شؤون إسرائيلية

هل أصبح نتنياهو أسير الائتلاف مع غانتس ؟

تقدير موقف بقلم عصمت منصور * – 8/10/2020

تحاول هذه الورقة أن تستكشف إلى أي مدى أثرت إدارة بنيامين نتنياهو وحكومته الفاشلة لأزمة جائحة كورونا، وما نتج عنها من أزمة اقتصادية واجتماعية، في إضعاف مكانة نتنياهو وحزب الليكود في أوساط الجمهور الإسرائيلي بشكل عام، وجمهور اليمين بشكل خاص، وما إذا كانت الأزمة وحالة الضعف والتراجع التي يشهدها نتنياهو وحزبه، والتي تنعكس في استطلاعات الرأي العام المتواترة، قد أفقدت نتنياهو الدعم المطلق الذي كان يتلقاه من أحزاب اليمين الديني والقومي، بحيث فقد البيت الطبيعي الذي ضمن له البقاء على كرسي رئاسة الحكومة لأطول فترة منذ إنشاء دولة إسرائيل برغم فشله في الحصول على الأغلبية التي تمنحه إمكانية تشكيل حكومة في ثلاث دورات انتخابية.

كما تحاول هذه الورقة أن ترسم التصورات والسيناريوهات المستقبلية أمام نتنياهو على ضوء تحديين رئيسيين هما:

الأول: ضمور هامش المناورة أمام نتنياهو في مواجهة شريكه/ خصمه في إدارة الحكومة بيني غانتس بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، وحالة التخبط وفقدان السيطرة في مواجهة انتشار كورونا، والتي قادت إلى تصاعد موجة الاحتجاجات ضد الحكومة ورئيسها، وخلق حالة من التخبط داخل حزب “أزرق أبيض”، بلغت ذروتها باستقالة وزير السياحة أساف زامير، وهو الأمر الذي ينذر بتفكيك الحزب وربما الائتلاف الحكومي، في توقيت هو الأسوأ لنتنياهو.

الثاني: صعود نجم نفتالي بينيت، الذي يعد المنافس الأبرز لنتنياهو من داخل اليمين، وهو الذي سبق أن أهمله نتنياهو وتركه وحيدا في الصحراء السياسية، لصالح مقرّبيه المستوزرين في حزب الليكود، إلى أن أصبح التهديد الجديد الذي يزاحمه على زعامة اليمين، إلى جانب ظهور أصوات معارضة لنتنياهو من داخل الليكود نفسه.

نتنياهو من دون بلوك اليمين

بلغت أزمة الائتلاف الحكومي الاسرائيلي ذروتها مع تقديم وزير السياحة من حزب “أزرق أبيض” أساف زامير الاستقالة من منصبه على خلفية إقرار قانون تقييد المظاهرات المطالبة برحيل نتنياهو في فترات الإغلاق.

استقالة زامير لم تكن الإشارة الأولى إلى بدء تضعضع الائتلاف الحكومي بسبب حالة الصدام المستمرة مع “أزرق أبيض”، الذي بدأ يشهد حالة من التفكك قد تقود إلى انشقاقه، كما حدث في التصويت على القانون المذكور حيث عارضه عضوان من الحزب، وما صرحت به عضو الكنيست ميكي حايموفيتش بأن “هناك مجموعة آخذة في التوسع داخل أزرق أبيض تفكر في خيار فك الشراكة مع الليكود واستبدال نتنياهو”. [1]

واعتُبرت أحزاب اليمين بشقيها الديني والقومي الاستيطاني، وحالة الاستقطاب التي غذّاها نتنياهو طوال فترات حكمه بخطابه الهجومي والتحريضي ضد خصومه ومنافسيه الذين صنفهم على أنهم يسار، الركيزة الأساسية التي استند إليها لضمان إعادة انتخابه كل مرة من جديد والتصدي وإضعاف منظومات إنفاذ القانون، والجهاز القضائي، والإعلام، في ظل تهم الفساد التي تهدد استمرار حكمه.

وقف اليمين بأحزابه وممثليه وإعلامه وماكينته النشطة في الميدان إلى جانب نتنياهو باعتباره الزعيم القوي القادر على ضمان استمرار حكم اليمين، وتنفيذ أجنداته الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، وإعادة صياغة هوية دولة إسرائيل على نحو أكثر يمينية وفاشية.

التطورات الأخيرة التي أعقبت فشل نتنياهو في تشكيل حكومة يمينية خالصة على مقاسه، واضطراره إلى تشكيل حكومة شراكة يتناوب على رئاستها مع حزب “أزرق أبيض” ورئيسه بيني غانتس، بالتزامن مع تخليه عن أحد أبرز ممثلي اليمين القومي المتطرف (نفتالي بينيت) ومع تفشّي فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي خلفها، وهو تخل سبقه تخلي حزب “إسرائيل بيتنا” بزعامة أفيغدور ليبرمان عنه- كل ذلك ينبئ بحدوث تصدعات في جبهة اليمين، وتراجع قبضة نتنياهو القوية، وقدرته على الاحتفاظ بزعامة معسكر اليمين، وفتح الباب لإعادة بناء الخارطة السياسية والحزبية من جديد، وفتح آفاق للتغيير على نحو لا يتوافق مع تطلعات نتنياهو.

الأخوة الأعداء

إذا كانت هناك ظاهرة مقلقة يمكنها أن تؤرق نتنياهو، فهي تخلّي معسكر اليمين عنه، وبروز وجوه جديدة قادرة على تحدي زعامته الفردية المطلقة لهذا المعسكر، الذي لا تظهر المؤشرات أي تراجع له، بل على العكس نجد أن الاستطلاعات تبيّن أنه قادر على تشكيل حكومة من 66 عضو كنيست في حال أجريت الانتخابات قريبا.

الاتفاق الإماراتي- الإسرائيلي الذي أوجد سُلّما مناسبا لنتنياهو للنزول عن شجرة الضم العالية التي وجد نفسه عالقا فوقها بعد فتور رغبة الإدارة الأميركية تجاه الفكرة، وتخليها عن دعمها، ومعارضة شركائه في الائتلاف لها، أطلق شرارة البداية لانتقادات علنية من قبل قادة مجلس المستوطنات “يشع” ومواجهة إعلامية ضد نتنياهو، [2] تحولت من انتقادات علنية رافضة للثمن الذي قُدّم على مذبح الاتفاق (تأجيل الضم) إلى حملات تطالبه بالاستقالة والرحيل والتخلي عن منصبه، بعد أن فقد الأهلية لقيادة وتمثيل مصالح وأجندة معسكر اليمين.

إذا كان قرار تأجيل الضم قد طوي بسبب ازدحام جدول الأعمال الإعلامي والسياسي في إسرائيل بقضايا لا تقل سخونة وراهنية، إلا أن القضايا الأخرى التي احتلت جدول الأعمال اليومي لا تقل إشكالية وكارثية على نتنياهو من سابقاتها، والتي تصادم فيها مع أعضاء من داخل حزبه أبرزهم رئيسة لجنة كورونا في الكنيست يفعات شاشا بيتون التي وقفت في وجه نتنياهو وباتت الاستطلاعات تتنبأ لها بالحصول على 8 مقاعد فيما لو خاضت الانتخابات في قائمة منفصلة.

بيتون بنت شعبيته، وفق موقع “واينت”، [3] بسبب وقوفها الصلب في وجه نتنياهو حيث “باتت تشكل خطرا على الكثير من السياسيين” وربما إذا ما تحالفت مع أعضاء آخرين مثل جدعون ساعر يمكنها أن تهز أركان هيمنة نتنياهو في زعامة الليكود.

أزمة كورونا والإدارة الفاشلة لها، وما نتج عنها من آثار اقتصادية، مست بشكل مباشر بقطاعات كبيرة من قاعدة الليكود واليمين، وهزت ثقة الشارع بنتنياهو وأضعفته بشكل ملموس، خاصة بعد أن تقاطعت مصالح هذه الفئات ورغبتها في الاحتجاج والتذمر من السياسات التي يقودها نتنياهو، مع الحملات المنظمة والمظاهرات التي تخرج كل نهاية أسبوع للتظاهر والمطالبة برحيله بسبب قضايا الفساد المتورط بها.

التعبير الأكثر مباشرة عن تململ قاعدة اليمين من نتنياهو، لا يقتصر على استطلاعات الرأي التي تظهر تراجعه بشكل ثابت ليصل إلى 26 مقعدا وفق آخر استطلاع أجرته القناة 12، وحملات قادة المستوطنين، والهجوم المتواصل من قبل حزب يمينا وزعيمه نفتالي بينيت، ولا في وقوف حزبي شاس ويهدوت هتوراه أكثر من مرة إلى جانب غانتس، مثل تأييده في موقفه من إقرار ميزانية لعامين من قبل الحكومة، بل بلغت ذروتها مع إطلاق دعوة صريحة لنتنياهو بالمغادرة بشكل مشرّف (عقد صفقة مع النيابة) من كبار قادة الرأي في معسكر اليمين. والمقالات التي جاءت متزامنة، [4] وهو ما يجعلنا ننظر إليها على أنها أشبه بحملة منظمة، وأطلقها أربعة من كبار الصحافيين اليمينيين، بدأت بمقال نشره الصحافي عكيفا نوبيك في “هآرتس” طالب فيه نتنياهو بالقبول بعقد صفقة مع النيابة تفضي إلى مغادرته منصبه مقابل إغلاق ملفات الفساد ضده، ليتبعه الصحافي كلمان ليبسكيند في مقال مماثل في “معاريف”، ومن ثم محرر موقع “مكور ريشون” حجاي سيغل ومحرر “هشفوع” عمانوئيل شيلو، تظهر إلى أي مدى فقد اليمين ثقته بنتنياهو وبات ينظر إليه على أنه عبء.

آيفون 12 وتلفون نوكيا

صحيح أن نتنياهو شهد لحظات صدام مع هوامش معسكره اليميني الذي يتزعمه خلال فترات حكمه السابقة، الا أنه نجح في كل مرة في احتوائها بسبب عدم وجود بديل من داخل اليمين يمكن أن يرثه، وخشية اليمين من فقدان الحكم لصالح أحزاب اليسار والوسط، وهو الأمر الذي بدأ يظهر أنه آخذ في التغير مع بروز شخصية نفتالي بينيت رئيس حزب يمينا.

صعود بينيت المتسارع في استطلاعات الرأي العام وحيويته في الحلبة السياسية والإعلام، دفعه لأن يستعير من ماضيه في مجال التقنية المتطورة (الهايتك) تعبيرا أراد من خلاله أن يهيل التراب على شخصية نتنياهو، فوصفه بأنه جهاز اتصال قديم من نوع نوكيا، بينما هو أشبه بجهاز حديث ومتطور (أيفون 12). [5]

وقد حصل حزب يمينا الذي يرأسه نفتالي بينيت في الانتخابات الأخيرة على 6 مقاعد فقط، بينما تتنبأ الاستطلاعات بأن يصل إلى أكثر من 20 مقعدا في الانتخابات القادمة، في الوقت الذي قلص فيه بينيت الفارق بينه وبين نتنياهو في الأهلية لرئاسة الحكومة إلى 9% فقط.

إجمال

على الرغم من الأزمات غير المسبوقة في عمقها وشموليتها التي يمر بها نتنياهو، وتراجع شعبيته، وخروج أصوات من اليمين تطالبه بالرحيل أو تسوية وضعه القانوني مقابل اعتزاله على ضوء حالة عدم الثقة التي يبديها الجمهور له، ورغم أعراض التفكك التي بدأت تظهر داخل حزب “أزرق أبيض”، إلا أن صعود نجم نفتالي بينيت وطرح نفسه كبديل محتمل في زعامة اليمين بديلا عن نتنياهو، يعطي نتائج عكسية لأنه سيصعب عليه خيار الالتحاق بالحكومة بديلا عن “أزرق أبيض” وهو المسكون بهاجس البديل الند لنتنياهو، وهو ذات السبب الذي سيجعل نتنياهو يفقد الرغبة بالتسرع في الذهاب إلى خيار الانتخابات، والتمسك أكثر بشريكه الحالي بيني غانتس إلى أن تحين اللحظة المناسبة ويعيد نتنياهو ترميم جبهة اليمين من جديد.

هناك الكثير من العوامل التي تجعل خيار تخلي اليمين عن نتنياهو غير واقعي، وبعيداً عن التحقق في الفترة الحالية، أهمها ما لخصته الكاتبة اليمينية شيريت أفيتان كوهين [6] بأن اعتماد حزب يمينا على شخص نفتالي بينيت بينما قائمته مجهولة وإشكالية، وفيها شخصيات متطرفة بالنسبة للجمهور العام، هو ما يجعل الأرقام التي تحصل عليها في الاستطلاعات أرقاما مكتوبة على لوح من ثلج (وهو ما يؤكده خبير الاستطلاعات شلومو فيلبر بأن قوة يمينا لن تتجاوز العشر مقاعد)، وبعدم قدرة بينيت على تصعيد هجومه على نتنياهو لأن هذا ستكون له آثار عكسية وسيؤدي إلى هروب مصوّتين من اليمين المعتدل ممن يجدون أنفسهم أقرب إلى غانتس من بينيت. وفرصة نجاح بينيت في الإطاحة بنتنياهو وافتراض حصوله على ما تتنبأ به الاستطلاعات، مرهونة بحدوث انتخابات وهذا قرار بيد نتنياهو ويخضع لاعتباراته والتوقيت الذي يراه مناسبا له.

بالإضافة إلى أن تجربة الجولات الانتخابية السابقة تعلمنا أن النواة الصلبة الحزبية في الليكود تسمح لنفسها بأن تعبر عن تذمرها وهو ما ينعكس على الاستطلاعات، إلا أنها وفي لحظة الحقيقة تعود إلى بيتها الأصلي.

ورغم أن الدائرة تضيق على نتنياهو إلا أنه لا يزال قادرا على الصمود في ظل عدم وجود منافس حقيقي له من بذور المعارضة من الداخل وبسبب بهوت شخصية نفتالي بينيت أمامه وقدرته على الحفاظ على ائتلافه قائما.

في مواجهة المصير غير الواضح انتخابيا وتصاعد الأزمات الداخلية، واشتداد حدة المظاهرات وديمومتها، وبدء ظهور علامات التفكك داخل الائتلاف الهش أصلا، قد يجد نتنياهو نفسه مضطرا إلى الاستمرار في الائتلاف إلى أطول فترة ممكنة، وإعادة إنتاج نفسه بوصفه الزعيم الوحيد القادر على قيادة جبهة اليمين وضمان بقاء استمرارها في الحكم، خاصة إذا ما أضيفت إلى كل ما ذكر إمكانية انتخاب المرشح الديمقراطي في الولايات المتحدة الأميركية جو بايدن ومحاولته الدفع من أجل إحياء عملية السلام على قاعدة حل الدولتين.

* عن مركز مدار – المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلي “مدار”.

هوامش

1. واينت 4-10-2020 

2. أخبار حملة اليمين التي طالبت باستبدال نتنياهو نشرها موقع كول حاي في 26-9-2020 

3. مقالة حول شخصية يفعات شاشا بيتون نشرت في واينت بتاريخ 5-10-2020 

4. نشر موقع “كان 11” في 21-9-2020 خبراً تحت عنوان “نار داخل المدرعة” تحدث فيه عن تزامن المقالات الاربعة 

5. يسرائيل هيوم 16-9-2020 

6. مقال للكاتبة على موقع مكور ريشون تحت عنوان “19 مقعداً محفورة على الثلج” 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى