أقلام وأراء

هاني حبيب يكتب – “الجنائية الدولية”.. هل يفلت الاحتلال من العقاب؟!

بقلم هاني حبيب ٧-٣-٢٠٢١م

فور الإعلان عن تشكيل محكمة الجنايات الدولية في لاهاي العام 2002، قررت كل من إسرائيل والولايات المتحدة عدم الانضمام إليها، ذلك أن مبادئ «ميثاق روما» التي أقيمت المحكمة على أساسه من شأنها أن تجر ضباطاً وأفراداً وساسة إسرائيليين وأميركيين إليها، الدولة العبرية رأت أنّ هذه المبادئ وكأنها قد صيغت لكي تشير بأصابع الاتهام إلى الجرائم التي ارتكبتها ولا تزال ترتكبها ضد الشعب الفلسطيني، وكأنما كانت إسرائيل هدفاً محدداً ومتعمداً من أهداف مبادئ ميثاق روما، هكذا فكّرت القيادات الإسرائيلية مع أنّ الأمر على خلاف ذلك، إذ إنّ هذه المبادئ تهدف إلى عدم إفلات كبار مجرمي الحروب في كل مكان في العالم من العقاب، لكن إسرائيل التي تعرف ما تصنع يداها من جرائم شعرت وكأنها المقصودة من تشكيل هذه المحكمة في الوقت الذي شعر حليفها الأميركي أنّ يد العدالة الدولية من خلال هذه المحكمة قد تطالها بعد سلسلة جرائمها في أفغانستان والعراق وأماكن أخرى في العالم.
خلافاً للموقف الإسرائيلي، وقبل قرابة ثلاثة أسابيع، صادق قضاة المحكمة على نتائج الفحص الأولي من أنّ هناك أساساً للتحقيق في جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل وأنّ صلاحية المحكمة القضائية تمتد إلى الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس وقطاع غزة، وقبل أيام، أعلنت المدعية العامة للمحكمة رسمياً عن فتح تحقيق بجرائم حرب جرت من قبل دولة الاحتلال منذ 13 حزيران 2014، ووفقاً لنظام المحكمة من المتوقع أن ترسل «بنسودا» رسائل رسمية لإسرائيل والسلطة الفلسطينية بهذا الشأن حيث سيتم بدء التحقيق الفعلي بعد ثلاثين يوماً من تسلّم هذه الرسائل ومن المتوقع ألا ترد إسرائيل على هذه الرسائل، ما يعني أنّ المحكمة ستباشر تحقيقاتها بصرف النظر عن المعارضة الإسرائيلية.
وإذا كانت المحكمة لا تحاكم الدول وتختص بإخضاع مجرمي الحرب للعدالة الدولية، فإن إسرائيل تعتبر هذه المحاكمة إنما محاكمة لآخر احتلال كولونيالي عنصري ما زال قائماً باسم دولة إسرائيل، وهذا الاعتبار صحيح تماماً ذلك أنّ الدولة العبرية بحد ذاتها هي دولة إجرام منذ أن قامت باحتلال الأرض الفلسطينية وتشريد الشعب الفلسطيني، ارتكبت سلسلة المجازر منذ قيامها العام 1948، وبينما تسعى ألا تخضع قتلتها من ضباط وجنود وساسة لهذه المحاكمات فإنها تحاول أن تتملص من يد العدالة الدولية وتراهن على قدرتها من خلال تجربة طويلة من الإفلات من العقاب، وذلك بإسناد ومساعدة وثيقة من قبل الحليف الاستراتيجي الدائم الولايات المتحدة الأميركية.
هذه المرة أيضاً، تراهن إسرائيل على موقف أميركي قوي لإسنادها في الحرب على المحكمة الدولية، وفي أوّل مكالمة هاتفية بين نتنياهو ونائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس والتي جاءت بعد يوم واحد من إعلان المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية بدء التحقيق في الجرائم التي ارتكبها ضباط وجنود وساسة الاحتلال الإسرائيلي، اتفق الجانبان من خلال هذه المكالمة على معارضة حكومتيهما «محاولة الجنائية الدولية ممارسة الولاية القضائية على جنود إسرائيليين» حسب ما تداولته وسائل الإعلام الأميركية والإسرائيلية.  
إلاّ أن هذه المرة، رغم توافق الطرفين والإسرائيلي والأميركي على الوقوف في وجه العدالة الدولية مجدداً من خلال شن حرب واسعة على المحكمة، فإن إسرائيل ستدفع ثمن الدعم الأميركي لها وذلك من خلال صفقات ذات أبعاد سياسية وخاصة على الملف الإيراني، وربما نعود إلى هذا الملف من هذه الزاوية في مرة قادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى