أقلام وأراء

هشام ملحم يكتب – بايدن : عهد جديد للعلاقات مع زعماء الشّرق الأوسط

هشام ملحم   *- 21/2/2021

عندما رفع الرئيس بايدن أمام حلفائه الأوروبيين يوم الجمعة خلال “مؤتمر ميونخ للأمن” شعار “أميركا عادت”، فإنه كان يعلن في الوقت ذاته دفن شعار سلفه ترامب الانعزالي “أميركا أولاً”، والسياسات الضيّقة الأفق التي اتّبعها والتي زعزعت التحالفات التقليدية التي بنتها الولايات المتحدة منذ خروجها منتصرة من الحرب العالمية الثانية، وأبرزها العلاقات الخاصة مع الحلفاء الأوروبيين في إطار منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو). ولم تكن صدفة أن تعود الولايات المتحدة رسمياً في اليوم ذاته الى اتفاق باريس حول التغيير البيئي. الخطاب كان فرصة لبايدن، لكي يقول للعالم، إن الشعب الأميركي قد انتخبه وانتدبه لنقض وتقويض ودفن تركة دونالد ترامب وسياساته، ليس فقط تجاه أوروبا، بل أيضاً تجاه روسيا والصين، وتجاه لاعبين في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك كيفية التعامل مع نزاعاتها وتحدياتها الملحة.

وخلال شهره الأول في البيت الأبيض، أعلن الرئيس بايدن أن إدارته عرضت على إيران استئناف المفاوضات النووية في إطار مجموعة الخمسة زائداً واحداً، أي الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي  زائداً ألمانيا، ووقف الدعم الأميركي للعمليات العسكرية الهجومية في حرب اليمن، وإلغاء قرار إدارة الرئيس السابق ترامب تصنيف حركة الحوثيين في اليمن تنظيماً إرهابياً، وتعليق صفقات الأسلحة للسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في هذا السياق، وإعادة “تقويم” العلاقات مع السعودية، ووضع مسألة انتهاك حقوق الإنسان في دول المنطقة على قائمة اهتمامات واشنطن. ومع اقتراب شهره الأول من نهايته، أجرى بايدن اتصالاً هاتفياً مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو كانت إيران محوره الأساسي، نظراً لمعارضة نتنياهو القوية لأي اتفاق مع إيران يعترف بحقها في تخصيب اليورانيوم. وحتى الآن لم يتصل بايدن بأي قائد عربي، أو بالرئيس التركي.

قرارات بايدن ومواقفه تجاه دول وقضايا الشرق الأوسط كلها تتناقض مع مواقف وإجراءات سلفه الذي لا يذكره بايدن بالاسم. أن لا يتصل بايدن بنتنياهو إلا في نهاية الشهر، وتجاهله للاتصال بالقادة العرب، وتصريح الناطقة باسم الخارجية الأميركية جين ساكي، أن الرئيس بايدن “في الوقت المناسب” سوف يتصل بالعاهل السعودي الملك سلمان، وليس بنجله ولي العهد محمد بن سلمان، كلها رسائل ضمنية لقادة المنطقة، بأن هناك توجهات أميركية جديدة تجاه المنطقة، وأن حقبة ترامب ومسلماتها قد انتهت فور خروجه من البيت الأبيض.

الفريق الذي عينه بايدن لإجراء المفاوضات مع إيران هو عملياً الفريق ذاته الذي فاوض إيران خلال ولاية الرئيس الأسبق باراك أوباما، حين كان بايدن نائباً له. ما رشح  حتى الآن عن أعضاء الفريق الجديد – القديم هو أنهم سيتفادون في مفاوضاتهم المقبلة – إذا افترضنا أن إيران ستعود الى المفاوضات – النواحي والقضايا التي لم يشملها اتفاق 2015 والتي تفسر معارضة دول الخليج العربية وإسرائيل، مثل عدم شمول الاتفاق لبرنامج إيران الصاروخي، وعدم الحصول على ضمانات إيرانية بأنها ستتوقف عن تدخلاتها السافرة في الشؤون الداخلية للدول العربية والتدخل في نزاعاتها مباشرة أو غير مباشرة عبر عملائها ووكلائها في سوريا والعراق ولبنان واليمن، أو إذا رفضت ذلك طوعاً، العمل مع حلفاء واشنطن في المنطقة على صدها.

الرئيس بايدن أشار الى ذلك في خطابه يوم الجمعة حين قال “علينا أيضاً أن نواجه نشاطات إيران التخريبية في الشرق الأوسط، وسوف نعمل عبر التنسيق الوثيق مع شركائنا الأوروبيين وغيرهم عند التقدم بهذا الشأن”. حتى الآن لم ترد إيران أو وكلاؤها في المنطقة على الطروحات والمواقف الأميركية الوفاقية تجاه إيران، ورغبة واشنطن بإنهاء الحرب في اليمن، وإلغاء تصنيف الحوثيين تنظيماً إرهابياً، بمواقف مماثلة، بل بتصعيد لفظي وميداني. إيران لا تزال تصر، علناً على الأقل، على إلغاء العقوبات الأميركية قبل استئناف المفاوضات، بينما يقوم عملاؤها في العراق بقصف صاروخي ضد منشأة أميركية في مدينة أربيل، في كردستان العراق، وقيام الحوثيين بمهاجمة أهداف مدنية في السعودية، واغتيال المثقف والناشر اللبناني لقمان سليم، أحد أبرز منتقدي “حزب الله” وإيران في لبنان، في ما اعتبر امتحانات إيرانية دموية للإدارة الأميركية الجديدة. حتى الآن الانتقادات في الكونغرس ضد عودة إدارة بايدن للمفاوضات الدبلوماسية مع إيران، وضعف ردها على الامتحانات الإيرانية، لا تزال محصورة في أوساط الحزب الجمهوري، ولكن بعض المحللين تساءلوا كيف يمكن لإدارة بايدن التفاوض مع إيران، في الوقتالذي يواصل فيه عملاؤها مهاجمة الأميركيين ومعارضي إيران في المنطقة.

أن تسعى إدارة بايدن الى إنهاء الحرب في اليمن عبر الوسائل الدبلوماسية، فهذا أمر إيجابي بحد ذاته، عدا أنه مطلب للأكثرية في مجلسي الكونغرس طالبت الرئيس السابق ترامب بإنهاء الدعم الأميركي للحرب، التي تسببت بخراب كبير وقتل عشرات الآلاف من المدنيين. الإدارة الجديدة في واشنطن، تريد إنهاء الحرب، والمساهمة في إغاثة اليمنيين ودعم الأمم المتحدة للتوصل الى تسوية سياسية، ولكن في الوقت ذاته، تريد منع تنظيم “القاعدة” وغيره من القوى الإرهابية مثل “داعش” من إعادة تنظيم صفوفها واستخدام اليمن كقاعدة آمنة، وتدرك أن هذا الهدف لن يتحقق من دون مساهمة جدية من السعودية ودولة الإمارات. وفي هذا السياق تتوقع المصادر المطلعة على المداولات بين الأجهزة الأميركية الأمنية والمعنية بشؤون الخليج، أن تستأنف الولايات المتحدة في المستقبل القريب شحن الأسلحة الى السعودية ودولة الإمارات.

ولكن ذلك لا يعني أن العلاقات الأميركية مع حلفائها في الخليج، وتحديداً السعودية ودولة الإمارات، ستكون خلال ولاية الرئيس بايدن، ودّية أو حميمة كما كانت خلال ولاية الرئيس السابق ترامب الذي “شخصن” العلاقات، متفادياً الأقنية الدبلوماسية التقليدية، حين انتدب صهره جاريد كوشنر للاتصال شخصياً ومباشرةً بقادة البلدين، وأحياناً عبر شبكة WhatsApp . المسؤولون في إدارة بايدن يقولون إنهم سوف يعودون لإحياء القنوات الدبلوماسية التقليدية في الاتصالات مع الحلفاء في الخليج والمنطقة ككل، وهذا بدا واضحاً في الاتصال الذي أجراه وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الأسبوع الماضي بنظيره السعودي الأمير محمد بن سلمان.

ومن المتوقع أن تدخل العلاقات السعودية – الأميركية في مرحلة فتور وتوتر، حين تكشف مديرة الاستخبارات الوطنية أفريل هاينز عن مضمون التقرير السري الذي وضعته الاستخبارات الأميركية حول ملابسات اغتيال الصحافي السعودي المعارض والذي كان مقيماً في الولايات المتحدة وينشر دورياً في صحيفة “واشنطن بوست”. وكانت أفريل هاينز قد تعهدت بذلك خلال مثولها أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الشهر الماضي. ومن المتوقع أن يوجه التقرير، الذي سيصدر قريباً، إصبع الاتهام لولي العهد السعودي. وكان الكونغرس الأميركي في 2019 قد طالب إدارة الرئيس السابق ترامب الكشف عن مضمون التقرير، ولكنها ماطلت أولاً، ثم أبلغت قادة الكونغرس أنها لن تكشف عن التقرير بحجة أنه سيضر بسبل جمع المعلومات الاستخباراتية. كما أن إحدى المحاكم الفدرالية في مدينة نيويورك قد طالبت الحكومة الأميركية بالكشف عن كل ما لديها من معلومات حول اغتيال خاشقجي، بما في ذلك أسماء المتورطين بجريمة قتله.

ومن المتوقع أن يتصل الرئيس بايدن بالعاهل السعودي لمنع العلاقات من التدهور أكثر في أعقاب نشر التقرير الاستخباراتي، والتركيز على صيانة العلاقات والتنسيق الأمني بين البلدين، بما في ذلك مساعدة السعودية على مواجهة أي هجمات صاروخية تتعرض لها من قبل الحوثيين أو إيران، وكذلك إكمال التعاون في مجال مكافحة تنظيمي “القاعدة” و”داعش”، ومواصلة المشاورات بشأن المفاوضات مع إيران. علاقات بايدن مع قادة الدول العربية وإسرائيل وتركيا، سوف تكون “رسمية” وتتسم ببعض التوتر مع قادة مثل نتنياهو والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والقادة السعوديين، وسوف تغيب عن هذه العلاقات المشاعر الحميمية التي اتسمت بها علاقات الرئيس السابق ترامب مع هؤلاء القادة أنفسهم. ولكن ذلك لن يمنع بايدن من دعم إسرائيل مثلاً في المحافل الدولية، أو التوقف عن تسليح هذه الدول (يوم الثلثاء وافقت الخارجية الأميركية على المضي بصفقة صواريخ أرض-جو لمصر بقيمة 197 مليون دولار) على الرغم من انتقادات بايدن للرئيس السيسي خلال الحملة الانتخابية، أو التعاون معها في مجال مكافحة الإرهاب.

عادت أميركا مع بايدن الى الشرق الأوسط لتمحو آثار دونالد ترامب، ولبدء علاقات “عادية” وربما فاترة، ولكن قطعاً، ليس علاقات خاصة أو حميمة مع أي من قادة المنطقة.  

* كاتب وصحفي يغطي الولايات المتحدة وسياساتها في الشرق الأوسط .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى