أقلام وأراء

هاني عوكل يكتب – أميركا والصين .. نسخة ثانية من الحرب الباردة

هاني عوكل – 25/6/2021

شهدت منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات العشر الماضية تحولات استراتيجية لدى السياسة الخارجية الأميركية، تمثلت في نقل الثقل العسكري إلى منطقة شرق آسيا، حيث تصعد الصين السلم الدولي إلى قمته وهي الأولوية التي حرّكت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما للتعامل مع التنين الصيني.

كان يلحظ أن بكين تحقق في كل عام نمواً اقتصادياً بفارق كبير عن الكثير من الدول الرأسمالية والغنية، وحتى حينما تداعى الاقتصاد العالمي بزلزال الأزمة المالية العام 2008، تأثر التنين الصيني مع بدايات الأزمة نتيجة تراجع سوق التصدير الدولي، غير أنه تعافى سريعاً قبل جميع الدول المتقدمة، وواصل تحقيق النمو المطّرد.

قبل ظهور مصطلح العولمة لأول مرة بداية تسعينيات القرن الماضي وبعد نهاية التنافس الأميركي – السوفياتي وانتهاء حقبة الاتحاد السوفياتي، كانت الصين تنيناً صغيراً يمضي في حال سبيله. غير أنها استفادت كثيراً من العولمة بدرجات تفوق الاستفادة الأميركية منها، وشيئاً فشيئاً صعدت إلى الترتيب الثاني لأقوى الدول على مستوى الاقتصاد العالمي بعد أن أزاحت اليابان رسمياً من المركز الثاني العام 2011.

هذا التحول في مرحلة نضوج الصين جعل الولايات المتحدة الأميركية تفكر جدياً بالتعامل مع مسألة هذا الصعود، وما أكثر التحليلات والتقارير والدراسات الأميركية التي تشي بأن التنين الصيني سيتفوق على الولايات المتحدة اقتصادياً عاجلاً أو آجلاً.

في قراءة حجم الإمكانيات التي تمتلكها بكين والإنجازات التنموية التي حققتها في السنوات العشرين الأخيرة، من غير المستبعد أن تتفوق على واشنطن وتزيحها تماماً من قمة السلم الدولي، إذ هناك عوامل كثيرة تساعدها على ذلك أولها التعداد السكاني الذي يصنفها أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان بحوالى مليار و400 مليون نسمة.

من حيث المساحة أيضاً تحل في المرتبة الرابعة بعد روسيا وكندا والولايات المتحدة، حيث تتجاوز مساحتها 9.5 مليون كيلومتر مربع، وتمتلك حضارة عريقة تمتد إلى آلاف السنين، وكذلك هي عضو دائم في مجلس الأمن الدولي.

أيضاً تمتلك الصين ترسانة نووية وأسلحة متطورة واستراتيجية، وجيشها من حيث العدد هو الأكبر عالمياً، وهي الثانية من حيث حجم الإنفاق العسكري بعد الولايات المتحدة، بميزانية تقدر بحوالى ربع تريليون دولار، علماً أنها لم تنقطع يوماً ومنذ ما يزيد على 25 عاماً عن زيادة الإنفاق العسكري سنوياً.

كل هذه العوامل تعزز القناعة بأن التنين الصيني صاعد لا محالة، وفي الحقيقة هذا الصعود مدفوع بإمكانيات رهيبة وانتشار ما تسمى “العولمة الصينية” أو غزو السلع والمنتجات الصينية، ولذلك ثمة تخوفات أميركية من هذا الصعود الذي يؤثر على مكانة واشنطن ودورها الاحتكاري في تسيّد العالم.

الرئيس الأميركي بايدن يميل كثيراً إلى سياسة سلفه أوباما لجهة تحديد الأولويات الاستراتيجية ونقل الاهتمام والثقل العسكري إلى بحر الصين الجنوبي، حيث يعتبر محطة مهمة من محطات التنافس العالمي مع الصين، وهذا يعني مواصلة الانسحاب العسكري الأميركي من منطقة الشرق الأوسط.

سبق لأوباما أن ترجم موقفه هذا بإعلان انسحاب قوات بلاده من العراق وكذلك خفض عديد قواته تدريجياً من أفغانستان، ومن بعده جاء دونالد ترامب وأعلن كذلك عن جدول زمني لانسحاب القوات العسكرية من سورية، وتخفيض باقي القوات في العراق وأفغانستان.

بايدن بطبيعة الحال يستكمل سيناريو تخفيض القوات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، إذ أعلن سابقاً عن نهاية الوجود العسكري في أفغانستان، وأوعز وزير دفاعه لويد أوستن للقيادة المركزية الأميركية بتخفيض القوات في العراق وسحب أنظمة صواريخ دفاعية جوية في دول تشمل الأردن والكويت.

هذا السلوك لتقليص الوجود العسكري في الشرق الأوسط يُفسّر بما لا يدعو للشك أن واشنطن معنية أكثر بتحجيم الصعود الصيني، وأنها تنظر بجدية في هذا الموضوع وتبحث الآن في زيادة الإنفاق على الأبحاث العلمية وتوسيع وتنويع الصادرات الأميركية، وكذلك سحب وتفكيك المصانع في الصين لضمان توسيع هامش التنافس بفارق كبير بين البلدين.

قد تنجح الولايات المتحدة في الاحتفاظ بمكانتها الدولية في السنوات القليلة المقبلة، غير أنها ستواجه تنافساً صعباً مع الصين وإذا تمكنت هذه الأخيرة من تجاوز أي مشكلات اقتصادية ومواصلة تحقيق النمو بالشكل السابق والحالي، فعلى الأغلب أنها ستزيح واشنطن من سلم النظام الدولي.

ما يجري الآن هو حرب باردة بين البلدين تعيد إلى الوراء أجواء حقبة الثنائية القطبية التي انتهت بتفكك الاتحاد السوفيتي وتحول النظام الدولي إلى القطبية الواحدة، والحاصل الآن أن العالم يعيش هذه الأجواء ويشهد تغيرات دراماتيكية قد تضع حداً للقطبية الواحدة أمام عالم متعدد الأقطاب.

من الصعب جداً أن يتجه العالم إلى صدام عسكري بين هاتين القوتين الصين والولايات المتحدة، لأن النتيجة كارثية بامتياز، لكن قد نشهد حروباً بالوكالة تتغذى عليهما، أو ثمة سيناريو آخر يتصل بمسألة “الترويض”، بمعنى أن يكون أحد البلدين تابعاً للآخر أو منافساً إلى جانب قوى دولية أخرى على تقسيم “كعكة” العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى