شؤون إسرائيلية

هشام نفاع يكتب –  نتنياهو شطب 90% من توصيات الطاقم الذي عيّنه لمكافحة الجريمة المنظّمة التي تفتك بالمجتمع العربي !

هشام نفاع *- 8/3/2021

 من يقرأ دون خلفيّة ولا معلومات سابقة هذا النص على موقع مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية: “صادقت الحكومة اليوم (1 آذار) على مقترح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بدعم بلدات المجتمع العربي والحد من الإجرام فيها بقدر 150 مليون شيكل”، يظن أن خطوة كبيرة ومهمة قد قطعتها هذه الحكومة. لكن يكفي التوقف عند المحطات السابقة لهذا القرار، لهذه المحطة الأخيرة عملياً، كي يدرك أن الصورة مختلفة تماما.

يقول مكتب نتنياهو: “بعد عمل إداري قام به القائم بأعمال المدير العام لمكتب رئيس الحكومة تساحي برافيرمان بناءً على إيعاز من رئيس الحكومة نتنياهو، وإلى جانب الطلب الموجّه من ممثلي بلدات المجتمع العربي بالمساهمة في الجهد الرامي إلى القضاء على الإجرام والعنف، ومتابعةً للقاءات التي عقدها رئيس الحكومة نتنياهو على مدار الأسابيع الماضية مع رؤساء السلطات المحلية، تمت قبل قليل المصادقة من خلال جلسة الحكومة على خطة دعم بلدات المجتمع العربي. ومن أجل تطبيق القرار يتم تخصيص مبلغ 150 مليون شيكل جديد في سبيل إنشاء وتوسيع خمسة مراكز شرطة جديدة وموجودة، ومحطتيْ إطفاء، وإقامة مبانٍ متعددة الأغراض تُعنى بتقديم الخدمات المجتمعية في البلدات العربية، وكذلك تأسيس وحدة خاصة ضمن شرطة إسرائيل ستكلّف بمكافحة الإجرام في المجتمع العربي”.

كما نص القرار على “أن تروّج وزارة الأمن الداخلي وشرطة إسرائيل لحملتين منظمتين لجمع الأسلحة وتتخذان الإجراءات العملياتية المكثفة بهدف ضبط الأسلحة غير القانونية في بلدات المجتمع العربي وكذلك لتشكيل فريق وزاري لمعالجة تسرب الأسلحة غير القانونية إلى الأراضي الإسرائيلية. وتشمل الخطة أيضاً حملة توعوية ضد العنف في المجتمع العربي بحجم حوالي مليون شيكل جديد من ميزانية مكتب رئيس الحكومة. وبالإضافة إلى ذلك، سيعمل فريق مهني على دعم البرامج العلاجية التي تتناول موضوع العنف داخل الأسرة والتي سيتم تنفيذها في بلدات المجتمع العربي، مع إتاحة المرونة للبلدات في ملاءمة البرامج للاحتياجات الخاصة بالمجتمع العربي على أن يُتخذ مزيد من الإجراءات لتمكين المجتمع العربي وتعزيز الآليات الاجتماعية والمجتمعية التي تُعنى بالتعامل مع ظاهرة الإجرام والعنف”.

نتنياهو قال خلال جلسة الحكومة التي اتخذ فيها القرار: “إنها بشرى سارة بالنسبة للمجتمع العربي في إسرائيل. وأشكر وزراء الحكومة الذين صادقوا على الاقتراح الذي يهدف إلى معالجة ظواهر الإجرام في المجتمع العربي وتعزيز شعور سكان البلدات العربية بالأمان الشخصي. إنه بمثابة قرار بالغ الأهمية كونه سيساهم كثيراً في المجتمع العربي وفي تحسين مستوى الأمان في الوسط العربي. وأشكر جميع الوزراء والوزارات الحكومية الذين لعبوا دوراً في العمل على إعداد الخطة والمدير العام لمكتب رئيس الحكومة”.

تقليص هائل للبرنامج المفصّل الذي وضعته لجنة المديرين!

اتخذت الحكومة قرارها هذا بناء على ما سُمي “مقترح لاتخاذ قرار” بخصوص “سياسة الحكومة لمواجهة آثار الجريمة والعنف في المجتمع العربي وتعزيز المجتمع العربي في إسرائيل”. لكن “الاقتراح” هو بمثابة تقليص هائل للبرنامج المفصل، الذي وضعته لجنة مؤلفة من كبار المديرين العامين في مختلف الوزارات الحكومية وعلى رأسهم مدير عام مكتب رئيس الحكومة، وضمّنته في تقرير مؤلف من نحو 90 صفحة تناولت جوانب سياسية واجتماعية وأمنيّة متعلقة بتفاقم الجريمة المنظمة في المجتمع العربي.

إنّ نتنياهو هو من كلّف هذا الطاقم الرسمي رفيع المستوى، في تشرين الأول 2019، بإعداد خطّة في غضون 90 يوماً تُعنى بمعالجة الجريمة الخطيرة ومنع العنف في المجتمع العربيّ. لكن مسوّدة التقرير اكتملت في تموز 2020، وعُرضت في أيلول 2020. واستغرق إقرارها – بل إقرار أقل من 10% منها – نحو 16 شهراً وعشرة أيام!

لكن التقرير الموسّع تقلص إلى بضع صفحات ليبقي مقترح القرار بنداً واحداً فقط للمصادقة عليه من قبل الحكومة، وذلك من بين عشرات البنود والأفكار والمسائل والقضايا. فأوصى بإقامة 8 مراكز شرطة في بلدات عربية وتوسيع مراكز أخرى. ولكن حتى هذا البند الهزيل نفسه، تقلّص في القرار الحكومي النهائي. “مقترح اتخاذ القرار” أوصى بميزانية مؤلفة من 150 مليون شيكل لذلك الغرض. فماذا فعلت الحكومة؟ أبقت هذه الميزانية على حالها، قلّصت عدد مراكز الشرطة المخطط إقامتها وتوسيعها من 8 إلى 5، وحوّلت ما تبقى من الميزانية للشرطة لإقامة وحدة خاصة لمكافحة الجريمة، وكذلك إقامة محطتي إطفاء و”مبانٍ متعددة الأغراض تُعنى بتقديم الخدمات المجتمعية في البلدات العربية”.

إنه من الطبيعي السؤال: هل إقامة محطتي إطفاء هي جزء من مكافحة الجريمة؟ هل أقامت الحكومة محطات إطفاء في تل أبيب لمواجهة الجريمة المنظمة هناك، أم لمواجهة حرائق محتملة وحوادث طوارئ ممكنة؟!

كذلك، ما معنى “مبانٍ متعددة الأغراض تُعنى بتقديم الخدمات المجتمعية في البلدات العربية”؟ ويبدو أنها مرتبطة بما يلي: “عدا الإمكانيات والمساعدة على إيجاد فرص عمل يجب توسيع الخيارات المتاحة أمام الشباب العرب، وذلك من بين عدّة أمور، من خلال توسيع أطر التطوّع. ولهذا الغرض، يوصي الطاقم بتوسيع مشاركة العرب في الخدمة المدنيّة. فمن شأن الخدمة المدنيّة أن تساعد عمليّة اندماج المتطوّعين في المجتمع وتكوّن لهم إطار انتماء، وتزوّدهم بالمهارات والمواهب العمليّة. بالإضافة إلى ذلك، قد تكون بعض المجالات التي يمكن التطوّع فيها مجالات عمل محتملة بعد نهاية فترة التطوّع، ممّا سيفتح مسارات توظيف إضافية أمام الشباب (…) من أجل توسيع معدّل المشاركة في الخدمة المدنيّة، يجب إعداد سلّة تحفيزات، من شأنها زيادة الدافعيّة لدى الشباب للتطوّع. وقد طوّرت سلطة الخدمة المدنيّة مسارات توظيف خاصّة بالمجتمع العربيّة، حيث أنّ جميعها يركّز على فرص العمل المستقبلية. وتشمل المسارات التحفيزات والامتيازات للأشخاص الذين يخدمون والتي ستأتي على شكل مِنح ودورات تدريبيّة مهنية، فضلا عن كسب الخبرة المهنية ذات الصلة، التي ستساعدهم على إيجاد فرصة عمل بعد الخدمة. ونوصي بدعم تطبيق هذه الخطط وبدراسة المزيد من التحفيزات، التي ستشجع التجنيد للخدمة المدنيّة”.

مثلما أشرت في مقال سابق، فالنص الضمني هنا يزعم أن الشباب العرب يميلون إلى “الانحراف” لأنهم لا يؤدون “الخدمة” التي يؤديها الشباب اليهود فيفقدون “القدرة على الاندماج” وهو ما يقرر مصيرهم في العمل المتدنّي من جهة، والجنائي من جهة أخرى. ويفرد مساحة كبيرة للدعوة إلى توسيع ما يسمى بـ”الخدمة المدنية” التي تُعتبر وسيلة تدجين وليست وسيلة دفع وتطوير.

رئيس الحكومة تنكّر لاستنتاجات الطاقم الذي عيّنه شخصياً!

قررت هذه الحكومةعملياً شطب كل ما أشار اليه تقرير طاقم المديرين الموسّع وزيادة ميزانية لجهاز الشرطة. لا يوجد فقر ولا بطالة ولا سكن ولا عمل ولا تعليم ولا صناعة ولا سياحة ولا غيرها، بل زيادة لميزانية جهاز الشرطة كي يفتح محطات جديدة. للتذكير: هذا ما جاء في التقرير الموسع لطاقم المديرين:

“خلال عمل طاقم المديرين العاميّن أثيرت قضايا عديدة تخصّ مجالات التطوير الاقتصاديّ والاجتماعيّ، الذي يرتبط بصورة مباشرة أو غير مباشرة بتغذية ظواهر الجريمة والعنف. بطبيعة الحال، هذه الخطّة لا تأتي لتحل محل أو لتتضمن بين طياتها كافّة أنشطة الحكومة للتنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة في المجتمع العربيّ، لكن ساد إجماع وسط طاقم المديرين العامّين، على أهمّيّة بالغة في مواصلة هذه الجهود، لا سيما على خلفيّة الانتهاء الوشيك للعمل بقرارات الحكومة رقم 922 بحلول نهاية العام 2020”. ويشدّد على أنه “بغياب استمرار النشاط الحكوميّ المكثف للتطوير الاقتصاديّ والاجتماعيّ فلن تكون هناك أي جدوى للأنشطة الرامية إلى القضاء على الجريمة والعنف. وبشكل خاص، لقد اكتشف طاقم المديرين العامّين أنه من بين مجمل الإجراءات للتطوير الاقتصاديّ والاجتماعيّ فإنّ القضايا التالية تحظى بأهمّيّة زائدة في سياق منع الجريمة والعنف في المجتمع العربيّ: تطوير المناطق الصناعيّة في البلدات العربيّة- سواء باعتبارها وسيلة لزيادة فرص العمل المتاحة أمام الشباب العرب أو أساساً من أسس متانة السلطات المحلّيّة العربيّة؛ المعالجة الشاملة لأزمة الإسكان – تسجيل الأراضي، والتخطيط والقروض”.

أي أن رئيس الحكومة تنكّر لاستنتاجات تقرير الطاقم الذي عيّنه هو شخصياً. وإذا اعتبرنا هذا الطاقم جهة مهنيّة في جهاز الحكم، وسلطة بيروقراطية تعرّف المشاكل وبدائل حلول لها ضمن السلطة التنفيذية (الحكومة)، فمعنى الأمر أن بنيامين نتنياهو لا يرفض فقط مطالب المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل بمواجهة حقيقية وشاملة للجريمة المنظمة وتفشي السلاح، بل يرفض ما يقوله الجهاز الإداري- البيروقراطي- المهني الإسرائيلي الرسمي أيضاً.

لتشديد قتامة الصورة نورد التالي: منذ “أوعز” نتنياهو بوضع خطة لمكافحة الجريمة في المجتمع العربي، فإن عدد الضحايا القتلى بالسلاح المنفلت الذي يتسرّب نحو 80% منه من قواعد الجيش الإسرائيلي، والذي يخبرنا القرار الحكومي أنه سوف “تروّج وزارة الأمن الداخلي وشرطة إسرائيل لحملتين منظمتين لجمع الأسلحة”، هو 128 ضحيّة. هؤلاء سقطوا خلال أكثر من 16 شهراً مرّت على ذلك “الإيعاز”؛ أي بمعدّل 8 ضحايا كل شهر. وإذا كان “مقترح القرار” قد نص على تكليف مدير عام مكتب رئيس الحكومة بتقديم خطة عمل خماسية مفصلة خلال 150 يوماً لتنفيذ التوصيات والمبادئ (الواردة في تقرير الـ90 صفحة)، لمصادقة الحكومة عليها، فنحن أمام احتمال إحصائي بسقوط عشرات الضحايا قتلى بالرصاص (لا يشمل عشرات الإصابات بالرصاص) إلى أن تُقدّم الخطة – التي يُفترض أنه تم تقديمها في التقرير الأوّل نفسه.

حين تم اقتطاع أموال خطة الأمن الشخصي للمجتمع العربي!

قيمة هذا القرار يوضّحها التذكير التالي: كتب الصحافي شاحر إيلان في تحقيق نشرته الصحيفة الاقتصادية “كلكاليست” أواخر العام 2019 أن ثلث ميزانية مكافحة الجريمة والعنف في المجتمع العربي، قد اختفى. فقد أضافت وزارة الأمن الداخلي 336 مليون شيكل جديد إلى قاعدة الميزانية للتعامل مع الجريمة في المجتمع العربي، بالإضافة إلى أموال إضافية يبلغ مجموعها أكثر من 200 مليون شيكل سنوي للشرطة. ويصف كيف أنه بهذه الأموال والميزانيات الخاصة، تم إنشاء 7 مراكز شرطة جديدة في بلدات عربية وإضافة 420 عنصر شرطة عربي. ولكن مراكز الشرطة السبعة الجديدة التي تم إنشاؤها هي نصف المراكز المخطط لها. وقد كشف مراقب الدولة السابق يوسف شابيرا في تقريره عن نظام مشتريات الشرطة من آذار 2018 أن وزير الأمن الداخلي السابق غلعاد إردان حوّل 434 مليون شيكل من أهدافها الأصلية إلى أسباب أخرى. وتم اقتطاع معظم الأموال من خطة الأمن الشخصي المخصصة للمجتمع العربي.

ليس المواطنون الفلسطينيون وممثلوهم وحدهم من يؤكدون أن فتح مراكز شرطة وسائر “الحلول البوليسية” ليس بوسعها تغيير الوضع (خصوصاً أنها مراكز شرطة لا تواجه الجريمة المنظمة فعلا)، بل هناك جهات أمنية تؤكد هذا أيضاً. فمثلا، ربط “معهد أبحاث الأمن القومي” الإسرائيلي بين الجريمة وبين سياسة الحكومة في وثيقة له (آذار 2020) تناولت وضع البلدات العربية في ظل انتشار وباء الكورونا. وكتب: “من الضروري إقرار موارد اقتصادية مخصصة للمجتمع العربي (…) حيث يمكن أن يؤدي ارتفاع معدل البطالة والأزمة الاقتصادية إلى تعميق الفقر وزيادة آثار العنف والجريمة”.

ختاماً، رأت القائمة المشتركة أنّ خطة نتنياهو هي “خطة علاقات عامة انتخابية، وليست خطة حقيقية وجادة وشاملة لمكافحة الجريمة والعنف في المجتمع العربي. “الخطة الحكومية” التي أقرّت على أعتاب الانتخابات، ميزانيتها هزيلة (150 مليون شيكل لإقامة 5 محطات شرطة) من أصل 13 مليار شيكل هي ميزانية الشرطة سنوياً. وتقتصر على فتح محطات الشرطة، ولا تعالج مسبّبات العنف في المجتمع العربي. وقد أثبتت التجربة أنّ فتح محطات شرطة، من دون تغيير سياسات الشرطة، لا يحلّ المشكلة لا بل يعمّقها أحياناً. فالخطة لا تتطرق بتاتاً إلى الإجرام المنظم، بخلاف ما حدث عندما أرادت الدولة مكافحة الإجرام في مدن مثل نتانيا ونهاريا. وحتى الخطة بعيدة الأمد التي يتحدث عنها نتنياهو وأعوانه، إذا ما نفّذت ورُصدت لها الموارد اللازمة، فالحديث يجري عن 10 سنوات على الأقل”.

ذكّرت القائمة المشتركة بأن “الخطة التي تتبنّاها والتي طرحتها على الجهات الرسمية المختصة، هي الخطة التي وضعتها لجنة المتابعة العليا، بمشاركة عشرات الخبراء، والتي تتطلّب أولاً وأخيراً حدوث تغيير جذري في العقلية العدائية للمؤسسة الحاكمة والشرطة تجاه المواطنين العرب، والتعامل معهم على قدم المساواة التامة غير المشروطة. والكفّ عن سياسة استخدام العنف كأداة سيطرة على الجماهير العربية”. وحذّرت القائمة المشتركة “من الاستغلال السياسي الذي يقوم به نتنياهو لقضايا وهموم المجتمع العربي لجني المكاسب الانتخابية، كما تحذّر من الهرولة وراء ألاعيب نتنياهو ووعوده الكاذبة”!

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى