واشنطن بوست: استراتيجية أمريكا الجديدة في سوريا.. دعم الأكراد وانسحاب إيران
بقلم ميسي رايان وجون هدسون ، واشنطن بوست
علقت صحيفة “واشنطن بوست”، في تقرير أعدته ميسي رايان وبول سون وجون هدسون، على التحول في الإستراتيجية الأمريكية في سوريا والتي بات عنوانها “الإنسحاب الإيراني”. ووصف التقرير التحول بأنه “فصل جديد” في التدخل الأمريكي في سوريا ويعني بقاء القوات هناك لحين خروج القوات الإيرانية ووقف التوسع الإيراني في الشرق الأوسط.
وتعلق الصحيفة بأن الرؤية التي وضحها الأسبوع الماضي مسؤولون بارزون تعد تراجعاً درامياً عما قاله الرئيس دونالد ترامب قبل ستة أشهر حول سحب القوات الأمريكية من سوريا على جناح السرعة وبالضرورة وقف المشاركة الأمريكية في الحرب التي قتل فيها أكثر من نصف مليون شخص وشردت الملايين.
وكان مبعوث وزارة الخارجية الخاص إلى سوريا جيمس جيفري قد قال إن الولايات المتحدة ستحافظ على وجود في سوريا يشمل توسيع المهام العسكرية لحين جلاء إيران، جنودها والميليشيات التابعة لها. ويتوقع المسؤولون الأمريكيون نتائج استراتيجيتهم بعد توصل القوى الدولية لصفقة تنهي الحرب.
وعلق جيفري قائلاً: “يريد الرئيس أن نظل في سوريا حتى تنفيذ هذا وبقية الشروط”. وأضاف في تصريحات للصحافيين يوم الخميس إن الوجود الأمريكي مرتبط أيضا بهزيمة تنظيم “الدولة” بشكل كامل. وجاءت تصريحات جيفري بعد يومين من تصريحات مستشار الأمن القومي جون بولتون الذي أكد أن الولايات المتحدة لن تنسحب طالما ظلت القوات الإيرانية خارج حدودها حيث ربط ولأول مرة المسار الأمريكي في سوريا بتحدي الوجود الإيراني.
استراتيجية جديدة
وتعلق الصحيفة أن الإستراتيجية الجديدة تزيد من الرهانات الأمريكية في سوريا وهي بحاجة للتعامل مع عدد كبير من التحديات مثل دعم روسيا لنظام بشار الأسد والذي قلل من توجهه لتقديم تنازلات تنهي النزاع الذي مضى عليه أكثر من سبعة أعوام. ومن غير المحتمل تخلي إيران عن موطئ قدمها في منطقة البحر المتوسط حيث استثمرت المليارات منذ بداية الحرب عام 2011.
وفي المقابل أصبحت مواجهة إيران ووكلائها في سوريا ولبنان والعراق واليمن الهدف الرئيسي لإدارة ترامب. ففي سوريا تشرف قوات الحرس الثوري على 10 آلاف مقاتل بمن فيهم عناصر الميليشيات الشيعية وجنود النظام والذين يشكلون عصب حماية نظام الأسد.
ويعلق فيصل عيتاني، الباحث في المجلس الأطلسي، بأن التحول الأمريكي يبدو أنه مرتبط بأمال المسؤولين الأمريكيين الجديدة بحل من خلال مسار “جنيف” أو أنهم يحضرون لإقامة طويلة خاصة أن حلاً لا يلوح في الأفق. ويقول “إما أننا نضلل الناس ونريد البقاء لما لا نهاية أو أننا نقوم بتضليل أنفسنا” من خلال التفكير أن الحل للأزمة بات في متناول اليد.
وكان مجلس الأمن قد عهد الى مفاوضين تابعين للأمم المتحدة بكتابة دستور جديد للبلاد لكي يكون أساساً للعملية الإنتقالية، وهو ما قاومته حكومة النظام السوري في دمشق. إلا أن الإستراتيجية الجديدة تغير طبيعة المهمة العسكرية التي ظل المسؤولون الأمريكيون يتحدثون عنها وهي ملاحقة بقايا تنظيم “الدولة” والعمل مع المقاتلين الأكراد في شمال شرقي سوريا والحفاظ على حوالي ألفي جندي أمريكي هناك.
وكان موقف المسؤولين في البنتاغون أن المهمة ستنتهي عندما تتم هزيمة التنظيم وتستعاد منه المناطق التي يسيطر عليها. واقترحوا وجوداً على قاعدة مصغرة في سوريا للمساعدة على تحقيق الإستقرار. أما الآن فيربط المسؤولون نهاية تنظيم “الدولة” بتحقيق الأمن في سوريا ونهاية الحرب بشكل عام.
وفي تصريحات لوزير الدفاع جيمس ماتيس ربط فيها العمليات العسكرية في سوريا ببناء قدر من الاستقرار يمنع عودة تنظيم “الدولة” كما جرى في العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية منه عام 2011.
وقال إن “هذا الأمر ليس سهلاً لأنك تواجه عدواً قادراً مثل تنظيم الدولة”. وأكد ان البقاء ليس مفتوحاً لأنه مرتبط بمهمة الأمم المتحدة التي دعت “لإنهاء هذه المشكلة”. ويؤكد المسؤولون في البنتاغون أن المهمة العسكرية الأمريكية لم تتغير، فالقوات الأمريكية مرتبطة من الناحية القانونية بمواجهة تنظيم “الدولة”. ولكنهم يقولون الآن أن مواجهة إيران “هي منفعة ثانوية”، وذلك من خلال الحفاظ على عدد من القوات الأمريكية في سوريا.
وتعلق الصحيفة أن إدارة ترامب راغبة برحيل الإيرانيين لمساعدة حليفتها إسرائيل التي شنت سلسلة من الغرات الجوية هذا العام ضد اهداف إيرانية داخل سوريا. ولم يوضح جيفري طبيعة الوجود العسكري حيث قال إنه قد يشمل على توسيع للمهمة أو ممارسة ضغوط سياسية ودبلوماسية. وقال “كل هذا هو عن الضغط السياسي. ونتوقع أن لا تشعر الحكومة السورية، أي حكومة في نهاية هذه العملية السياسية بحاجة لأن تظل القوات الإيرانية هناك” و”لا نستطيع إجبار الإيرانيين على الخروج من سوريا، ولا نعتقد أن الروس قادرون على إجبارهم”.
عزل إيران
ويعتقد خبراء الشرق الأوسط أن إدارة ترامب تريد استخدام ورقة وجودها العسكري لخدمة استراتيجيتها الرامية لعزل إيران. ويعد جون بولتون من الصقور الذين عارضوا الإتفاقية النووية التي وقعتها إدارة باراك أوباما مع طهران وطالما أكد على أهمية حرمان إيران من بناء “قوس سيطرة” يمتد منها عبر العراق وسوريا ولبنان وقريباً من إسرائيل. ويرى إريك إيلمان، السفير الأمريكي السابق في تركيا وفنلندا والمستشار لمركز الدراسات الإستراتيجية وتقييم الميزانيات ” كل هذا هو عن احتواء إيران وقدرتها على ممارسة السيطرة على المنطقة”.
ويقول خبراء الشرق الاوسط أن بقاء إيران في بلد سني سيغذي باستمرار النزاع. ويعلق تشارلس ليستر من معهد الشرق الأوسط أن القاعدة ستستفيد من التوتر المستمر خاصة أنها تنظر لإيران كعدو مركزي. وتنظر القاعدة لعملياتها في سوريا كثورة ضد نظام الأسد والطائفة العلوية والشيعة الإيرانيين. ويشك خبراء آخرون من إمكانية نجاح استراتيجية الإدارة التي تقوم الآن على هدفين. ويرى مدير مجموعة الأزمات الدولية، روبرت مالي أن فكرة الطلب من إيران الخروج أو إجبارها على عمل هذا تظل “وهماً”، مشيراً إلى أن إيران أقدم حليف للأسد وأكثره مصداقية.
وقال دبلوماسي غربي إن إيران أنفقت عشرات المليارات في سوريا وخسرت المئات من مقاتليها ولو ربطت أمريكا وجودها بخروج القوات الإيرانية فهذا يعني البقاء “لعقود على أقل تقدير”. ويرى آخرون مثل فرد كيغان من معهد أمريكان إنتربرايز بأن أمريكا بحاجة للقيام بأمور غير ممارسة الضغوط الإقتصادية. وهي بحاجة لخطة تفصيلية تعمل على تقليل التأثير العسكري الإيراني في سوريا، هذا إن كانت جادة في تحقيق ما يريده بولتون. وتؤكد الصحيفة أن أي خطة لسوريا مرتبطة بخطوات الرئيس المتقلب والذي كان يدعو قبل شهور لخروج القوات الأمريكية “حالاً” وقال لأنصار “دع الآخرين يعتنون بالمسألة”. وهناك مخاوف من مواجهة أمريكية – إيرانية. وأكد جيفري وبقية المسؤولين على دعم ترامب لبقاء دائم في سوريا، لكن السؤال هو كيف سيرد على سقوط ضحايا أمريكيين أو قتلى من حلفاء واشنطن.