هشام النجار ٢٩-٤-٢٠٢٢م
يثير إعلان جماعة نصرة الإسلام والمسلمين فرع القاعدة في منطقة الساحل الأفريقي عن احتجاز عنصر من عناصر فاغنر الروسية تساؤلات حول ما إذا كانت المواجهة بين الطرفين قد بدأت بالفعل، خاصة أن الجماعة تتدرج في تصعيد عملياتها ضد القوات المالية وحلفائها.
ظهر إعلان جماعة نصرة الإسلام والمسلمين فرع القاعدة في منطقة الساحل الأفريقي عن احتجاز روسي عضو في مجموعة فاغنر العسكرية وسط مالي كأحد تجليات التنافس المتصاعد بين الدول الغربية وموسكو في أفريقيا، والذي تستفيد منه مجمل الفصائل الجهادية التابعة للقاعدة وداعش.
قالت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وهي التحالف الجهادي الرئيسي بمنطقة الساحل والمرتبطة بالقاعدة في بيان لها بعد العملية “منّ الله على عباده المجاهدين بأسر جندي من قوات فاغنر الروسية بمنطقة جبالي في ولاية سيقو في وسط مالي”، واصفة القوات الأجنبية التي شاركت القوات المالية في عملية إنزال جوي على سوق قرية مورا لمحاصرة الجهاديين والاشتباك معهم ما أسفر عن قتل المئات من ضمنهم مدنيين، بالقوات المجرمة، وتقصد بذلك قوات مرتزقة فاغنر الروسية.
وتشير قراءة مجمل ردود الأفعال إلى وجود تناغم ورؤية متسقة للأحداث الأخيرة وسط مالي بين قوى غربية لها مصالح في مالي والجماعات الجهادية الناشطة في هذه الدولة، خاصة المحسوبة على القاعدة، ففي حين أدانت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين عملية قرية مورا وردت عليها عمليا باختطاف عنصر فاغنر وقتل آخر، أدانتها منظمة هيومان رايتس ووتش وعدد من المسؤولين الأميركيين والغربيين.
وقدمت المنظمات الغربية العملية التي قُتل خلالها نحو ثلاثمئة شخص بالقرية من بينهم مدنيين وآخرين من العناصر الجهادية، وهو ما نفاه الجيش المالي، كدليل على انخراط المرتزقة الروس بشكل مباشر في العمليات على الأرض وعدم اقتصار أدوارهم على التدريب والدعم وتقديم المشورة لقادة الجيش المالي.
تقديرات متباينة
على ضوء العمليات العسكرية ذاتها بمنطقة مورا التي شارك خلالها طيارون روس في أثناء إنزال القوات صدرت تصريحات أميركية وأوروبية منددة باستهداف مدنيين واتهمت عناصر الجيش المالي بالتعاون مع مجموعة فاغنر الروسية بالتورط في قتلهم، ووضح ذلك في تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس ومطالبته بإرسال محققين إلى المنطقة، فضلا عن ردود الأفعال المطابقة من قبل الخارجية الألمانية وكبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل.
وتستثمر عملية الخطف التي نفذتها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين ضد عنصر فاغنر الروسي في هذه الحالة كنوع من التماهي والاتساق مع الأهداف الغربية، وتفهم في سياق التنافس المحتدم بين روسيا والغرب الذي عكسته البيانات والبيانات المضادة من الطرفين، حيث اتهمت مالي وروسيا في المقابل السلطات الفرنسية بدعم الجماعات الإرهابية للتخلص من السلطات الانتقالية في مالي برئاسة عاصيمي جويتا حليف موسكو.
وألمحت بعض التقارير الأفريقية إلى اتهام دول أوروبية بالازدواجية والكيل بمكيالين إزاء العمليات العسكرية الأخيرة في مورا وسط مالي، معتبرة أنها استهدفت العناصر الإرهابية المنتشرة هناك، زاعمة بأن المدنيين الذين سقطوا خلال هذه العملية هم بالفعل متورطون في دعم الإرهاب الذي يستهدف إسقاط الحكومة المالية.
وبدا فرع تنظيم القاعدة لعمليات خطف وقتل ضد عناصر روسية من نوعية الأخبار السارة لفرنسا التي انزعجت مؤخرا من نتائج تطوير موسكو لحضورها العسكري في البلاد ما أدى وفقا لتقارير الأمم المتحدة إلى تراجع العمليات الإرهابية في مالي من حوالي 147 عملية إرهابية في الربع الأخير من العام الماضي إلى حوالي 103 عمليات في الربع الأول من العام الجاري.
تلاقي الأهداف
يعزز تلاقي الأهداف العلاقة بين الجماعات المتمردة المسلحة في مالي، وفي مقدمتها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، والدول الغربية بشأن السعي نحو استنزاف روسيا ومحاولة إذلالها وتحجيم قوات فاغنر، والذي ظهرت تجلياته من خلال اتساق ردود أفعال الجماعات والقوى الغربية على الأحداث على الأرض بعد تطوير موسكو لتعاونها العسكري مع باماكو الذي بدا مؤخرا أنه لا يقتصر فحسب على الدفع ببضعة مئات من مجموعة فاغنر لتقديم دعم محدود للقيادة العسكرية المالية.
وتلقت باماكو صفقة تسليح نوعية من روسيا تضمنت مروحيات هجومية وأنظمة رادار متنقلة قادرة على رصد أي أجسام تطير على ارتفاعات تصل إلى 450 كيلومترا بالإضافة إلى طائرات مي – 35 التي تسلمتها في وقت سابق، في إشارة تعكس توخي موسكو تفويت الفرصة على فرنسا وحلفائها، حيث خططوا لإحداث فراغ أمني وعسكري في مالي ودول منطقة الساحل، ما من شأنه تعريض القوات الروسية لهزيمة في مواجهة الإرهابيين وإثبات فشلها في ملء الفراغ الناجم عن الانسحاب الفرنسي.
وأرادت موسكو من وراء تطوير تعاونها وحضورها العسكري في مالي ومنطقة الساحل من خلال صفقات التسليح والمشاركة الميدانية في العمليات تكريس واقع معاكس للروايات الغربية الرائجة التي روجت لتأثر الحضور الروسي في منطقة الساحل على وجه الخصوص بالحرب الراهنة التي تخوضها في أوكرانيا، ما جعلها تسحب جزءا من قواتها وعناصرها المدربة من أفريقيا للمساعدة في العمليات العسكرية في كييف.
وعكست العمليات المشتركة الأخيرة حجم التعاون بين الجيش المالي وعناصر عسكرية روسية ضد تمركزات للإرهابيين في وسط مالي، فضلا عن صفقات التسليح النوعية، رغبة موسكو في تفنيد المزاعم الغربية وإثبات مقدرتها عمليا على القتال على عدة جبهات في أوروبا وأفريقيا.
ووفق رواية الجيش المالي، فقد أعلن المتحدث باسم الجيش نجاحه في تصفية نحو 203 عنصرا من الجماعات الإرهابية في عملية واسعة شنتها قواته نهاية مارس الماضي في منطقة مورا بوسط البلاد، وهي العملية التي أسفرت عن اعتقال نحو 51 من العناصر الإرهابية ومصادرة كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر.
ولا يصب تحسين الوضع الأمني في مالي ودول منطقة الساحل بعد إحلال النفوذ الروسي محل الأوروبي في مصلحة فرنسا التي وضح أن انسحابها كان تكتيكيا واضطرت لإعادة نشر قواتها بعيدا عن مالي بعد تنامي مشاعر العداء تجاهها من منطلق اعتبارها قوة محتلة، وهي في الوقت ذاته لا ترغب في تقديم مالي بمواردها وثرواتها على طبق من ذهب لموسكو.
وإذا فشلت باريس الحريصة على عدم التخلي عن نفوذها في مالي من خلال ممارسة ضغوط اقتصادية عبر الحلفاء الأفارقة والأوروبيين وإجراء انسحابات ينتعش بسببها الإرهابيون، فإن تقديراتها ستكون خاطئة وربما تندم مستقبلا على إفساحها المجال أمام الجهاديين وفاغنر.
فوائد للقاعدة
كما استفاد في السابق إياد أغ غالي قائد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التي أعلنت مسؤوليتها عن خطف عنصر فاغنر الروسي من الوضع الأمني الهش وارتباك القوات الفرنسية وغياب سلطة منتخبة ومستقرة مع تراجع الدعم الدولي لاستعادة بريق تنظيمه وحضوره القوي بالمنطقة، ها هو يحاول الاستفادة من الخروج الفرنسي وتواجد لاعب جديد على الأرض بمنطقة الساحل، وهو قوات فاغنر التي تعتبر من أقوى الشركات العسكرية الخاصة في روسيا.
وتطمح جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التي يقودها غالي وكانت تخطط لتأسيس إمارة إسلامية في شمال مالي منذ ظهورها في العام 2017 إلى غسل سمعتها بعد تورطها في أعمال قتل المدنيين وسلب ونهب للممتلكات الخاصة والعامة، وهو ما سبب نفورا شعبيا منها ومن عموم الجماعات المسلحة بشكل عام في الساحل الأفريقي.
وتتهم الأطراف الفاعلة بعضها بعضا بالطمع في ثروات مالي ودول منطقة الساحل والصحراء، فالماليون يتهمون الفرنسيين والأميركيين بأن هدفهم ليس الديمقراطية إنما الاستيلاء على ثروات البلاد، وهذا أيضا ليس بعيدا عن الروس الذين تم استدعاؤهم لملء الفراغ الأمني فهم هناك أيضا من أجل الذهب والثروات، وهو كذلك محور اهتمام تنظيم القاعدة بقيادة إياد أغ غالي الذي يعتمد على الشبكات الإجرامية محليا ويفرض سيطرته للاستحواذ على الثروات بالعنف والإرهاب.
وتهدف جماعة نصرة الإسلام والمسلمين من وراء تنفيذ عمليات ضد مجموعة فاغنر إلى استعادة بريقها وتماسكها، خاصة بعد تآكل فرع القاعدة في مالي ومنطقة الساحل وانحساره في مجموعتين رئيستين يقودهما غالي وأمادو كوفا قائد جبهة تحرير ماسينا مع تنامي الخلافات بينهما مؤخرا وفشلهما في ضبط إيقاع التنظيم وفق أهدافه المركزية كما كان سابقا.
وتحرص الجماعة التي تعاني الانقسام والتنافس والصراعات بين قادتها والنفور الشعبي على الدخول هذه المرة من بوابة استهداف الحضور الروسي الذي يأتي على هوى الفرنسيين، فهؤلاء وإن كانوا ساعدوا القوات المالية في السابق في مواجهة نشاط القاعدة وغيرها من الفصائل الإرهابية، فقد أوجد انسحابهم مؤخرا متنفسا لها لمعاودة التمركز واستعادة القوة وهو ما يعوقه حضور قوات فاغنر والمستجدات المتعلقة بتطوير موسكو تعاونها العسكري والميداني مع باماكو.
وجاء تصعيد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين لعملياتها ضد قوات الأمن المالية منذ مطلع العام الحالي وصولا لقتل عنصر فاغنر روسي وخطف آخر وقتل العشرات من العسكريين فضلا عن المئات من المدنيين مارس الماضي، في محاولة لانتهاز فرصة الانسحاب الفرنسي من جهة وعدم إعطاء فرصة للحضور العسكري الروسي في إثبات وجوده وجدارته في أن يكون بديلا عن القوات الغربية، ما يخدم في النهاية خطة فرنسا وأهداف انسحابها التكتيكي.