أقلام وأراء

هشام نفاع يكتب – سياسة التخطيط الإسرائيلية تواصل حرمان مئات آلاف المواطنين العرب من حق أساس.. الكهرباء!

هشام نفاع  *- 8/2/2021

هناك 100 ألف مواطن عربي في إسرائيل يعيشون في بيوت غير موصولة بشكل قانوني وسليم وآمن بشبكة الكهرباء، رغم أنهم يسكنون في “بلدات معترف بها”، خلافا لأشقاء كثيرين لهم في النقب. السبب هو أن هذه البيوت لم تنل ترخيصاً من سلطات التخطيط، وهو أمر مرتبط بانعدام المخططات المُصادق عليها للبلدات العربية، والتي يجب أن توفّر أراضي سكنية، فيضطر آلاف الناس للبناء بانتظار ترخيص بيوتهم. وقد أجرى معهد الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست دراسة معلوماتية حول الموضوع، بناء على طلب عضو الكنيست يوسف جبارين من القائمة المشتركة، بوصفه رئيس اللجنة الخاصة لحقوق الطفل استعداداً لاجتماع حول حجم عدم ربط البيوت العربية بشبكة الكهرباء وتأثير ذلك على الأطفال.

يقول معهد أبحاث الكنيست إنه قدم وثيقة تستند على تقارير مكتوبة من جهات رسمية عامة مختلفة والإجابات الواردة من المصادر التي اتصل بها: شركة الكهرباء وسلطة الكهرباء ووزارة الطاقة ووزارة الداخلية وإدارة التخطيط ووزارة العدل، إضافة إلى عدد من منظمات المجتمع المدني ورؤساء سلطات محلية عربية.

يعرض البحث نتائج أوليّة لبحث معمق يعمل عليه “المركز العربي للتخطيط البديل” وجمعية “سيكوي”، وهي تشير إلى أن هناك أكثر من 100 ألف رجل وامرأة وطفل عربي في البلاد يعيشون من دون ربط منظّم وآمن بشبكة الكهرباء لأنهم يسكنون بيوتاً غير مرخّصة. فهناك حوالي 14 ألف مبنى سكني غير مرخص، في 70 بلدة عربية (لا يشمل النّقب بقُراه غير المعترف بها برمّتها) ومعظم هذه المباني (64% منه) موجودة في 10 بلدات عربية ما بين وادي عارة والمثلث الشمالي والجنوبي وصولا إلى الكرمل وقرية يركا شمالا.

72% من هذه البيوت غير المرخصة، مبنيّة في مناطق دون خرائط تفصيلية مع العلم أن معظمها بني ضمن حدود الخارطة الهيكلية. وهذا نتيجة لسياسات التّمييز والإهمال الحكومية تجاه البلدات العربيّة في مجال الأرض والتخطيط والتطوير منذ عشرات السنين، فيدفع المواطنون العرب الثمن بتعريض حياتهم للخطر، وبالتعرّض للعقوبات القاسية والمجحفة مثل الهدم والغرامات الطائلة وانعدام الخدمات الاساسيّة والحيوية كالكهرباء – يقول مركز التخطيط البديل.

لجنة التحقيق “أور” كانت تطرّقت للقضية، ولكنها بقيت على حالها

ينظم قانون التخطيط والبناء للعام 1965 عمل مؤسسات التخطيط في إسرائيل. وفقاً للقانون، من أجل إتاحة الأرض للبناء، يجب اعتماد المخططات التفصيلية من قبل مؤسسات التخطيط المرخصة للقيام بذلك. بموجب القانون الجاف، يجب أن تكون الخطط التفصيلية متسقة مع الخطط القطرية واللوائية والمحلية. قبل الموافقة على خطة تفصيلية، يجب تقديم الاعتراضات إلى اللجنة اللوائية والمحلية. كما نص القانون على أنه لغرض تنفيذ المخططات التفصيلية للبناء تقوم اللجان المحلية أو سلطات الترخيص المحلية بإصدار تراخيص البناء على النحو المنصوص عليه في القانون ولوائحه، ويجب أن تتوافق التصاريح مع أحكام المخططات.

ينص قانون التخطيط والبناء على أنه لا يجوز توصيل المنازل المبنية بدون تصريح بناء بشبكات الكهرباء والهاتف والمياه. شركة الكهرباء صرّحت أن المباني توصل قانونياً بالكهرباء فقط إذا حصلت على تصاريح بموجب قانون التخطيط والبناء، أو حصلت على موافقة خاصة بموجب ترتيب قانوني محدد، وهو ما جرى في حالات مختلفة في الماضي، كما قالت.

هناك بند في قانون التخطيط والبناء يسمح لوزير الداخلية أن يأمر بربط بعض المباني بالكهرباء قبل منح رخصة البناء، وفق الشروط التالية: أولاً، المنطقة مشمولة في مخطط تفصيلي يسمح بالبناء؛ ثانياً إذا أعلنت سلطة التخطيط المخوّلة أنه لا مانع من ربطها مستقبلا. يوجد في البلدات العربية العديد من المباني التي تم تشييدها دون ترخيص لأسباب متنوعة، كما ورد في تقارير أعدتها عدة جهات حكومية، بما في ذلك تقرير لجنة التحقيق الرسمية برئاسة القاضي أور (2003) التي أقيمت بعد ما يسمى بـ”أحداث أكتوبر 2000″، وتقرير الـ 120 يوماً للتعامل مع ضائقة الإسكان في المجتمع العربي (2015) وتقرير مراقب الدولة حول الإجراءات الحكومية بشأن أزمة الإسكان في المجتمع العربي (2019). بحث معهد الكنيست يضيف أنه يتم عمليا توصيل الكثير من تلك البيوت بالكهرباء بشكل غير قانوني، سواء من خلال الربط بالبنية التحتية للكهرباء في المباني الموصولة قانوناً أو من خلال الربط المباشر بشبكة الكهرباء العامة في البلدة.

لم يُستخدم سوى 6% فقط من ميزانية تعزيز التخطيط التفصيلي!

تدعي وزارة العدل أنه تم في السنوات الأخيرة ما تصفه بـ “عمل شاق” في مؤسسات التخطيط لتعزيز التخطيط التفصيلي في المجتمع العربي. وتضيف أنه بحلول تموز 2019، تمت الموافقة على 120 ألف وحدة سكنية (بناء جديد وترخيص مبان قائمة). ووفقاً لخطة العمل للعام 2020، من المتوقع الموافقة على 60 ألف وحدة سكنية أخرى.

من جهته، يشير مراقب الدولة (في تقرير نُشره في 2019) إلى “واقع مختلف”. وهو يقرّ أن وتيرة تنفيذ قرار الحكومة 922 غير مرضية: القرار خصص ميزانية قدرها 176 مليون شيكل للأعوام 2016-2020 للتخطيط التفصيلي لأراضي الدولة والأراضي الخاصة، لكن إجراءات التخطيط للأراضي الخاصة تستغرق وقتاً طويلاً، وهكذا لم تبدأ معظم السلطات المحلية في استخدام الميزانية المخصصة لها، واستخدمت السلطات الأخرى 6% فقط من الميزانية المخصصة لجميع السلطات لهذا الغرض، من أصل 20.5 مليون شيكل.

لكن المشكلة تتجاوز عدم تطبيق ما تم اتخاذ قرار فيه، فقد بيّن بحث معهد أبحاث الكنيست أن السلطات الإسرائيلية المختصة ليس لديها بيانات دقيقة عن عدد المباني في بلدات المجتمع العربي غير الموصولة قانونيا بالكهرباء. هذا بينما تشير تقديرات مختلفة، بعضها لأطر تمثيلية عربية ولمنظمات غير حكومية، إلى أن عدد المباني غير الموصولة بالكهرباء يصل إلى عشرات آلاف المباني. علماً بأن ربط المباني بشكل غير قانوني بالكهرباء يؤدي إلى مخاطر على السلامة في الأماكن العامة والمنازل الخاصة، وحتى خطر حدوث صعقة كهربائية وضغط على شبكة الكهرباء يؤدي إلى العديد من حالات انقطاع التيار الكهربائي وإلحاق الضرر بجودة حياة المواطنين العرب، والتسبب بأضرار اقتصادية بسبب التصليحات وأعمال الصيانة المترتبة على ذلك.

كانت هناك في الماضي ترتيبات مؤقتة (“أمر شاحل” من العام 1988 وقانون إمداد الكهرباء “أمر مؤقت” 5756-1996) سمحت بتوصيل الكهرباء إلى المباني بدون رخص بناء، وفقاً لعدة معايير. وبموجب هذه الترتيبات تم توصيل آلاف الأبنية بالكهرباء. الترتيب المقترح حالياً من قبل إدارة التخطيط ووزارة القضاء يستند إلى قانون التخطيط والبناء، الذي يسمح لوزير الداخلية بأن يأمر بتوصيل الكهرباء للمباني التي تم وضع مخطط تفصيلي لها. لكن وزارة العدل وشركة الكهرباء أشارتا إلى أن هذا المخطط لا يستخدم إلا قليلاً. ويقترح بعض أعضاء الكنيست تمرير تعديل على التشريع من شأنه أن يسمح بتوصيل الكهرباء على أساس مخطط رئيس، حتى بدون خطة تفصيلية، شريطة أن تكون المباني في منطقة تتطابق مع تسمية الأرض في المخطط الرئيس، وشريطة أن يتعهد أصحاب الأرض باستصدار رخص بناء.

نحو 3500 مبنى بدأ تنظيمها العام 2015 ولم ينته بعد

يقتبس البحث رئيس مجلس عرعرة ورئيس اللجنة القطرية للسلطات المحلية العربية، مضر يونس، الذي يقدّر وجود حوالي 45 ألف مبنى في البلدات العربية لا يمكنها إصدار تصاريح بناء لها لأنها خارج أية مخططات هيكلية مناسبة، وبالتالي غير موصولة قانونياً بالكهرباء. مثلا، حسب تقديرات بلدية أم الفحم هناك 3000 بيت غير موصولة قانونياً بشبكة الكهرباء، أي ما يعادل نحو ربع عدد بيوت مدينة أم الفحم التي لم يتم تسوية وضعها القانوني وهي غير موصولة بشبكة الكهرباء. وهناك حالات أكثر صعوبة: ففي بلدة القيصوم في النقب، هناك حوالي 19 توصيلة قانونية للكهرباء فقط، لكنها تغذي المباني التي يسكنها حوالي 6000 ساكن!

أرسلت السلطات المحلية العربية في آذار 1996 إلى وزارة البنى التحتية (وزارة الطاقة الآن) قوائم بالمباني التي قد تستوفي معايير الأمر المؤقت، الذي يجيز وصل بيوت بالكهرباء رغم أنها لم تستوف إجراءات الترخيص بعد، ووافقت الوزارة على توصيل الكهرباء للمباني القائمة فيها. وتم الإبلاغ أنه بحلول الوقت الذي انتهى فيه الأمر المؤقت في العام 2007، تم توصيل أكثر من 9000 مبنى بشبكة الكهرباء.

لاحقاً، في العام 2018، أصدر وزير الطاقة إرشادات تسمح بتوصيل الكهرباء إلى مثل هذه المباني، شريطة أن تستوفي الشروط التي يحددها القانون. لكن وفقا لرد شركة الكهرباء لم يتم تقديم طلبات توصيل بالكهرباء بموجب الأمر المؤقت، وهي تعتقد ان الأمر يعود إلى استصعاب أصحاب البيوت استكمال إجراءات الحصول على رخص. وبالفعل: هناك ما يقارب 3500 مبنى بدأت إجراءات تنظيمها وترخيصها منذ العام 2015 ولم تنته بعد، إذ ترفض اللجان المحلية للتخطيط والبناء ربطها بالكهرباء حتّى ولو بشكل مؤقت.

على نفس المنوال: تدعي سلطات التخطيط أنه يتم حالياً تنفيذ ما تسميه أنشطة مكثفة لإقرار خرائط هيكلية وتخطيط في البلدات العربية، وهي ستسمح بوصل المباني بالكهرباء بشكل قانوني. لكن هذه عملية ستستغرق عدة سنوات وعليها الانتظار حتى تنتهي.

تعلن شركة الكهرباء رسمياً أنها تريد تزويد أكبر عدد من البيوت بالكهرباء وبالتالي ربط أكبر عدد ممكن من البيوت بشبكة الكهرباء. وبلسان ممثل لها تحدث في اللجنة البرلمانية: “نحن نتحاور مع كل بلدة على حدة في محاولة لإيجاد الحلول، وفي كل مرة كانت فيها تسوية قانونية، تجندنا بكل قوة من أجل ربط البيوت. الوضع الحالي يضع أمامنا مشاكل تتعلق بمجال السلامة والأمان وهناك الكثير من أشكال الخلل ويتم إلحاق الضرر الاقتصادي بالشركة. خلال موجة الحرارة من هذا العام اكتشفنا الكثير من الأماكن التي كانت فيها حالات غير قانونية من ربط البيوت بشبكة الكهرباء وهذا الأمر تسبب في حرق الكثير من الصمامات لأن الشبكة لم تكن تتلاءم مع الطلب”.

العيش من دون تيّار كهربائيّ يُعتبر انتهاكاً لحقّ الإنسان بالكرامة

ممثل وزارة العدل قال: نحن نقترح اليوم عدم القيام بتخطيط على مرحلتين إنما الاستمرار في تخطيط تفصيلي مباشرة ولذلك فإن التخطيط الشمولي حذف من جدول الأعمال. جميع الأطراف تريد مواصلة إجراءات التسوية القانونية في المجتمع العربي، وتجري مداولات كثيرة حول المباني التي يتم حاليا القيام بتسوية مكانتها وهذا الموضوع يثير الكثير من الصعوبات القضائية. ولكن مجرد احتمال الربط في مرحلة التخطيط التفصيلي هو بشرى بحد ذاته. التشريع المؤقت لا يسري منذ 13 عاما ويجب القول بصراحة إن موضوع ربط البيوت بشبكة الكهرباء يجعل الناس يريدون تسوية موضوع التخطيط.

أما ممثل سلطات التخطيط فقد تبنى أقوال زميله من وزارة العدل كما صرّح، مضيفاً أن “التخطيط الشمولي ينتِج فقط فكرة عامة. وقسم كبير من المباني من شأنها أن تتعارض مع التخطيط التفصيلي وأن تتسبب في تخطيط غير جيد. لذلك لا يمكن المصادقة على ربط البيوت قبل التخطيط التفصيلي ولذلك تقرر عدم استثناء موضوع الكهرباء والتوقف عند مستوى التخطيط الشمولي. القانون لا يسمح حاليا بالعمل في المكان الذي لا يوجد فيه تخطيط مفصّل، بالتالي فإن الحديث يتعلق قبل كل شيء بالتشريع. الوزير يفتقر اليوم لصلاحية التوقيع على أمر يستند فقط إلى تخطيط شمولي. ولكن إذا وقع وزير الداخلية على أمر حسب الخطط التي تم إيداعها فإنه ليس هناك مانع في ربط البيوت”.

ضمن تلخيص رئيس اللجنة عضو الكنيست جبارين قال: “لا شك في أن حقيقة عدم ربط عشرات آلاف البيوت بشبكة الكهرباء هي حقيقة تنتهك بشدة الحقوق الأساسية لمئات آلاف السكان وعشرات آلاف الأطفال. تُعتبر الكهرباء حقاً أساسياً وسلعة أساسية ولا يمكن تصور أنه سيكون هناك مثل هذا الواقع في بداية القرن الحادي والعشرين. بقدر ما يتعلق الأمر بالأطفال فإننا نتحدث حول المساس بسلامتهم وأمنهم، وهذا المساس يزداد سوءاً خلال فترة كورونا عندما يُنتهك حقهم في التعليم أيضاً، ولذلك يجب علينا جميعاً العمل معاً لدفع إيجاد الحلول للوضع. يجب توفير ميزانية كبيرة وخصوصية للسلطات المحلية لتعزيز التخطيط فيها، والأهم من ذلك كله، كما تم توضيحه هنا، قطع الصلة بين قانون التخطيط والربط بشبكة الكهرباء، الأمر الذي سيسمح بوضع حد لمعاناة الكثير من المواطنين والأطفال”.

في نشرة لجمعية حقوق المواطن، أوردت السؤال: هل الكهرباء حق أساس؟ وأجابت: الكهرباء هي مُنتج أساس ضروريّ من أجل الحياة البشريّة الكريمة والصحّيّة، وقد تكون في الوضعيّات الطبيّة الصعبة أو الطقس العسير شرطاً من شروط الحياة نفسها. فتدفئة مكان السكن في الشتاء وتبريد الغذاء والأدوية، وتشغيل الأجهزة الطبيّة، وتسيير الحياة اليوميّة لعائلاتنا- كلّها أمور متعلّقة بتوفير التيار الكهربائيّ بشكل منتظم. وقد اعترفت القوانين الإسرائيليّة بالحق بالكهرباء في عدّة قرارات صادرة عن المحكمة. فعلى سبيل المثال، قضت محكمة الصلح في حيفا بأنّ الكهرباء تشكّل اليوم حقّاً أساسيّاً في الدولة الحديثة، وبأنّ العيش من دون تيّار كهربائيّ يُعتبر انتهاكاً لحقّ الإنسان بالكرامة. وتنصّ القوانين الدوليّة هي الأخرى على أنّ توفير خدمات الكهرباء هو شرط لازم لممارسة الحقّ بالصحّة والحقّ بالحياة. وعليه، يجب ضمان تمتّع كلّ رجل وامرأة، بغضّ النظر عن وضعهما الاقتصاديّ، بحقّهما في توفّر التيّار الكهربائيّ لسدّ احتياجاتهما الأساسيّة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى