شوؤن دولية

هشام ملحم يكتب بايدن وخططه الطموحة في أول مئة يوم له في الرئاسة

بقلم هشام ملحم 29/4/2021

طرح الرئيس الأميركي جو بايدن في أول خطاب يلقيه أمام مجلسي الكونغرس مع حلول ‏مئة يوم على وجوده في البيت الأبيض خططاً اقتصادية واجتماعية ‏وضرائبية طموحة لم يطرحها رئيس أميركي منذ الرئيس ليندون جونسون ‏في منتصف ستينات القرن الماضي، ويمكن في حال إقرارها أو إقرار جزء ‏هام منها أن تغيّر من معظم أوجه الحياة في الولايات المتحدة، وتحديداً من ‏مفهوم الأميركيين لدور الحكومة الفدرالية في حياتهم. وبدأ بايدن خطابه، ‏الذي ألقاه أمام جمهور مختار من 200 مسؤول حكومي ومشرّع فقط بسبب ‏فيروس كورونا قائلاً وهو ينظر وراءه الى نانسي بيلوسي وكمالا هاريس : ‏‏”السيدة رئيسة المجلس، السيدة نائبة الرئيس”، ثم ابتسم واضاف: “لم يحدث ‏أبداً أن قال رئيس سابق هذه الكلمات من وراء هذا المنبر، ولقد حان الوقت ‏لذلك”، في إشارة الى أنها المرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة التي ‏يحدث فيها وجود امرأتين في منصب رئاسة مجلس النواب ونائب الرئيس.  ‏

‏وسارع بايدن الى وضع رئاسته في سياقها التاريخي الصعب، قائلاً: “لقد ‏ورثت أمة في أزمة: أسوأ جائحة منذ قرن، أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد ‏الكبير (ثلاثينات القرن الماضي)، وأسوأ هجوم على ديموقراطيتنا منذ ‏الحرب الأهلية”، في إشارة الى اقتحام مبنى الكابيتول في 6 كانون الثاني (يناير) من قبل ‏مئات الرعاع من أنصار الرئيس السابق ترامب في محاولة لقلب نتائج ‏الانتخابات. وأشار بايدن الى أنه خلال المئة يوم الماضية، أميركا بدأت ‏بالتقدم من جديد وقلبت التحديات الى احتمالات، والأزمات الى فرص، ‏والنكسات الى قوة”، مضيفاً: “في أميركا نحن ننهض دائماً”. وتحدث بايدن ‏ببعض التفصيل عن الإنجازات التي حققتها حكومته في مواجهة فيروس ‏كورونا وتلقيح أكثر من مئتي مليون أميركي على الأقل مرة واحدة، كما ‏تحدث عن أهمية خطته التاريخية لإنعاش الاقتصاد الأميركي ومساعدة ‏ضحايا الفيروس التي أقرها الكونغرس في الأسابيع الأولى من رئاسته ‏وبلغت قيمتها 19 مليار دولار. ‏

‏وركّز بايدن في خطابه الذي ألقاه خلال ساعة كاملة على جوهر جملته ‏القصيرة حول النهوض الحتمي لأميركا خلال حديثه عن التنافس الحاد في ‏العالم اليوم بين الأنظمة الأوتوقراطية المتسلطة مثل النظامين الصيني ‏والروسي، والأنظمة الديموقراطية التي تقودها الولايات المتحدة.  وفي هذا ‏السياق ناشد المشرعين في الكونغرس ومن ورائهم الشعب الأميركي على ‏العمل المشترك لمواجهة هذا التحدي العالمي، مشدداً على أن اقرار خططه ‏الطموحة لإحداث تغييرات جذرية في الاقتصاد الأميركي وخلق الوظائف ‏الجديدة التي سيجلبها برنامج تعليمي متطور يشمل توفير أول سنتين ‏جامعيتين مجاناً، وصناعات جديدة تنسجم مع متطلبات احتواء التغيير البيئي ‏مثل تصنيع السيارات التي تستخدم الطاقة الكهربائية أو البطاريات ‏المتطورة.‏

وطرح بايدن ما سمّاه “خطة العائلات الأميركية” والبالغة قيمتها 18 مليار ‏دولار لتوفير المساعدات للعائلات في مجالات التعليم والعناية الصحية. وكان ‏بايدن قد طرح قبل ذلك خطته لإعادة بناء وتوسيع البنية التحتية في البلاد، ‏والبالغة قيمتها  23 مليار دولار. ولكن الكلفة البالغة لهاتين الخطتين أثارت ‏جدلاً كبيراً في البلاد ومعارضة قوية للغاية من الجمهوريين الذين وصفوا ‏هذه الخطط بأنها “اشتراكية” واتهموا بايدن بأنه سوف يفرض ضرائب ‏واسعة على الأميركيين لتمويلها، وصاحب هذه الخطط تحفظ من بعض ‏المشرعين الديموقراطيين. ورّد بايدن على هذه التساؤلات والمعارضة ‏الجمهورية مؤكداً أنه لن يتم فرض أي ضرائب جديدة على العائلات ‏الأميركية التي يبقى دخلها السنوي أقل من 400 ألف دولار، وشدد على انه ‏سيفرض الضرائب على الشركات الأميركية العملاقة التي أشار الى أن أكثر ‏من نصفها لا يدفع أي ضرائب، وأن الضرائب التي يعتزم فرضها سوف ‏تكون على هذه الشركات، وعلى أكبر الأثرياء الأميركيين، إضافة الى ‏ضرائب أخرى على كل مواطن يزيد دخله عن مليون دولار في السنة، ‏مشيراً الى أن الأكثرية الساحقة من الأميركيين لن تدفع أي ضرائب جديدة. ‏

ورد السناتور الجمهوري تيم سكوت على بايدن باسم حزبه قائلاً: “مستقبلنا ‏لن يأتي من المخططات التي ترسم في واشنطن، أو من الأحلام الاشتراكية، ‏بل ستأتي منكم: الشعب الأميركي”.‏

وربط بايدن بين إقرار برامجه الاقتصادية الطموحة وقدرة الولايات المتحدة ‏على ضمان التزام دول العالم بقواعد الاقتصاد العالمي بمن فيهم الصين. ‏

وأضاف انه خلال مناقشاته الطويلة مع الرئيس الصيني شي جينبينغ ‏أوضح له “أننا نرحب بالتنافس، وأننا لا نسعى الى النزاع”، وتابع: “ولكنني ‏أوضحت بشكل مطلق بأنني سأدافع عن المصالح الأميركية في مختلف ‏المجالات”. وأضاف أن أميركا “ستواجه الممارسات التجارية غير العادلة ‏التي تضر بالعمال الأميركيين والصناعات الأميركية”، وبأن الولايات ‏المتحدة “ستحافظ على وجود عسكري قوي في المحيطين الهندي والهادئ، ‏ليس لبدء نزاع، بل لمنع حدوثه”. وتابع بايدن انه قال للرئيس الصيني ما ‏يقوله لقادة العالم الآخرين، إننا “لن تتراجع عن التزامنا بحقوق ‏الإنسان والحريات الاساسية” في العالم.‏

وحول روسيا قال بايدن: “لقد أوضحت للرئيس بوتين أنه مع أننا لا نسعى ‏الى التصعيد، لكن ستكون هناك عواقب لأفعال روسيا”. وأشار الى أنه اتخذ ‏اجراءات عقابية مناسبة بحق روسيا بسبب تدخلها في الانتخابات الأميركية ‏وقرصنتها ضد الأجهزة والشركات الأميركية.‏

وتطرق بايدن بشكل عابر الى البرنامجين النوويين لكل من إيران وكوريا ‏الشمالية، مشيراً الى أن هذه البرامج “تمثل تهديداً جدياً لأمن الولايات ‏المتحدة والأمن العالمي”. وأضاف: “سوف نعمل عن كثب مع حلفائنا ‏لمعالجة هذه الأخطار التي تمثلها هاتان الدولتان من خلال الديبلوماسية ‏والردع الصارم”.‏

وجدد بايدن تصميمه على إنهاء الحرب في أفغانستان وهي الأطول في تاريخ ‏أميركا وسحب القوات الأميركية، مشيراً الى التخلص من زعيم تنظيم “القاعدة” ‏اسامة بن لادن، وأن الحرب لم تكن بهدف إعادة بناء أفغانستان أو البقاء فيها ‏لأاكثر من جيل، ملمحاً الى أن بعض الجنود في افغانستان، ولدوا بعد هجمات ‏ايلول (سبتمبر) 2001 الإرهابية التي تسببت بالغزو.

وأشار بايدن الى أن الخطر ‏الإرهابي قد توسع خارج أفغانستان وأن الولايات المتحدة سوف تبقى متيقظة ‏ضد هذا الخطر الإرهابي الذي تمثله “القاعدة” و “داعش” والموجود الآن في ‏اليمن وسوريا والصومال وفي أماكن أخرى في أفريقيا والشرق الأوسط.‏

خلال أول مئة يوم له في البيت الأبيض، استبدل بايدن الخطاب السياسي ‏الصدامي والفظ الذي اعتمده سلفه ترامب بخطاب وفاقي تجاه الجمهوريين، ‏وإنْ صاحبه تصميم على أنه يريد التعاون معهم في الكونغرس، ولكن ‏رفضهم لن يمنعه من محاولة إقرار خططه بموافقة الديموقراطيين فقط إذا ‏اقتضت الضرورة، وهذا ما حدث حين أقر الديموقراطيون بأغلبيتهم البسيطة ‏خطة إنعاش الاقتصاد الأميركي.‏

خارجياً سارع بايدن الى محاولة إصلاح تحالفات واشنطن الاستراتيجية ‏والسياسية التي تمسك بها جميع الرؤساء الأميركيين من الحزبين منذ الحرب ‏العالمية الثانية وتحديداً حلف الناتو، الذي شكك ترامب بجدواه ووتر علاقاته ‏مع بعض قادة دوله وبخاصة المستشارة الألمانية انغيلا ميركل، كما عزز ‏تحالفات أميركا الآسيوية مع اليابان وكوريا الجنوبية. وسارع بايدن للعودة ‏الى اتفاقية باريس حول التغيير البيئي. وكما كان متوقعاً، برز توتر جديد في ‏العلاقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد أن فرض بايدن عقوبات اقتصادية ضد ‏روسيا، وبعد أن وجهت واشنطن انتقادات لاذعة لانتهاكات موسكو حقوق ‏الإنسان وتحديداً اضطهاد المعارض الروسي اليكسي نافالني.‏

في الشرق الأوسط، نفذ بايدن وعده خلال الحملة الانتخابية بأنه سيسعى ‏لأحياء الاتفاق النووي مع إيران ومحاولة تطويره وتوسيعه، حيث تجري ‏الآن محادثات أميركية – إيرانية غير مباشرة في فيينا، تشارك فيها الدول ‏الأخرى الموقعة على الاتفاق الذي انسحب منه الرئيس ترامب في 2018. ‏في المقابل اتسمت علاقات بايدن بالسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ‏بالفتور بعد تعليقه لبعض صفقات الأسلحة التي تم توقيعها خلال إدارة ‏الرئيس السابق ترامب، وإنْ بدأت هذه المشكلة بالانحسار جزئياً بعد ‏الإفراج عن صفقات الأسلحة لدولة الإمارات قبل أسبوعين. وسارع بايدن ‏الى تعيين مبعوث جديد لإنهاء الحرب في اليمن هو الديبلوماسي المخضرم ‏تيم ليندركينغ، ومبعوث جديد لمنطقة القرن الأفريقي هو الديبلوماسي المتقاعد ‏السفير الأميركي السابق في بيروت، جيفري فيلتمان.‏

كما ألغى بايدن بعض القرارات العقابية التي اتخذها ترامب ضد السلطة ‏الفلسطينية، واستأنف الاتصالات الديبلوماسية معها وبعض المساعدات ‏الاقتصادية، وأكد التزام إدارته “بحل الدولتين” للنزاع الفلسطيني – الاسرائيلي. ‏وكان بايدن خلال حملته الانتخابية قد وجه انتقادات مباشرة لقادة تركيا ‏ومصر والسعودية، بسبب انتهاكاتهم لحقوق الإنسان، وهي مسألة أعاد بايدن ‏وضعها على قائمة أولوياته الخارجية، بعد أن تجاهلها سلفه كلياً.‏

* هشام ملحم كاتب وصحفي يغطي الولايات المتحدة وسياساتها في الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى