هل سقطت “واشنطن بوست” في فخ الإخوان المسلمين
العرب – واشنطن – 20/10/2018
تتبنى صحيفة “واشنطن بوست” سياسة ملتبسة تتراوح بين دعم التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وجهل لدى محرريها بدوافع التنظيم ومحركاته الفكرية والسياسية، وأهداف يريد من خلالها نشر أيديولوجيته عبر التستّر خلف الدفاع عن المناصرين لمشروع التنظيم كالصحافي السعودي المختفي إلى الآن جمال خاشقجي.
وكان خاشقجي أحد أكثر الداعمين في كتاباته للتنظيم المتشدد، وتربى على تعاليم مؤسس التنظيم حسن البنا قبل أن ينتقل للقتال في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي ضد الغزو السوفييتي. وخصصت الصحيفة مقالا أسبوعيا للكاتب السعودي، تحول إلى إحدى منصات الدعم الرئيسية للتنظيم في وسائل الإعلام العالمية.
وكانت الصحيفة قد نشرت الخميس مقالا قالت إنه آخر مقال لخاشقجي، وأنها انتظرت في نشره حتى يتضح مصيره، لكنها قررت نشره بعد مرور أسبوعين على اختفائه.
لكن تخصيص مساحة لخاشقجي من أجل دعم الإخوان المسلمين ليس سياسة جديدة على الصحيفة الأميركية التي تحظى بانتشار واسع داخل الولايات المتحدة وخارجها.
ويقول موقع “ديلي ووتش” المتخصص في مراقبة أنشطة الإخوان المسلمين عالميا إن حيثيات الأدلة تشير إلى أن جمال خاشقجي لم يكن فقط عضوا بارزا في جماعة الإخوان المسلمين وقريبا من شبكة الإخوان المسلمين العالمية، بل كان في الواقع يدعم بشكل نشط المشاريع المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين حتى شهر أبريل من هذا العام.
وتتسم تغطيات “واشنطن بوست” التي تتناول الإخوان المسلمين بغياب المهنية وعدم الإلمام الكافي بتعقيدات القضية وترامي أطراف التنظيم وتشابك فروعه. وتتعامل الصحيفة في الغالب مع الإخوان المسلمين باعتبارهم تنظيما سياسيا عاديا يسعى للمنافسة “ديمقراطيا” على السلطة في عدة دول في العالم العربي.
وتتجاهل هذه المقاربة الطبيعة الدينية للتنظيم وأهدافه للوصول إلى “أستاذية العالم” كما وضعها حسن البنا قبل 90 عاما، كما تغفل السلوك الإرهابي الذي تتبعه الأفرع المسلحة للتنظيم في عدة دول بالمنطقة، وعقيدة تطبيق نهج متشدد للشريعة الإسلامية، ونماذج الحكم الفاشلة التي تعبّر عن التنظيم في السودان وتونس ومصر خلال حكم الرئيس المصري السابق محمد مرسي.
ففي يوليو 2007، أصدر “ديلي ووتش” تقريرا أفاد بأن مجلة “نيوزويك” وصحيفة “واشنطن بوست” انضمتا معا لإضفاء لمسة معتدلة على “لقاء تفاعلي حول الدين” أُطلق عليه اسم “المسلمون يتحدثون”، وفر منبرا لإسلاميين بارزين في جميع أنحاء العالم، بمن في ذلك الزعيم الروحي لحزب الله الشيعي اللبناني حسين فضل الله، وعضو الإخوان المسلمين الألماني البارز مراد هوفمان.
وضم اللقاء أيضا قادة جماعة الإخوان المسلمين الأميركيين مثل مزمل صديقي، والراحل طه العلواني، وزعيم الفرع التونسي لتنظيم الإخوان راشد الغنوشي، وطارق رمضان، حفيد مؤسس جماعة الإخوان المسلمين المصرية، والذي ينتظر حاليا المحاكمة بتهم ارتكابه اعتداءات جنسية. وزوّد المشروع هذه الشخصيات حينها بمدونات شخصية تمكنت من خلالها من التعبير عن آرائها والدخول في تفاعل مع القراء.
تجاهل نشاط التنظيم
ويعمل التنظيم في العاصمة الأميركية على استمالة أعضاء في الكونغرس وباحثين في مراكز بحثية مرموقة ورجال أعمال نافذين ومجموعات ضغط لشن حملة مزمنة لا تتوقف على أنظمة حكم عربية تعادي التنظيم وأفكاره وتتبنى مقاربات أكثر علمانية.
وتعلم “واشنطن بوست”، التي تملك شبكة واسعة من الصحافيين والمصادر في العاصمة الأميركية وخارجها، الكثير عن أنشطة التنظيم، لكنها تتجاهلها تماما.
كما تتوفر كل يوم على معلومات إضافية حول شبكة من المساجد والجمعيات الخيرية والمدارس التابعة للإخوان المسلمين، والتي تعمل على وضع الأسس لأفكار متشددة سرعان ما تنتشر في المجتمعات الغربية، وتساهم في تعبيد الطريق أمام تنظيمات متطرفة، كالقاعدة وداعش، لتنفيذ عمليات تجنيد واسعة النطاق في الغرب.
وفي سبتمبر 2011، نشرت “واشنطن بوست” موضوعا عن مسجد “دار الهجرة” في العاصمة الأميركية واشنطن وإمامه جوهري عبدالملك، لكنها تجاهلت في تغطيتها العلاقات الوثيقة بين هذا المسجد وفرع تنظيم الإخوان في الولايات المتحدة. ووصفت الصحيفة أعضاء مجلس إدارة المسجد والقائمين عليه فقط بأنهم “ملتزمون بشدة بإيمانهم ومحافظون للغاية”.
وتجاهل التقرير لائحة تأسيس المسجد الذي يتطلب أن يكون أربعة من أعضاء مجلس الإدارة التسعة من رؤساء منظمات الإخوان المسلمين الأميركية الكبرى. كما تجاهل المقال أيضا الداعين لمبادئ جماعة الإخوان المسلمين من داخل المسجد، وكذلك العديد من الأفراد المدانين في قضايا تتعلق بالإرهاب والذين عُرف عنهم بأنهم كانوا من ضمن المتردّدين بشكل دوري على مسجد دار الهجرة.
وفي يناير 2014، نجح زعيم الإخوان المسلمين التونسي راشد الغنوشي في خداع صحيفة “واشنطن بوست”، خلال مقابلة أجرتها الصحيفة معه، وادعى فيها أن الاتحاد الدولي للعلماء المسلمين ليس تنظيما “سياسيا” على الرغم من أنه يدار من قبل زعيم التنظيم الدولي للإخوان المسلمين يوسف القرضاوي، وأيضا رغم التصريحات العديدة التي أصدرها التنظيم في ما يتعلق بالتطورات السياسية العالمية. ولم يتم الطعن أو مراجعة أي من تصريحات الغنوشي أو دحضها من قبل “واشنطن بوست”.
دفاع لا يستند لحقائق
وفي فبراير 2017، نشر الصحافي المخضرم في “واشنطن بوست” غلين كيسلر تقريرا يفيد بأنه تحقق من مجموعة من الادعاءات حول مساعدة هيلاري كلينتون في حملتها الانتخابية هوما عابدين. وقام كيسلر بدحض إدعاءات خاطئة عن عابدين أطلقها روجر ستون، المستشار البارز سابقا للمرشح الجمهوري دونالد ترامب، لكن كيسلر فشل في التحقق بشكل مهني صحيح من المعلومات.
وأغفل كيسلر أيضا في الكثير من الأحيان العلاقات التي تربط بين إحدى الأكاديميات السعودية التي تضم في صفوفها نساء فقط، وترأسها والدة هوما عابدين، والإسلامي المصنف باعتباره إرهابيا في الولايات المتحدة ياسين عبدالله قاضي. كما تجاهل الخطوات المهنية الضرورية التي كان يجب أن يقوم بها لتحديد العلاقات الحالية بين عائلة عابدين ومجموعة كبيرة تضم 86 منظمة إسلامية، يرتبط الكثير منها بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، كما تساهم هذه المنظمات في جمع أموال التبرعات لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، أو دعم تنظيم القاعدة. وقال منتقدون حينها إن المعلومات التي أطلقها كيسلر “تثير الضحك وتعكس في بعض الأحيان نقصا مذهلا في الإلمام بأبعاد بالموضوع الذي يكتب عنه”. وفي فبراير 2017 أيضا، نشرت الصحيفة مقالا حول تصنيف جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية في الولايات المتحدة.
واستشهد المقال بآراء مجموعة من “الخبراء” غير المعروفين ممن زعموا أنه “لا يوجد دليل” لدعم الإدعاء بأن منظمات أميركية مسلمة كبيرة مرتبطة بشبكة الإخوان المسلمين العالمية. كما أشار المقال إلى إنكار نفس مجموعة الخبراء لهذه العلاقات، لكنها فشلت في القيام بأبسط المهام الصحافية التقليدية في إجراء تحقيق سريع بشأن أذرع جماعة الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة.
يبدو أن “واشنطن بوست” ابتعدت الآن عن تلك الأيام التي استعانت فيها بصحافيين استقصائيين ذوي خبرة ومعرفة عميقة بالموضوعات التي كانوا يكتبون عنها. فعلى سبيل المثال في عام 2004 كتب صحافي التحقيقات السابق دوغ فرح سلسلة من المقالات العميقة حول شبكة التنظيم الدولي للإخوان. ولا يبدو من المحتمل أننا سنرى صحافيين مثل فرح في الصحيفة في أي وقت قريب.