واشنطن بوست: إسرائيل تفرض قواعد جديدة صارمة على منظمات الإغاثة التي تساعد الفلسطينيين

واشنطن بوست 15-3-2025، تيم كارمان: إسرائيل تفرض قواعد جديدة صارمة على منظمات الإغاثة التي تساعد الفلسطينيين
قرر جيش الاحتلال تقييد المنظمات غير الحكومية في ظل جهود إسرائيلية أوسع للحد من إيصال المساعدات إلى غزة وتقليص المساحة التي تعمل فيها المنظمات الإنسانية.
وتشمل القواعد الجديدة قيودا على التأشيرات وتسجيل المنظمات الإنسانية الدولية العاملة في الأراضي الفلسطينية. كما ستفرض قيود تقول المنظمات الإنسانية إن من شأنها تسييس عملها وتعرض الموظفين المحليين والدوليين للخطر وتقوض جهود الإغاثة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتعطي هذه الإجراءات التي أعلنت عنها إسرائيل هذا الأسبوع، سلطة واسعة لرفض تسجيل المنظمات غير الحكومية التي تقدم المساعدة للفلسطينيين.
وتستند على مجموعة واسعة من المعايير: فيما إذا كانت المنظمة غير الحكومية أو موظفوها قد دعوا سابقا إلى مقاطعة إسرائيل أو أنكروا وجودها “كدولة يهودية وديمقراطية” أو أعربوا عن دعمهم للإجراءات القانونية ضد الإسرائيليين في المحاكم الدولية على أفعال ارتكبوها أثناء خدمتهم في الجيش أو أي جهاز أمني.
وتقول منظمات الإغاثة إنها قلقة بشكل خاص من بند يلزمها بتقديم أسماء وتفاصيل الاتصال وأرقام هوية الموظفين الفلسطينيين، وهو أمر تصر إسرائيل على أنه ضروري للتحقق من الموظفين بحثا عن أي صلات محتملة بالمسلحين. ولكن نظرا لما سقط من عاملين في مجال الإغاثة أثناء الحرب في غزة، حيث قتل أكثر من 300 شخص، معظمهم فلسطينيون، ترى منظمات الإغاثة أن طلب تسليم الأسماء لأحد أطراف النزاع يعتبر “إشكاليا للغاية”، وذلك حسب عامل إغاثة مقيم في القدس، والذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته خوفا من تعرضه لمضايقات السلطات الإسرائيلية.
التسجيل في إسرائيل يعد إلزاميا للمنظمات الإنسانية الدولية التي تسعى إلى الوصول إلى الأراضي الفلسطينية، التي يقطنها حوالي 5 ملايين نسمة، ويسهل الحصول على التأشيرات والتصاريح والمعاملات المالية وغيرها من الخدمات اللوجستية الضرورية لعمليات الإغاثة الواسعة.
ولكن على الرغم من أن المنظمات غير الحكومية تعمل في إسرائيل منذ عقود، إلا أن هذه الخطوة لتقييد أنشطتها تأتي في ظل جهد إسرائيلي أوسع نطاقا للحد من إيصال المساعدات إلى غزة وتقليص المساحة السياسية والقانونية التي تعمل فيها المنظمات الإنسانية، كما يقول عمال الإغاثة.
وبررت إسرائيل في بيان لها أن تشديد الرقابة سيضمن تنفيذ أعمال الإغاثة “بما يتماشى مع المصالح الوطنية لإسرائيل”. كذلك أشادت وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية، والمكلفة بتنسيق الشؤون المدنية في الأراضي المحتلة، بالقواعد الجديدة باعتبارها مفيدة للمنظمات غير الحكومية، لأنها، كما قال أحد المتحدثين باسم الوكالة في إحاطة إعلامية حديثة، تبسط إجراءات التسجيل القديمة التي عرقلها كوفيد-19 ثم الحرب.
ومع ذلك فقد كررت إسرائيل وبدون دليل، اتهاماتها القديمة، التي نفتها وكالات الإغاثة، بأن المساعدات المتجهة إلى غزة تحول إلى حماس، الجماعة الفلسطينية المسلحة التي تحكم القطاع.
وفي يوم الخميس، اتهم مكتب تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، في منشور على منصة إكس منظمات الإغاثة بنشر “روايات كاذبة” تلقي باللوم على الحكومة الإسرائيلية في نقص المساعدات في غزة، التي يقيم فيها أكثر من مليوني شخص، لا يزال غالبيتهم نازحين.
ومع ذلك، وفي وقت سابق من هذا الشهر، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوقف دخول جميع المواد الغذائية والوقود وغيرها من الإمدادات التي تدخل القطاع، قائلا إن القرار ضروري للضغط على حماس لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المتبقين الذين أُخذوا خلال هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في 1 آذار/ مارس.
ووصف وزير شؤون الشتات ومكافحة معاداة السامية عميخاي شيكلي الإجراءات الجديدة في بيان: “يمثل هذا النظام الجديد تحولا جذريا في سياسة إسرائيل تجاه الجهات الأجنبية التي تسعى، تحت ستار العمل الإنساني إلى تقويض الدولة وتشجيع المقاطعة وتشويه سمعتها”.
وتشرف وزارة شيكلي على العملية وتقود لجنةً مكلفة بالموافقة على الطلبات أو رفضها. وتتكون اللجنة من ممثلين عن مختلف الجهات الحكومية، بما في ذلك أجهزة الاستخبارات والأمن، وكثير منها لا يتعامل مباشرة مع المنظمات الإنسانية أو جهود الإغاثة، حسب قول خبراء قانونيين.
وقال مايكل سفارد، محامي حقوق إنسان مقيم في تل أبيب: “هذه ليلة لجنة لا تستطيع فهم وحتى بدرجة قليلة أي شيء عن التزامات إسرائيل الإنسانية بناء على القانون الدولي”. وينص القانون الدولي على أن إسرائيل هي القوة المحتلة في الضفة الغربية وغزة، الأراضي التي استولت عليها من الأردن ومصر على التوالي عام 1967، وعليها والحالة هذه، تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان الفلسطينيين.
وفي العام الماضي، أمرت محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية للأمم المتحدة، إسرائيل باتخاذ “تدابير فورية وفعالة” لحماية الفلسطينيين في غزة من خطر الإبادة الجماعية، وذلك بضمان توفير مساعدات إنسانية كافية وتوفير الخدمات الأساسية. وفي رأي استشاري منفصل صدر في تموز/يوليو، قالت المحكمة إن إسرائيل “تتحمل التزاما مستمرا بضمان حصول السكان المحليين على إمدادات كافية من المواد الغذائية، بما في ذلك المياه”.
إلا أن وزارة شؤون الشتات قالت في بيان يوم الاثنين إن المنظمات غير الحكومية الدولية البالغ عددها 170 منظمة مسجلة في إسرائيل، بما فيها منظمات مثل أوكسفام وأطباء بلا حدود والمجلس النرويجي للاجئين، أمامها ستة أشهر فقط لإعادة تقديم طلبات التسجيل بموجب النظام الجديد أو إلغاء تسجيلها، مع سبعة أيام فقط للاستئناف.
وجاء الإعلان بعد رفض المحكمة العليا الإسرائيلية تحدي قانون من تحالف دولي وهو جمعية وكالات التنمية الدولية (إيدا) والذي يضم أكثر من 80 منظمة تعمل في المناطق الفلسطينية. وقد ناقش التحالف في تحديه القانوني أن النظام الجديد لا يتوافق مع القانون الإسرائيلي ويخرق القانون الدولي. ونشرت الوزارة بعد ذلك قائمة بالوثائق المطلوبة وتشمل على تقديم أسماء ومعلومات الاتصال وأرقام جوازات سفر جميع الموظفين الأجانب وشركائهم أو أطفالهم ومعلومات مفصلة عن الجهات المانحة ومصادر التمويل الأخرى بالإضافة إلى سجل بجميع المنظمات الدولية والمحلية ووكالات الأمم المتحدة التي تتعاون معها المجموعة.
قال أحد كبار العاملين في مجال الإغاثة في المنطقة عن الإرشادات الجديدة: “الأمر أسوأ مما توقعنا” و”هذه واحدة من أكثر اللحظات إثارة للقلق التي مررنا بها، كمنظمات إنسانية منذ فترة طويلة”
وقال أحد كبار العاملين في مجال الإغاثة في المنطقة عن الإرشادات الجديدة: “الأمر أسوأ مما توقعنا” و”هذه واحدة من أكثر اللحظات إثارة للقلق التي مررنا بها، كمنظمات إنسانية منذ فترة طويلة”. ويكافح مسؤولو الإغاثة للتعامل مع العبء الذي قد يفرضه هذا على الموظفين المنهكين من الحرب، وكذلك المنظمات غير الحكومية التي تعاني من محدودية الموارد بعد أن جمّدت إدارة ترامب معظم المساعدات الخارجية.
وقال شين كارول، الرئيس والمدير التنفيذي للمنظمة الأمريكية لإغاثة اللاجئين في الشرق الأدنى (أنيرا)، التي تعمل في الضفة الغربية وغزة والأردن ولبنان منذ أكثر من 55 عاما: “قد يجبر ذلك بعض المنظمات وربما جميعها على القول: لا يمكننا العمل في ظل هذه الظروف، وهو أمر لن يكون في صالح أحد”.
وقال كارول عن عمله: “نحن مسجلون حيث يجب أن نكون، ويسمح لنا بأداء عملنا حيثما يجب أن نكون. أعتقد أن هذا مهم حقا”. وأوضح عمال الإغاثة أن أحد الأسئلة الرئيسية هو ما إذا كان ينبغي عليهم إعطاء الأولوية للخدمات الإنسانية وتقديمها على أرض الواقع، لا سيما في غزة، حيث الاحتياجات هائلة، ولكن على حساب ما يقومون به من توعية والتي تشمل زيادة الوعي بمعاناة المدنيين وانتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية.
وقالت أليغرا باتشيكو، محامية حقوق الإنسان ورئيسة اتحاد حماية الضفة الغربية، وهو شراكة بين المنظمات غير الحكومية التي تدعم المجتمعات الفلسطينية الضعيفة في الضفة الغربية المحتلة، إن جزءا من مهام المنظمات غير الحكومية هو الدفاع عن حقوق المدنيين وحمايتهم بموجب القانون الإنساني الدولي. إلا أن الإجراءات الجديدة قد تكون أداة لحرمان ومعاقبة المنظمات الإغاثية التي كانت من أشد منتقدي سلوك إسرائيل في غزة، وفقا لعاملين في المنظمات غير الحكومية.
ويسمح أحد هذه التوجيهات للجنة رفض تسجيل منظمة “تروج بنشاط لحملات نزع الشرعية عن دولة إسرائيل”. وقالت باتشيكو: “إذا كنت تدافع عن تطبيق القانون الدولي، فقد تكون معاديا لإسرائيل”.
وفي هذا الشهر فقط، وصفت منظمة أوكسفام البريطانية قرار إسرائيل بمنع المساعدات عن غزة مرة أخرى بأنه “عمل متهور من العقاب الجماعي ومحظور صراحةً بموجب القانون الإنساني الدولي”. ووصفت منظمة “سيف ذي تشيلدرن” (أنقذوا الأطفال) وهي جمعية خيرية بريطانية هذه الخطوة بأنها “بمثابة حكم إعدام على أطفال غزة”، بينما اتهمت منظمة “أطباء بلا حدود”غير الحكومية إسرائيل باستخدام “المساعدات كأداة للتفاوض”. وقال موظف الإغاثة البارز في المنطقة: “إنه وقت خطير بالنسبة لغزة، ولكنه يرسي أيضا سابقة خطيرة على مستوى العالم”، وعلق عامل الإغاثة في القدس: “لا نعلم إن كنا سنبقى هنا بعد بضعة أشهر، والوضع محبط للغاية. هل نبذل قصارى جهدنا للبقاء وخدمة الفئات الأكثر ضعفا في غزة؟ هل نتمسك بالمبادئ ونرفض الامتثال؟ ببساطة، لا نعلم”.
Israel enacts exacting new rules for aid groups assisting Palestinians