هشام النجار: الإخوان يتجهزون لمعركة الحفاظ على حاضنتهم في بريطانيا
عكست ردود أفعال بعض الجهات التابعة لجماعة الإخوان على تعريف الحكومة البريطانية الجديد للتطرف والإعلان عن قائمة بالجماعات المحظورة قريبا، مخاوف حقيقية من أن تكرر بعض دول أوروبا ما فعلته دول في منطقة الشرق الأوسط بالجماعة. وبعد أن فقد الإخوان جاذبيتهم وقوتهم في المنطقة العربية، يخشى قادتهم من فقدان حاضنتهم البديلة داخل بعض الدول الأوروبية، وفي مقدمتها بريطانيا، حيث أنشأت الجماعة شبكة واسعة ومنظمة بصورة محكمة من الجمعيات الخيرية والمساجد والمشاريع الاقتصادية.
وتنذر الإجراءات المرتقبة في بريطانيا ضد العديد من المنظمات التابعة للإخوان في ضوء التعريف الجديد للتطرف بخطوات لتقويض هياكلها ومنابع تمويلها، قد تكون شبيهة بتلك التي تعرضت لها في مصر وبعض الدول العربية، لأن ما تشكله من خطر على المجتمع البريطاني ربما لا يقل خطورة عما شكلته على بعض المجتمعات العربية.
وأربكت التهديدات التي أطلقها وزير المجتمعات البريطانية مايكل غوف باتخاذ إجراءات قانونية ضد منظمات مناصرة للتطرف، وغالبيتها واجهات سياسية للإخوان في بريطانيا، حسابات قيادات الجماعة. وتواجه جماعة الإخوان لأول مرة تهديدا جديا في أوروبا، حال وُضعت أذرعها الرئيسية على قائمة الجماعات المحظورة، ما دفعها إلى الإيحاء بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي وستتعامل مع التطورات بما يضمن مصالحها.
ويتحسب الإخوان الذين يتمتعون منذ سنوات بامتيازات كبيرة في بريطانيا من تقرير حكومي يصدر قبل نهاية شهر مارس الجاري، يحدد التهديدات التي يتعرض لها التماسك الاجتماعي في المملكة المتحدة، وقد يتضمن حظر العديد من المنظمات، ما يقيد فرص قادتها في الحصول على تمويلات مختلفة، ومقابلة المسؤولين وحضور المناسبات الحكومية.
وتستعد منظمات إسلامية، وعلى رأسها المجلس الإسلامي في بريطانيا، لتقديم طلب للحكومة للمراجعة القضائية بشأن تعريفها الجديد للتطرف، حيث بات يشمل كل “ترويج أو تعزيز للأيديولوجيات القائمة على العنف أو الكراهية أو التعصب، الهادفة إلى تدمير الحقوق والحريات الأساسية أو تقويض أو استبدال الديمقراطية البرلمانية الليبرالية في بريطانيا، أو خلق بيئة للآخرين عن عمد لتحقيق تلك النتائج”.
وقد يعمد مجلس مسلمي أوروبا، وهو أهم أذرع الإخوان، إلى بدء مواجهة مضادة مع الحكومة البريطانية بتوظيف برامج لمواجهة الإسلاموفوبيا، واستثمار الحرب في قطاع غزة لتوفير مصادر تمويل بديلة للتنظيم. وتتحالف جماعات ومنظمات قريبة من جماعة الإخوان في بريطانيا، رغم الدوافع التنافسية بينها، وتنسق معا ضد تدابير مكافحة التطرف والإرهاب.
وبات هناك ما يطلق عليه البريطانيون “لوبي عرقلة إستراتيجية مكافحة التطرف” بسبب كثرة التدابير والبرامج التي جرى طرحها في السابق واعتياد الإسلاميين التعاطي معها وتفريغها من مضمونها. وتُؤسَس أنشطة هذا اللوبي على مساعي إقناع مسلمي بريطانيا بأن جهود مكافحة التطرف تشكل تهديدًا لعقيدتهم واعتداءً على مجتمعهم وحقوقهم.
ولا يوجد اختلاف في المنهج الفكري بين إخوان المنطقة العربية وإخوان دول أوروبا، إذ تفهم المنظمات التابعة لإخوان بريطانيا السياسة على أنها لا تنفصل عن الإسلام، والغرض منها فرضه على المجتمع، علاوة على قناعات مشابهة بشأن الموقف من الأقليات والمرأة.
وسعت جماعة الإخوان للهيمنة على دول في الشرق الأوسط عبر الزعم بأنها الممثلة الحقيقية للمسلمين والمعبرة عن الإسلام، وقدمت نفسها في بريطانيا كوسيط رسمي للربط بين المسلمين البريطانيين وتمثيلهم في المحافل العامة ولدى الدوائر الحكومية، والتعويل على الدعم الخارجي.
ولا تعمل جماعة الإخوان في بريطانيا تحت هيكل تنظيمي موحد وثابت، كما الحال في مصر، حيث تتوغل عبر مؤسسات خيرية ومنظمات اجتماعية، وتجد السلطات صعوبة في إثبات انتمائها تنظيميا إلى الإخوان. واستخدمت الجماعة الأم في مصر النظام القائم بما في ذلك الانتخابات والنقابات المهنية والمؤسسات الاقتصادية لتغيير النظام، وحاولت أن تكرر ذلك في بريطانيا زاعمة أنها تشاركية ولا تستخدم العنف لفرض الإسلام.
ومثّل الراحل يوسف القرضاوي مرجعية عبر فتاواه وخطبه لتغيير الأنظمة العربية بعد الثورات لتحل محلها حكومات تهيمن عليها جماعة الإخوان، تتبع منظمات إسلامية في أوروبا، وبريطانيا تحديدًا توجيهاته لاستعادة الهيمنة الإسلامية. ويؤكد القرضاوي في مؤلفاته أن فتح أوروبا على يد المسلمين هذه المرة سوف يكون بالدعوة وليس بالسيف، بعد طرد الإسلام منها مرتين، في إشارة إلى انتكاسة الفتح العربي لإسبانيا والتراجع اللاحق عن الفتح التركي لأجزاء من شرق ووسط أوروبا.
وتوظف جماعة الإخوان في بريطانيا الملف الفلسطيني جيدا، وهو ما تعددت مظاهره في حرب غزة الحالية، لأهداف متعلقة بتعزيز مكانتها العقائدية وتكريس لصق تهمة العنصرية وكراهية الإسلام بمن يستهدفها، علاوة على المسائل المتعلقة بتمويل أذرع جماعة الإخوان حول العالم. وتوجه الأموال التي تجمع لأغراض إنسانية (ظاهريا) لغزة إلى حركة حماس من خلال نشاط مكثف لعدد من الجمعيات الخيرية التابعة لجماعة الإخوان، لكنها تحمل عناوين إغاثية وإنسانية.
ويبدو أن خطة المنظمات التابعة للإخوان في التعامل مع الإجراءات الجديدة لن تختلف عن سابقتها من خلال تكثيف الدعاية ضد تدابير مكافحة التطرف، بوصفها جزءًا لا يتجزأ من كراهية الإسلام، وهي قيمة تكتسب دلالة العنصرية في العديد من الأوساط السياسية.
وتستغل منظمات تابعة لجماعة الإخوان في بريطانيا وعددها يقترب من الستين منظمة الحدود غير الواضحة بين مصطلحات الأصولية والتطرف والتشدد والإرهاب وربطها بالإسلام لتغذية الاستقطاب الاجتماعي وجعل المجموعات المسلمة متحفزة ضد أي إجراء يمس أنشطة الإسلاميين. ونجحت نسبيا منظمات تدور في فلك الإخوان في بريطانيا، مثل الرابطة الإسلامية والمجلس الإسلامي البريطاني سابقا، في التقليل من تأثير برامج مضادة للتطرف مثل برنامج “بريفينت” عبر الزعم بأنها معادية للإسلام وترك انطباع عند المسلمين بأنهم مضطهدون من دولة ومجتمع معاديين.
ويرتكز عمل المنظمات التابعة للإخوان في بريطانيا على ثلاثة محاور رئيسية، هي: استغلال القضية الفلسطينية، وتشويه إستراتيجيات الحكومة البريطانية لمكافحة التطرف بورقة العنصرية والإسلاموفوبيا، والمشاركة السياسية والتأثير في مجالات مهمة للتعليم والإعلام.
وتراهن جماعة الإخوان التي تدير شبكة ضغط واسعة النطاق للنجاة هذه المرة من مقصلة الحظر على تكرار إخفاقات في إجراءات مماثلة سابقا. وتعهد أكثر من رئيس حكومة سابق عقب عمليات عنف وهجمات إرهابية بالعمل على القضاء على التطرف وتفكيك منظماته وتجفيف منابعه ومصادر تمويله، ولم تصل الخطة في كل مرة إلى مرحلة جني الثمار، ويتوقف تنفيذها لأسباب مجهولة في بداية الطريق أو منتصفه.
وتتجاوز الأزمة تعريف المصطلحات، وتتعلق بالتنفيذ في الواقع من عدمه، فقد ترددت مؤسسات وشخصيات في تطبيق القوانين خوفًا من ردود فعل جماعات الضغط والمصالح المنحازة لمنظمات تابعة للإخوان، تتهم كل من يحاول التصدي لممارساتها ومناهجها المتطرفة بالعنصرية وكراهية الإسلام، واستهداف المسلمين من منطلق ما يعتنقونه من تعاليم. ويروج لمزاعم هذه المنظمات في الأوساط المسلمة خطباء مساجد يركزون على مظاهر التحرر الأخلاقي في المجتمع الغربي وليس على قيمه في العدالة والمساواة والحرية، ما عزز انعزال بعض المسلمين.
وبالنظر إلى المدى الذي وصلت إليه خطورة الوضع في بريطانيا منذ هجوم طوفان الأقصى في أكتوبر الماضي، هناك فرضية ترشح عودة الإرهاب بشكل أسوأ في المستقبل، ما يتطلب التصدي بقوة وصرامة للجماعات التابعة للإخوان التي تسعى لتقليص خطط مكافحة الإرهاب. وإذا ثبت أن الإجراءات الحالية لا تختلف كثيرًا في طريقة تنفيذها عن سابقاتها، سيكون ذلك تشجيعا لأذرع جماعة الإخوان في بريطانيا على تحقيق أهدافها، وإضعاف ثقة الجمهور في تدابير مكافحة التطرف.