شؤون إسرائيلية

هشام نفاع يكتب – اقتراح تعيين ضابط سابق يقدّس الحرب ويدعو للترانسفير والقتل الجماعي رئيساً لـ”ياد فشيم” يشعل جدلاً إسرائيلياً !

كتب هشام نفاع  *- 30/11/2020

ضمن مسلسل الحرائق التي يشعلها رئيس الحكومة اليمينية الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لا تزال مسألة تعيين الضابط الكبير السابق، صاحب الممارسات والمواقف العنيفة والفاشية، إيفي إيتام، لترؤس مؤسسة “ياد فشيم” مشتعلة.

وتحمل “ياد فشيم” خصوصية وحساسية، إسرائيلياً، لكونها مؤسسة إسرائيلية رسمية أقيمت العام 1953 بموجب قرار الكنيست كمركز أبحاث للهولوكوست، لذلك فإن القضيّة تشغل شرائح جديّة، سياسياً وإعلامياً وأكاديمياً. وتعود لتُبرز، سطحاً وعُمقاً، الأزمة الإسرائيلية المتفاقمة المتمثلة بما لا يقل عن حرب النّخب، قديمها وجديدها، على النفوذ والإرث والرموز. فهي ليست حرباً بين يسار ويمين كما تُسمى بكثير من التسرّع وقليل من التعمّق. فخصوم نتنياهو في هذه المضامير ليسوا يساريين بالمرة، بمفاهيم اليسار السياسية الأممية. بل مؤسسة صهيونية قديمة مقابل أخرى جديدة متفلّتة من أي قيد دبلوماسي ومتخففة من كل اللياقة، صمغُها الشعبوية وإزاحة الأقنعة وغريزة هيمنة جشعة على السلطة.

بدأت القضية بعد انكشاف نيّة بنيامين نتنياهو تعيين إيتام. فحين وافقت لجنة التعيينات العليا في سلطة الشركات الحكومية، على تعيين إيتام في المنصب، وقبل أن يتم رفع التعيين لموافقة الحكومة، أعرب نتنياهو عن دعمه. وفقا لجريدة “معاريف” اسم المرشح روّج له وزير التعليم العالي ووزير المياه زئيف إلكين، وورد في وقت سابق بالتشاور مع بنيامين نتنياهو، الذي أكد دعمه.

عريضة : “صُدمنا بهذا الاقتراح الشائن”

هنا خرج عشرات الباحثين والأكاديميين البارزين في مجال تاريخ الهولوكوست بعريضة تعارض هذا التعيين وتحذّر منه. وجاء فيها: “لسنوات عديدة، كانت ياد فشيم، وأرشيفاتها وأقسامها البحثية، أحد أهم شركاء عملنا، أينما كنا، سواء كانوا علماء وباحثين يهود أو غير يهود في دراسات الهولوكوست ومعاداة السامية واليهودية، ونشطاء في المتاحف والمحفوظات والتعليم أو البحث. ياد فشيم تخلد ذكرى إبادة النازيين لليهود. هدفها المعلن ليس فقط التوثيق والبحث والتعليم ولكن أيضاً منع الهمجية وأعمال الإبادة الجماعية في المستقبل. وتهدف الكلية الدولية لدراسات الهولوكوست، وهي جزء من المؤسسة، إلى مكافحة معاداة السامية والعنصرية والإقصاء داخل المجتمع ككل.”

وأضاف الباحثون: “هذه المهمة العاجلة – لتشجيع المجتمع المدني على المراقبة النشطة والمشاركة والتدخل حيثما كانت العنصرية والكراهية تهدد الجماعات والمجتمعات الدينية أو العرقية أو غيرها – هي الآن عرضة لخطر تسليمها إلى المتطرف اليميني الصريح والسياسي الأمي تاريخياً إيفي إيتام . لقد صدمنا بهذا الاقتراح الشائن ونحتج عليه بأقوى العبارات الممكنة. إن خطاب إيتام البغيض تجاه المواطنين العرب والفلسطينيين يتعارض مع مهمة ياد فشيم المعلنة. ونضيف أصواتنا إلى احتجاجات العديد من الناجين من الهولوكوست البارزين في إسرائيل الذين تحدثوا ضد هذا التعيين المقترح. إن تعيين إيفي إيتام رئيساً لياد فشيم من شأنه أن يحول مؤسسة محترمة دولياً مكرسة لتوثيق الجرائم ضد الإنسانية والسعي إلى تحقيق حقوق الإنسان إلى أضحوكة وعار”، على حد قولهم.

سجلّ حافل بالعنف العسكري والتصريحات العنصرية في كل اتجاه

هذا العسكري يجرّ خلفه سجلا حافلا بالعنف القومجي العنصري فعلا وقولا. مثلا، جاء في وثيقة بعنوان “محاكمة غفعاتي – 1990″، التي تناولت اعتداء ضباط وجنود من هذه الوحدة العسكرية على مدنيين فلسطينيين من مخيم البريج في قطاع غزة ما يلي (نوردها حرفياً بمصطلحاتها كما هي):

“في 7 شباط 1988، اندلعت أعمال شغب عنيفة في مخيم البريج للاجئين في قطاع غزة. وخلالها رشق الجيش بالحجارة. في حوالي الساعة 00:16 دخلت قوة من دورية راجلة من المحاربين في سرية مساعدة من كتيبة روتم في لواء غفعاتي، إلى منزل المشتبه به بالشغب في محاولة لاعتقاله هو وابن عمه. بعد بضع دقائق من المواجهة الجسدية بين الجنود وقاطني المنزل غادره الجنود ومعهم الأسيران مقيدا اليدين. نُقل المعتقلان في سيارة جيب عسكرية إلى حرج قريب. خلال السفر إلى الحرج قام الجنود بضرب المعتقلين بالهراوات وغيرها أمام المارة، “كنموذج رادع”، لأولئك الذين سيشاركون في أعمال شغب عنيفة. بعد أن وصل الجيب العسكري إلى الحرج القريب، أنزل الجنود المعتقلين من الجيب واستمروا في ضربهما، بينما كان قائد مجموعة من السريّة يشرف على هذه الأعمال. في إثر أعمال العنف هذه أصيب أحد المعتقلين بجروح قاتلة وتم تحديد وفاته في نفس اليوم. بعد هذه القضية، قدمت النيابة العسكرية لائحة اتهام ضد أربعة جنود متورطين في الحادث (…) وبحسب لائحة الاتهام، أمر قائد الكتيبة مرؤوسيه بمن فيهم المتهمون بـ”اعتقال المشتبه بهما في أعمال الشغب”، بإبعادهما عن مكان الاعتقال حتى لا يسببا جلبة، وضربهما بالهراوات بأيديهم وأقدامهم من أجل كسر الأطراف وإطلاق سراحهما… وكل هذا بدلاً من إحضارهما إلى المعتقل”. المسؤول عن هذه الوحشية كان إيتام.

كذلك يحمل المذكور في جعبته تصريحات عنصرية ضد كل من وما هو عربي وفلسطيني. ومثلما ذكّر الصحافي أوري مسغاف بها مؤخراً، هذه بعض الأمثلة: “إن عرب إسرائيل هم إلى حد كبير القنبلة الموقوتة في النظام الديمقراطي والإسرائيلي بأكمله داخل الخط الأخضر. واليوم بالفعل في الجليل والنقب، يتم إنشاء حكم ذاتي فعلياً يمكن أن يحول دولة إسرائيل إلى فقاعة غوش دان. إنه تهديد وجودي وهو بطبيعته تهديد مراوغ مشابهللسرطان. السرطان هو نوع من المرض الذي يموت فيه معظم الأشخاص بسبب تأخر التشخيص. وعندما يفهم المرء حجم التهديد، يكون قد فات الأوان لعلاجه”.

خلال عضويته في الكنيست خاطب النواب العرب بالقول: “سيأتي يوم ونطردكم فيه إلى غزة من هذا البيت القومي الخاص بالشعب اليهودي. وهناك سنحاربكم، فأنتم تنتمون إلى هناك”. هذا العسكري يرى أن “العالم بدون اليهود هو عالم بلا روح، عالم كالماكينة فقط”، أما دولة إسرائيل فهي “دولة الرب المقدس”. ومن هنا يتحدث عن الحرب كالتالي: “ما يجعل عيني تدمع حتى يومنا هذا هو رؤيتي الشباب محملين بالعتاد العسكري وهم يتوجهون للعمليات ويصبحون ظلالا في الأفق. إنه أمر مثير للانفعال للغاية بالنسبة لي، وهو أكثر ما يثيرني. لأن هذه هي محاولة التضحية (تضحية إبراهيم بابنه إسحاق- المحرر). في كل مرة هناك محاولة للتضحية”. من هذه العقيدة يرى أنه “سيتعين علينا القيام بثلاثة أشياء: طرد معظم عرب يهودا والسامرة من هنا. مستحيل العيش مع كل هؤلاء العرب ومن المستحيل التنازل عن الأرض، لأننا رأينا بالفعل ما يفعلونه هناك. قد يتمكن البعض من البقاء في ظل ظروف معينة، ولكن سيتعين على معظمهم المغادرة. علينا أن نتخذ قرارا آخر وهو إخراج عرب إسرائيل من النظام السياسي، وهنا أيضا الأمور واضحة وبسيطة: لقد أقمنا بأنفسنا طابورا خامسا، مجموعة من الخونة من الدرجة الأولى، لذلك لا يمكننا الاستمرار في شرعنة مثل هذا الوجود العدائي الكبير داخل النظام السياسي الإسرائيلي. الشيء الثالث هو أنه سيتعين علينا التصرف بشكل مختلف عن كل ما عرفناه حتى الآن في مواجهة التهديد الإيراني. هذه ثلاثة أشياء ستتطلب تغييراً في أخلاقيتنا بشأن الحرب”. ومرة اقترح قتل ألوف المواطنين اللبنانيين من أجل وقف الحرب وقال: نعم، هذه هي المعادلة، وفقا لتقرير مسجاف.

معارضون : نتنياهو يسعى لتفكيك المؤسسة كسعيه لتفكيك غيرها

في الحلبة السياسية خرجت أصوات تتهم نتنياهو بالسعي إلى تفكيك “ياد فشيم” مثلما يعمل على تفكيك مؤسسات الدولة الأخرى. عضو الكنيست إلعازار شتيرن من حزب “يش عتيد (يوجد مستقبل)” قال لموقع “واينت”: “نتنياهو يعامل ياد فشيم كمؤسسة عامة أخرى يحتاج إلى توليها – وبالمناسبة، يجب أيضاً تفكيكها”. وأضاف: “يجب تعيين لجنة غير سياسية من المتخصصين الخبراء، الذين يعيشون في دراسة الهولوكوست، ونقل تراث المحرقة ومعاملة الناجين. نتنياهو يفكك الشرطة والمحكمة العليا من خلال زرع أتباع كل ما لديهم هو أنهم يخضعون له”.

وقالت مصادر صحافية إنه من المتوقع أن يعارض وزير الدفاع ورئيس الحكومة البديل بيني غانتس تعيين إيفي إيتام. فعلى حد قوله إيتام “مقاتل له العديد من الإنجازات، لكن مؤسسة ياد فشيم بحاجة إلى شخصية مع سجلّ مختلف. ومن أجل رئاسة مؤسسة ذات أهمية دولية، يلزم وجود دولة وشخصية غير سياسية، لا يحمل ماضيها صفحات معقدة ويمكنها أن تمثل كل التيارات الشعبية”.

وردا على موافقة اللجنة على تعيينه، خاطبت المحامية يفعات سوليل باسم المعارضين النائب العام قائلة: “إذا وافقت الحكومة الإسرائيلية بالفعل على التعيين، فسوف نستأنف أمام المحكمة العليا. سُن قانون ياد فشيم العام 1953، وبالتالي لا يشمل جميع القيود المفروضة على التعيينات السياسية والمعايير الواضحة لطريقة الاختيار ومن يجب أن يُنتخب للمناصب الإدارية فيه، كما هو معتاد اليوم. ياد فشيم لا تقل أهمية عن الشركات العامة الأخرى ويجب معاملتها باحترام وعدم الانجرار إلى الركود السياسي. نحن على ثقة من أنه إذا لزم الأمر، ستجبر المحكمة العليا الحكومة على القيام بالإجراءات المناسبة، وتشكيل لجنة بحث وأن تسمح للمرشحين الجديرين بالترشح لمنصب من أهم المناصب التربوية والثقافية في إسرائيل. لن نسمح بإذلال الناجين من المحرقة وإخضاعهم للاحتياجات السياسية للحكومة”.

د. لورا وارتون، عضو مجلس بلدية القدس، حيث مقر “ياد فشيم”، كتبت في مقال نشرته جريدة “هعير” إن “ياد فشيم يجب أن تبقى في الإجماع وخارج الساحة السياسية. اقتراح بنيامين نتنياهو تعيين إيفي إيتام رئيساً للمؤسسة يضر بها وبمكانتها وكذلك بذكرى الهولوكوست.” وتقول إن القانون نص على ذلك: “مجلس ياد فشيم يجب أن يمثل شعب إسرائيل بأكمله، بجميع أطيافه وتحركاته. أعضاء المجلس هم ممثلو الوكالة اليهودية، الصندوق القومي اليهودي، رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، رئيس الأكاديمية الوطنية الإسرائيلية للعلوم، إلخ..”. وتضيف أن مثل هذه المؤسسة يجب أن يترأسها شخص عاقل يتمتع بمسؤولية تاريخية ووعي. وبعد أن تمتدح تاريخه العسكري تكتب: “كضابط في الجيش الإسرائيلي، حارب إيتام من أجل الدولة وحصل على وسام البطولة في حرب يوم الغفران، لكن هذا لا يؤهله لمثل هذا المنصب المهم والحساس”. فمن بين أقواله التي تثبت ذلك مقارنته ياسر عرفات، في مقابلة جرت بعد عملية أوسلو، بأدولف أيخمان. ‘ما الفرق بينهما؟’ قال في مقابلة عام 2002. “فهل من المناسب لمن ينطق بمثل هذه التصريحات حول شخصية محورية كهذه في ذكرى الهولوكوست أن يدير ياد فشيم؟”، تساءلت الكاتبة. وخلصت إلى أن: أي شخص يحرض دون خجل أو اعتراف ولا يعترف بالكرامة الإنسانية لا يمكنه أيضاً إدارة مؤسسة وظيفتها إحياء ذكرى الهولوكوست.

أما كوليت أفيتال، رئيسة مركز منظمات الناجين من المحرقة في إسرائيل، فصرّحت: “لا نعرف ما هي اعتبارات اللجنة وما الذي كان نُصب أعينها حين قررت التعيين… إن اهتمام الناجين من الهولوكوست بتعيين شخصية مناسبة لإدارة ياد فشيم ينبع بشكل أساس من حاجتهم إلى معرفة أن المؤسسة ستستمر في الحفاظ على مصداقيتها. بعد سنوات من إصدارات فريق من الباحثين والمؤرخين المتميزين، تعتبر ياد فشيم مرجعية عالمية في هذا المجال. لذلك نعتقد أن هناك حاجة إلى تعيين مهني، لشخص لديه خلفية ومعرفة واسعة في مجال المحرقة، شخص يمكنه العمل مع باحثين في إسرائيل وحول العالم. ويتطلب هذا الموقف أيضاً مهارة في العمل الدولي، مع المعاهد والمؤسسات والجامعات وأحياناً رؤساء الدول، خاصة الذين يزورون إسرائيل، ومن ثم أن يتولى رئيس مجلس الإدارة دور الإرشاد وإلقاء المحاضرات للمشاهير من الخارج والمعلمين والمحاضرين الذين يأتون إلى إسرائيل إلى الكلية الدولية التابعة للمؤسسة. وسيتعين على الرئيس المنتخب حديثاً رسم مسار المؤسسة في السنوات القادمة، حفاظاً على هيبتها ومصداقيتها وتشكيل ذكرى المحرقة للأجيال القادمة”.

في المقابل هبّ كتّاب اليمين إلى الدفاع عن التعيين فكتب د. أوري كوهين في الجريدة الناطقة باسم نتنياهو غالباً “يسرائيل هيوم” أنه “تجري حالياً حملة إعلامية سامة، تجمع بين الافتراء وأنصاف الحقائق ضد تعيين إيفي إيتام رئيساً لإدارة ياد فشيم”. ووصفه بالـ”مقاتل الشجاع من أجل الأمن القومي”. واعتبر أن الانتقادات الموجهة إلى إيتام” إهانات مروّعة. كيف يمكن أن يقال مثل هذا الكلام عن محارب وضابط بذل روحه في الدفاع عن الشعب اليهودي؟”.

أخيرا، الصحافي غدعون ليفي لخّص القضية كالتالي: “إن تعيين شخص مثقف أو شخص أخلاقي يحارب العنصرية والقومية المتطرفة وجرائم الحرب في كل مكان باسم ذكرى الكارثة، لرئاسة ياد فشيم، سيكون مناقضاً تماماً لمشاريع التخليد التي تلقمها إسرائيل لشبابها. هذا التعيين أيضا سيكون مناقضا للرسالة القومية المتطرفة التي تبثها إسرائيل للعالم كعبرة من الكارثة. لذلك، أحسن رئيس الحكومة صنعا عندما عين شخصاً يمثل جيداً روح إسرائيل، على رأس أعرق مؤسسة تخليد في العالم. إيتام هو شخص عنصري واضح وهو متهم بارتكاب جرائم حرب. وهو الذي سيخبر العالم بما تفكر فيه إسرائيل حقا: أنه بعد الكارثة مسموح لليهود ارتكاب كل شيء؛ وأنه بعد الكارثة لا يوجد لأي شخص في العالم الحق في وعظ إسرائيل بشأن ما يجب عليها أن تفعله؛ وأن القانون الدولي الذي تم وضعه في أعقاب الحرب العالمية الثانية والكارثة يسري على جميع الدول باستثناء إسرائيل؛ لأنه يوجد هنا شعب مختار، منارة للأغيار. وهنا أيضا تعيش الضحية الوحيدة لجرائم الحرب”، كما قال بأسلوبه اللاذع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى