهر مقاطع الفيديو. وبحسب مصادر أمريكية، تحدثت للكاتب، فما حدث بالفعل هو أن عملاء إسرائيليين تمكنوا من الوصول إلى أجهزة النداء/بيجر نفسها قبل توزيعها وإدخال كميات صغيرة من المتفجرات القوية للغاية. وقالت المصادر إن البرامج الخبيثة التي تم إدخالها في أنظمة تشغيل أجهزة النداء ربما خلقت محفزا إلكترونيا، بحيث تنفجر أجهزة النداء عند تلقيها مكالمة من رقم معين أو أي إشارة أخرى.

العملية كانت رائعة، لأنها استهدفت الجميع في الشبكة العسكرية، بمن فيهم السفير الإيراني في لبنان الذي ظهر في مقاطع فيديو وهو يدخل المستشفى بعد إصابته. ويقول إغناطيوس إن حزب الله فقد نظام اتصالاته الخاص. ولأنها على ما يبدو تمتلك رقم حزب الله فعليا، تستطيع إسرائيل إرسال رسائل تحذر فيها العناصر في حزب الله الذين نجوا بأنها ستقتلهم لو حاولوا الرد، كما أشار مصدر أمريكي.

وبعيدا عن الأثر المدمر للعملية على حزب الله، فإن الهجوم يعلم بداية حرب سيبرانية خطيرة، حيث أصبح أي جهاز مرتبط بالإنترنت قابلا للتحول إلى سلاح. ومن الممكن التلاعب بدوائر الأجهزة “الذكية” بحيث تتعطل بطريقة خطيرة. ففي الهجوم الإلكتروني “ستكسنت” ضد البرنامج النووي الإيراني، تسببت البرمجيات الخبيثة في دوران أجهزة الطرد المركزي بسرعة شديدة بطريقة دمرت فيها نفسها. وفي مستقبل ما يسمى “إنترنت الأشياء”، قد يكون الجهاز الضال هو هاتفك أو ثلاجتك أو جهاز التلفاز.

مع كل تقدم جديد في تكنولوجيا الأسلحة، يتخيل المصممون أنهم سيحتكرون أدوات الحرب القاتلة. فعلى سبيل المثال، كانت الولايات المتحدة تتمتع ذات يوم بما بدا وكأنه احتكار للطائرات بدون طيار، ولكنها الآن أصبحت أداة حرب شاملة. حتى إن جيمس بوند، العميل 007 الجريء سيعرف أن أعداءه يمكنهم توجيه أسلحته ضده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى