أقلام وأراء

هاني حبيب يكتب – المحكمة الجنائية الدوليّة وثمن الحماية

بقلم هاني حبيب ١٠-٣-٢٠٢١م

سيُحارب نتنياهو المحكمة الجنائية الدولية في كل مكان، هذا ما قاله مستنكراً غاضباً إثر قرار المحكمة بفتح تحقيق مع مجرمي الحرب الإسرائيليين، بعد إقرارها بالاختصاص القضائي في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس، وقطاع غزة. جملة من التصريحات الهائجة والمائجة من قبل قيادات الاحتلال السياسية والأمنية انطوت على تحدٍ للعدالة الدولية من خلال التهجم الوقح على المحكمة ومدعيتها العامة، إلا أنّ ذلك من وجهة نظر بعض المحللين الإسرائيليين ليس الطريق المناسب لمواجهة قرار المحكمة حول التحقيقات، ذلك أنّ هذا القصف المدفعي الإسرائيلي حسب وصف بعض المحللين لردود الفعل يدعو إلى الرثاء كونه يكتفي بالإعلان عن المرارة والغضب وإلقاء اللوم على العالم، وتذكير الرأي العام أنّ الجيش الإسرائيلي هو الأكثر أخلاقية بين جيوش العالم، وأنّ القضاء الإسرائيلي يتميّز بالعدل والإنصاف، ومن وجهة نظر هؤلاء إنّ ذلك لا يكفي لمواجهة قرار المحكمة حتى لو تم وصفها باللاسامية وأنّ قراراتها تصدر لأسباب سياسية وليست قانونية، كل ذلك لن يترك أثراً على نتائج التحقيقات المرتقبة.
وعلى ذكر تسييس المحكمة، كما ترى القيادات الإسرائيلية فقد ذهب البعض منهم إلى قراءة تزامن إصدار قرار فتح التحقيقات الجنائية من قبل المحكمة مع وصول إدارة بايدن إلى البيت الأبيض، من وجهة نظر هؤلاء أنّ المحكمة لن تتجرأ في عهد إدارة ترامب التي أقدمت على إقرار عقوبات المحكمة ومدعيتها العامة على اتخاذ القرارات الأخيرة سواء بالولاية أو بإجراء التحقيقات، إلا أنّ المحكمة تجرأت بعد فترة قصيرة من تسلّم إدارة بايدن مفاتيح البيت الأبيض إلى إصدار هذا القرار، هذا التزامن من وجهة نظر هؤلاء يشير إلى أنّ قرار المحكمة سياسي بامتياز، وهذا الرأي يوفر لدولة الاحتلال شن مجابهة مع المحكمة على أسس سياسية لعجزها عن أن تكون هناك مواجهة قانونية، وهنا يجب الإشارة بشكلٍ دائم والتأكيد على أنّ القرار سياسي خاصة أن لإسرائيل حلفاء وأصدقاء مهمين هم أعضاء في ميثاق روما وعلى الدولة العبرية إقناعهم بهذا الرأي حتى تتلقى دعمهم وإشاعة جو من الادعاء بتسييس المحكمة، إلا أنّ الأهم في هذا السياق ومن وجهة نظر هؤلاء الدور المناط بالولايات المتحدة، صحيح أنها ليست عضواً في ميثاق روما وليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن تأثيرها الدولي حاسم، وصحيح أنّ واشنطن استنكرت قرار المحكمة وأكدت دعمها لإسرائيل في الحرب عليها إلا أن ذلك قد يتطلب من إدارة نتنياهو ثمناً يجب دفعه لواشنطن ثمن حمايتها لإسرائيل في هذه المجابهة.
ستطلب واشنطن من إسرائيل ثمناً يمكن لها أن تدفعه مقابل هذه الحماية، خاصة في سياق التعاون أو على الأقل عدم الوقوف أمام التوجه الأميركي للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، وعدم دفع إدارة نتنياهو لوكلائها في الكونغرس للوقوف في وجه الإدارة على هذا الملف، كذلك ستطلب واشنطن تخلي إسرائيل عن بعض الاتفاقات ذات الحساسية العالية مع الصين في المجالات التقنية الرفيعة، والتي تعتبرها واشنطن تهديداً للأمن القومي الأميركي خاصة بعد ما نشرته وسائل الإعلام الأميركية والإسرائيلية من أنّ هناك أعداداً متزايدة من الخبراء الأمنيين الإسرائيليين يعملون لدى شركات صينية مملوكة للدولة في المجالات التقنية والتكنولوجية الحديثة. معظم هؤلاء كانوا على اطلاع على مجالات التعاون الأمني والتقني بين إسرائيل والولايات المتحدة وهذا الملف سيفتح مجدداً إذا أرادت إسرائيل توفير حماية حقيقية من قبل واشنطن في حربها على المحكمة الجنائية الدولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى