هل تؤثر سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب في السياسة الخارجية الأمريكية؟

سعيد عريقات – 9/11/2018
يقر خبراء في واشنطن أن فوز الديمقراطيين بأغلبية واضحة في الانتخابات النصفية يوم الثلاثاء الماضي، في مجلس النواب، سيخولهم فرض رقابةمؤسسية على سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخارجية، وهو الدور الذي اختار الجمهوريون عدم القيام به نظرًا لسيطرة ترامب الكاملة على مفاصل السياسة الأميركية الخارجية، وتبنيه لأجندة تعكس أولويات اليمين الأميركي مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة وقطع المساعدات عن الفلسطينيين، والانسحاب من “الاتفاق النووي الإيراني” وإعادة فرض عقوبات على إيران.
ورغم أن السياسة الخارجية هي دومًا، ومنذ تأسيس الولايات المتحدة، تعتبر حكرًا على الرئيس الأميركي وحفنة من مستشاريه لشؤون الأمن القومي للبلاد، يتساءل الكثيرون بعد ظهور نتائج الانتخابات (النصفية) وسيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب، عما ستكون عليه سمات السياسة الخارجية الأميركية، خاصة في ضوء دور الأغلبية الديمقراطية (في مجلس النواب) بممارسة هذه الرقابة المخولة وحق الاستدعاء لجلسات الاستماع لتمحص كل صغيرة وكبيرة من قرارات الرئيس.
وفي هذا التقرير سنحاول تسليط الضوء على احتمالات بقاء الوضع الحالي، أو تغيّره تحت وطأة ضغوطات الاتجاه الليبرالي (المحتملة) على الملفات الساخنة والمعقدة مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإيران، والسعودية، واليمن، وروسيا وكوريا الشمالية والصين.
فلسطين وإسرائيل
في ثمانينات القرن الماضي، وصف بات بيوكانان، وهو كاتب محافظ كان قد عمل مديرًا للاتصالات في عهد الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون، وخاض هو نفسه حملة انتخابية (في تسعينات القرن الماضي) منافسًا للرئيس الجمهوري جورج بوش الأب، ويعمل كاتبًا ومعلقًا تلفزيونيًا، وصف الكونغرس الأميركي بشقيه بأنه “أراض محتلة من قبل إسرائيل” بسبب أثر اللوبي الإسرائيلي على الكونغرس بديمقراطييه وجمهورييه، كما لقبّه بـ “زاوية آمين” أي أن الكونغرس لا يقول إلّا “آمين” أمام الطلبات الإسرائيلية.
وهو الأمر الذي لن يتغير على المدى القصير، فما علينا إلا أن نتذكر أن الكونغرس بشقيه يؤيد ضخ الأموال بالمليارات لإسرائيل، ويوافق بالإجماع بشكل روتيني على منح إسرائيل أحدث الأسلحة ومعاقبة الفلسطينيين، وأن قرار نقل السفارة الأميركية للقدس المحتلة تم تأييده بالإجماع، كما أن قانون “تايلور فورس” القاضي بوقف المساعدات عن الفلسطينيين بسبب الرواتب التي تدفعها السلطة الفلسطينية لعائلات الشهداء والأسرى.
عضو الكونغرس إليوت إنغيلز، الذي على الأرجح أن يرأس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الجديد، له سجل طويل بالدفاع عن الاحتلال الإسرائيلي، ويتخذ من كل مناسبة منبرًا، لإظهار ولائه لإسرائيل.
أما تشاك شومر، رئيس الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ (وعضو مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك) فقد قال في رده الأول على انتقادات بشأن موجة جديدة من الديمقراطيين المعادين لإسرائيل تستعد لدخول الكونغرس “الديمقراطيون في مجلس الشيوخ يؤيدون بشدة إسرائيل وسوف يظلون على هذا النحو”.
ومع ذلك، يبدو واضحًا أن العشرات من النواب ينطلقون من بيئة تقدمية تجمع بين حقوق الأقليات وحقوق الإنسان وحقوق الفلسطينيين في الحرية والعيش الكريم، بما يبشر في المدى المتوسط وقف طوفان العقوبات الذي فرضته إدارة ترامب على الفلسطينيين.
إيران
الديمقراطيون غاضبون من انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الدولي مع إيران الذي توصلت إليه إدارة الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما في العام 2015 ولكن لا يوجد ما يمكنهم فعله لتغيير السياسة طالما يسيطر الجمهوريون على البيت الأبيض وعلى مجلس الشيوخ.
كما يخشي المشرعون من أن يظهروا على أنهم أكثر مودة تجاه إيران، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار حالة العداء المستعرة بين إيران وإسرائيل، وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعمل بشكل متزايد مع الجمهوريين الأميركيين واليمين التبشيري المسيحي القوي، أولا لانسجامه أيديولوجيا مع هذا القطاع، وثانيا لابتزاز الديمقراطيين، لإبقائهم في خانة الخنوع للرغبات الإسرائيلية التوسعية.
السعودية والحرب اليمنية وحقوق الإنسان
زاد غضب المشرعين الأميركيين بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، وأظهر النواب وأعضاء الكونغرس، خاصة الديمقراطيون منهم، حساسية كبيرة من السعودية بشأن مقتل مدنيين بسبب الحرب في اليمن وقضايا حقوق الإنسان.
كم أنه من المنتظر أن يصوت مجلس النواب بقيادة الديمقراطيين على قانون يمنع صفقات السلاح مع الرياض ويجعل من الصعب الفوز بموافقة الكونغرس على اتفاق للطاقة النووية مع المملكة واتخاذ تدابير لوقف تزويد الطائرات الأميركية بالوقود وإعادة النظر في دعم حملة التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن. وبهذا سيحاول الديمقراطيون تشديد السياسة الأميركية تجاه السعودية، ولكن الواقع هو أن الكونغرس بديمقراطييه وجمهورييه مدمنون على الأموال السعودية وينصاعون إلى رغبات المجمع الصناعي العسكري، بما قد يحمي (باستثناء الأصوات التقدمية ) تراجع اهتمام إدارة ترامب بموضوع الحريات وحقوق الإنسان في الدول العربية، وبات كل جهدها منصبًا على تعزيز مبيعات الأسلحة الأميركية إلى دول المنطقة دون الاهتمام بموضوع الحريات في هذه البلدان.
كوريا الشمالية
يقول الديمقراطيون إنهم مصممون على الحصول على مزيد من المعلومات حول الاجتماعات التي يعقدها ترامب ووزير الخارجية مايك بومبيو مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون. ويشعر الديمقراطيون بالقلق من تصرفات ترامب وحرصه على “الإسراع في تقديم الكثير لكيم” بالرغم من أن الأخير لا يقوم بخطوات مماثلة.
النواب الديمقراطيون يعتزمون استدعاء مسؤولي الإدارة للإدلاء بشهاداتهم علنًا حول وضع المحادثات. لكنهم سيسيرون بحذر في نفس الوقت لأنهم لا يريدون أن ينظر إليهم على أنهم يتدخلون في الدبلوماسية وجهود منع نشوب حرب نووية.
روسيا
يخطط الديمقراطيون لإجراء تحقيقات تتعلق بروسيا، مثل التحقيق في العلاقات التجارية وتضارب المصالح بين ترامب وروسيا. ولكن من منظور سياسي، فإن مجلس النواب الذي يقوده الحزب الديمقراطي سيدفع إلى معاقبة روسيا لما يدعون بأنه تدخل روسيا في الانتخابات والأنشطة الأميركية، وما يلقبونه ب”عدوان روسيا في أوكرانيا والتورط في الحرب في سوريا” فمن المتوقع يحاول مجلس النواب أن يفرض المزيد من العقوبات على روسيا.
الصين
من غير المتوقع أن يحدث “مجلس النواب الديمقراطي ” تغييرات كبيرة على السياسة المنتهجة إزاء الصين. وسيعقد الديمقراطيون مزيدا من الجلسات ويطلبون المزيد من الإحاطات، لكن الانتقادات الموجهة للصين عبرت حتى الآن عن خطوط حزبية ولا يتوقع أن تتغير. ولعل النظرة الأولى لمجس النواب المقبل، تظهر انضمام ديمقراطيين بارزين، مثل النائب آدم شيف (من ولاية كاليفورنيا)، والذي سيرأس لجنة المخابرات بمجلس النواب المقبل، إلى الجمهوريين الذين يدعمون التدابير الرامية إلى فرض قيود على الصين باعتبارها تمارس التهديدات الأمنية الإلكترونية الكبرى.
وتماما مثل الجمهوريين، ينقسم الديمقراطيون فيما يتعلق بالحرب التجارية التي أعلنها ترامب على الصين. ويرى بعض أعضاء الحزب التجارة الحرة كمولد للوظائف، بينما يساند آخرون التعريفات المفروضة لحماية العمال في قطاعات مثل الصلب والتصنيع.