أقلام وأراء

هشام النجار: الإسلاميون في سوريا ومصر خطة للتأقلم مع واقع جديد

هشام النجار 20-11-2024: الإسلاميون في سوريا ومصر خطة للتأقلم مع واقع جديد

كما أن هناك فرصة سانحة للدول العربية في ظل التحولات التي يشهدها الشرق الأوسط لإعادة بعض البلاد المُختطفة طائفيا لعمقها العربي، هناك أيضا فرصة للإسلاميين، وجماعة الإخوان خصوصا، للتأقلم مع واقع جديد تقف فيه حكومات مثل مصر وسوريا بعد صمودهما وتجاوزهما المد الإخواني وبل والتصالح مع داعمتي الجماعة، تركيا وقطر.

لا مجال لاستغلال الواقع الراهن لجعل الإسلاميين أنفسهم رقما أول أو ثانيا أو حتى عاشرا في معادلة الإقليم، في ظل تراجع إيران ودخول الإسلام السياسي الشيعي مرحلة الانزواء، ومعاناة تركيا من هزيمة معنوية بصحبة الإسلام السياسي السني، وتراجع الرهان على حماس بعد تفكيكها، مع عدم إغفال التحولات في مواقف قطر تجاه احترام سيادة الدول واختيارات الشعوب والتعاون مع الحكومات والقادة الشرعيين.

يعني ذلك أن الإقليم يدخل طورا جديدا، ما يتطلب التحلي ببعض العقلانية السياسية، وإعادة التموقع إذا أراد التيار الإسلامي أن يكون له دور في المستقل، يُؤرَخ له كعلامة إيجابية ربما وحيدة في مسيرته.

يحتاج الإسلاميون هذه المرة إلى تحديد مصيرهم بالخروج من دائرة تفكيرهم النمطي وتصوراتهم التقليدية وعدم التلقي من صانعي قراراتهم، والبدء في الاستماع بروية وتبصر لنصائح مفكرين مستقلين، حيث يشهد الإقليم حالة مختلفة في ما يتعلق بالمشاريع الدينية غير العربية (إسرائيل – إيران – تركيا) التي كانت بمثابة رافعة للإسلاميين في السابق، فالمشروعان اللذان تناوبا على توظيف الإسلاميين السنة وتنافسا على نيل خدماته وهما العثمانية الجديدة وولاية الفقيه لحق أحدهما بالآخر في مسار العودة إلى الأوطان وداخل الحدود والاكتفاء بالذات، بعد اختبارات قاسية للقدرات والإمكانات والجاهزية لتدشين مشروع توسعي عابر للحدود، بحجة مناهضة مشروع ديني ثالث وهو إسرائيل اليهودية المدعومة من الولايات المتحدة والغرب.

ما حدث خلال أكثر من عقد هو أن الإسلاميين أضرّوا بالحالة العربية والقوى العاقلة التي أجبرت إسرائيل مرحليا على التخلي عن جنونها التوسعي، وعلى تصدير مشروع اليسار الذي كان موافقا نسبيا على حل الدولتين، وللتأقلم مع حالة عربية واقعية وهادئة تخلى الإسرائيليون عن مشروع الدولة الكبرى مستبدلين إياه بإسرائيل العظمى (المُؤسَس على فكرة شمعون بيريز) والمقصود به التركيز على الدور الاقتصادي القائم على نسج علاقات مع دول المنطقة.

لم تصمد العثمانية الجديدة وولاية الفقيه والإسلاميون السنة والشيعة أمام طوفان مشروع “إسرائيل الكبرى” بقيادة اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي جرت صياغته وفقا لخطة عوديد ينون داعما الاستيطان اليهودي في الضفة والمزيد من الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية ومواصلة طرد العرب من فلسطين وضمّ كلّ من الضفة الغربية وقطاع غزة ويُعدّ حجر الزاوية في برنامج حكومة بنيامين نتنياهو، فضلا عن المؤسسات الأمنية والعسكرية والاستخبارية، وجرى استحضاره وتكريسه بذريعة تصدّر القوى الإسلامية المتطرفة المشهد بديلا عن القوى العربية العاقلة.

المعادلة الآن مؤداها واقع عربي مُزعزَع وهش داخله بعض الدول التي لا تزال صامدة ومتماسكة، وقوى إسلامية غير عربية مهزومة وجماعات سنية تعاني من جمود التفكير ونمطيته وصدمة الانتكاسات الكبرى صحبة مشروعين.

وبدلا من الاعتراف بالذنب ومباشرة إصلاح الذات ومنح الدول العربية ما تستحقّه من توقير في مرحلة ظهر خلالها جليا من غامر وقامر وتصرّف بخفة دون بصيرة ومن كان بعيد النظر إستراتيجيا وأصاب في الرؤية وأحسن التقدير، تعاند وتكابر وتصر على التسبب بأزمات للدول العربية في مرحلة حرجة سياسيا واقتصاديا.

يوجد هامش للإضرار والتحرك النمطي لحالة الإسلام السياسي، حال واصل انغلاقه وعناده، فإيران لديها أمل في ألا تخرج خالية الوفاض ودون أن تغسل الهزيمة بإلقاء المسؤولية على الدول العربية ومواصلة محاولات الاختراق الطائفي.

وتركيا التي تباشر عقاب أدواتها على خلفية فشلها وعدم امتلاك القدرة والخبرة للنهوض بمشروعها، تحاول الظهور في المشهد، لكنه ظهور موجه إلى الداخل في سياق صد محاولات منافسي حزب العدالة والتنمية السياسيين لتوظيف القضايا للتأثير على شعبيته في الأوساط التي تحمل مشاعر قوية تجاه القضايا الإسلامية، في حين يتشبث الإسلاميون بقشتي إيران وتركيا الهشتين أملا في النجاة من الغرق.

تتعامل مصر مع القوى الإقليمية غير العربية بما يقتضيه التعامل مع الدول ويغلب عليها تفكير المصالح المشتركة واحترام سيادة الدول على سياسة الاختراق وتوظيف الوكلاء في طريق استيعاب الدرس الكبير، حيث بقي في المشهد الإقليمي مشروع واحد فقط وهو “إسرائيل الكبرى” في تهديد واضح لكل الثوابت وأمن مختلف القوى العربية واستقرارها، ووضح ذلك في لهجة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في القمة العربية – الإسلامية بالرياض، عندما تحدث عن التصدي لخطط تهجير الفلسطينيين وطردهم وأنه يريد أن يستوعب القادة وصناع القرار المسلمون الدرس قبل أن تصل الرسالة إلى إسرائيل.

أما جماعة الإخوان فلأنها كانت أداة سلبية رئيسية وصولا إلى هذه المحطة الفارقة، فقد تبنت القاهرة سياسة ممتدة لمكافحتها، تقوم على أن وجود تلك الجماعة يمثل تهديدا للدولة وعامل ضعف وانقسام، وحال أرادت أن تصنع لنفسها شيئا مختلفا حاضرا ومستقبلا لا تشغّل إسطوانة المصالحة المشروخة وتشغّل آلة التغيير الشامل في اتجاه العقلانية والهدوء وفهم ما جرى ويجري، في محاولة أخيرة للاستدراك والتصويب إذا أرادت العيش، وبعدها يقرر المصريون إذا كان في استطاعتهم مسامحة الإخوان أم لا.

يبدو الوضع في سوريا أكثر تعقيدا، فهي واقعة في قلب الصراع ومرمى النيران وتجابه تحديات هائلة غير مسبوقة من أكثر من اتجاه، فهناك تحدي النفوذ الإيراني الجريح، وتحدي السعي الوحشي الإسرائيلي لإزاحته، وتحدي إحياء داعش والجماعات التكفيرية الإرهابية، وتحدي تجدد المظاهرات والحشود الجماهيرية في الجنوب.

كما أن لدى إسرائيل رغبة في إحداث تغيير داخل سوريا يتواءم مع ما تباشره من تغييرات بالهدم والدم في لبنان، وما سبق أن فعلته ولا تزال في قطاع غزة والضفة الغربية.

جرّبت جماعة الإخوان منذ تأسيسها حيال سوريا سياسة الصدام و(إما نحن وإما النظام) بالتوازي مع قناعة مفادها أنها لا تقوى إلا إذا ضعفت الدولة، وكلما اشتدت الفتن والفوضى وأن حضورها لا يصح إلا أبديا على رأس السلطة، وفي جميع المراحل فشلت وتسببت في كوارث بلا حصر، فماذا لو جرّبت مرة أخيرة وحيدة في تاريخها الخيارات التي لم تجرّبها أبدا، لنجاح مرحلة انتقالية تفصل بين هزيمة مشروعها وفرضية الانتقال إلى مرحلة إعادة تعويمها، بخصوص المشاركة واحترام الدولة ومؤسساتها والتعاون في البناء لا الهدم والقناعة من السلطة بالقليل وبما تقدر هي على إنجازه والنهوض به من دون زهوّ كاذب وادّعاء زائف.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى