شؤون إسرائيلية

هل تهاجم إيران إسرائيل الضعيفة؟


مركز الناطور للدراسات والابحات

قد يحاول القائد الأعلى الإيراني المحاصر تعزيز موقعه المحلي من خلال مهاجمة إسرائيل، لكن إسرائيل تفتقر إلى ما يلزم للرد بالشكل المناسب.

كيف سيتصرف آية الله علي خامنئي؟

لا شك أنه السؤال الذي يطرحه صانعو السياسة الغربيون على خلفية المواجهة الأخيرة بين إيران والولايات المتحدة.

مع اشتداد التوتر في مضيق هرمز غداة التهديد الإيراني بإغلاق الممر المائي ومع إصرار الولايات المتحدة على أنها لن تسمح بحدوث ذلك، من الواضح أن القائد الأعلى الإيراني قد يُجبَر على التحرك لمواجهة التهديدات التي تتربص ببلده ما لم يحقق فوزاً سريعاً نتيجة ارتفاع مفاجئ في أسعار النفط، إذ من المتوقع أن يؤدي هذا الأمر إلى تعزيز الضغوط على باراك أوباما لإجباره على إلغاء العقوبات الجديدة ضد إيران.

بعد تراجع قيمة العملة الإيرانية وعدم التأكد من ارتفاع أسعار النفط، لا يمكن تجاهل احتمال صدور ردة فعل عنيفة من الجانب الإيراني.

 لا شك أن المواجهة الأخيرة مع الولايات المتحدة أدت إلى تضرر موقع الردع الإيراني، فخلال أقل من أسبوع، تحدى خامنئي أوباما مرتين وخسر في المناسبتين:

أولاً، هدد خامنئي بألا يسمح بمرور ولو قطرة نفط واحدة عبر مضيق هرمز في حال فرضت الولايات المتحدة ودول أخرى عقوبات جديدة على إيران، ومع ذلك، فُرضت تلك العقوبات في جميع الأحوال ولم تترافق مع أي تداعيات خطيرة. ثم صدر تهديد آخر عندما تعهدت الجمهورية الإسلامية هذه المرة بالتحرك “إذا نقلت البحرية الأميركية حاملة طائرات إلى منطقة الخليج”. لكن خلال ساعات قليلة، واجهت الحكومة الأميركية ذلك التحدي عبر إعلان نيتها متابعة إرسال مجموعات من الحاملات إلى الخليج العربي بغض النظر عن تلك التهديدات.

 

 كانت التداعيات الدولية المحتملة نتيجة هذه التحركات محط نقاش دولي، لكن لم يعلق أحد على العواقب المحلية الناجمة عن الحرج الذي واجهه خامنئي. عملياً، يحتاج النظام الإيراني إلى إظهار قوته في الخارج، لكن قد يعتبر خصومه المحليون أن الفشل في تحقيق ذلك هو مؤشر على الضعف، وقد يؤدي هذا الوضع أيضاً إلى انقسام بارز في أوساط مناصري القيادة الإيرانية.

يحرص القائد الأعلى على تجنب هذه المواقف لأن النظام سيشهد بعد شهرين جولة جديدة من الانتخابات البرلمانية. ستكون هذه الانتخابات أول استحقاق جدي منذ الانتخابات الرئاسية المضطربة في عام 2009. يبدو أن خامنئي مضطر إلى المضي بالانتخابات لأن إلغاءها ليس خياراً مطروحاً. في السنة الماضية، اعتُبر تأجيل انتخابات مجالس المدن حتى عام 2013 (سيتزامن هذا الاستحقاق مع الانتخابات الرئاسية المقبلة) مؤشراً على توتر النظام. سيؤدي تأجيل انتخابات المجلس المقبلة (وهي أهم بكثير من غيرها) إلى تعزيز موقع المعارضة. لن يسامحه المتشددون داخل النظام على ذلك مطلقاً.

 يدرك القائد الأعلى هذا الواقع جيداً، لذا بدأ يتخذ التدابير اللازمة لتخفيف وطأة المخاطر المحتملة، فتشمل تحضيراته في هذا المجال اعتقال وزير الخارجية السابق إبراهيم يزدي طوال ثماني سنوات، وسجن ابنة آية الله رفسنجاني، فايزة، طوال ستة أشهر. كان الاثنان ينتقدان الأحداث التي أحاطت بانتخابات عام 2009، ولكل منهما قاعدة دعم خاصة. إذا واجهت انتخابات المجلس الجديد انتقادات عدة واعتُبرت مزيفة أيضاً، لا شك أن النظام سيقع تحت ضغوط كبرى، فمن الأفضل بالنسبة إليه إذن اعتقال هؤلاء الأشخاص لتجنب المتاعب، لكن لن يكون استعراض القوة الذي يقوم به خامنئي في الداخل عاملاً كافياً.

في ما يخص الأهداف الخارجية، قد تكون إسرائيل على رأس المستهدَفين بالنسبة إلى خامنئي، وفي نهاية المطاف، سيؤدي توجيه ضربة ضد الولايات المتحدة إلى ردة فعل عنيفة ستنعكس في السنة الانتخابية التي يواجهها أوباما، وهو أمر يريد خامنئي تجنبه بأي ثمن، ولا شك أن الأهداف العربية تبقى محتملة أيضاً، لكن من المستبعد أن تقوم إيران بأي عمل يمكن أن يزيد من عزلتها في المنطقة.

نتيجةً لذلك، قد يكون الاعتداء على إسرائيل الخيار الأقل كلفة بالنسبة إلى إيران، أقله على المستوى الدبلوماسي. في حال وقوع أي اعتداء مماثل، لا شك أن دول الخليج لن تهرع لمساعدة إسرائيل، صحيح أن العرب لن يدعموا إيران صراحةً في هذا التحرك (يشعر العرب على الأرجح بقلق شديد من احتمال تسلح إيران نووياً)، إلا أنهم مستاؤون حتماً من طريقة تعامل بنيامين نتنياهو مع عملية السلام. تعززت العزلة الدبلوماسية الإسرائيلية بسبب التحذير الذي أطلقه وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان ضد بعض قوى الاتحاد الأوروبي (فرنسا وبريطانيا وألمانيا)، فقال حينها إن تلك الدول تجازف بفقدان أهميتها في عملية السلام.

أدت هذه العزلة إلى كشف إسرائيل على نحو خطير، صحيح أن إسرائيل لا تزال متفوقة عسكرياً على غيرها، إلا أن حرب غزة في عام 2009 وحادثة أسطول “مافي مرمرة” أثبتتا أن القوة العسكرية قد لا تكون كافية لضمان أمن البلد في وجه التهديدات. يجب أن تتحلى إسرائيل بالمصداقية الدبلوماسية والثقل اللازم في الخارج. من دون هذين العاملين، قد تتحول الانتصارات العسكرية الإسرائيلية في أي مواجهات مماثلة إلى كوارث دبلوماسية حادة، وقد يواجه البلد أضراراً مكلفة (من ناحية الوقت والمال)، ما قد يستدعي تحقيقات داخلية مطولة.

 بالنسبة إلى المواطنين الإسرائيليين، يُعتبر التهديد الذي تطرحه إيران حقيقياً جداً، فقد قُتل بعض الإسرائيليين بسبب تفجيرات انتحارية استهدفت عدداً من الحافلات والمقاهي في إطار اعتداءات من تمويل نظام آية الله خامنئي ومن تنفيذ حركة “حماس”. على الرغم من الخلافات القائمة حول ما إذا كانت إيران النووية تطرح تهديداً وجودياً أو العكس، يبقى التهديد الإيراني إحدى المسائل القليلة التي تحصد إجماعاً سياسياً.

لنعد الآن إلى وضع خامنئي المُحاصر والمعزول؛ هل يمكن أن يهاجم إسرائيل عبر استعمال تكتيك حربي انطلاقاً من غزة أو سيناء المنفلتة أو لبنان؟ مع تراجع الموقع الدبلوماسي الإسرائيلي إلى أدنى المستويات، لا بد من التساؤل: إذا كانت إسرائيل تعجز عن مصادرة سفينة تركية واحدة (“مافي مرمرة”) من دون التسبب في أزمة دبلوماسية، فكيف ستتمكن من دخول غزة أو لبنان أو مصر (حيث يُقال إن المصريين يشكلون كياناً خاصاً مستوحى من الحرس الثوري الإيراني) لمطاردة إرهابيين تمولهم إيران؟

لا بد من مواجهة تهديد إيران التي يمكن أن تتسلح نووياً، لكن في الوقت نفسه، يجب أن تكون إسرائيل مستعدة لمواجهة الخطر الذي تطرحه إيران غير النووية، لأن هذا التهديد هو أقرب إلى الواقع من التهديد النووي المثير للجدل.

لكن بناءً على الوضع الإسرائيلي الدبلوماسي المكشوف، يبدو أن إسرائيل غير مستعدة بأي شكل لمواجهة هذا النوع من التهديدات.

 

 

                                                      Meir Javedanfar – The Diplomat  قسم الترجمة بالقوة الثالثة * 12/1/2012

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى