أقلام وأراء

هاني المصري يكتب – ترامب وبايدن .. وجهان لعملة واحدة، ولكن

هاني المصري – 3/11/2020

اليوم، تجري الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي يترقب نتائجها الأميركيون أولًا، والعالم كله ثانيًا، كونها تجري في ظل انقسام واستقطاب أميركي حادّ، جرّاء الشخصية الغرائبية اليمينية المتطرفة جدًا التي يمثلها دونالد ترامب.

يكفي أن السيناريوهات المحتملة لنتائج الانتخابات لا تقتصر كالعادة على فوز الرئيس الجمهوري أو المرشح الديمقراطي الذي ينافسه، بل هناك سيناريو ثالث، وهو دخول الولايات المتحدة في أزمة إذا نجح بايدن، لأن ترامب لم يتعهد بتسليمه السلطة، بل حذّر مسبقًا من التزوير إذا لم ينجح، وهذا سيجعله سيلجأ، خصوصًا إذا جاءت النتائج متقاربة، إما إلى محكمة العدل العليا لحسم الرئيس الفائز، أو إلى الفوضى والعنف، بدليل زيادة حمى شراء السلاح، حيث بلغ حجم مبيعات الأسلحة 1.8 مليون قطعة خلال أيلول الماضي بزيادة 66% عن نفس الشهر خلال العام الماضي.

ما سبق، وكل ما قام به ترامب من اضطراب داخلي وخارجي أثناء ولايته الأولى، والخشية من الاستمرار فيه إذا فاز بولاية ثانية؛ يجعل هذه الانتخابات أهم من سابقاتها، ومختلفة عنها، ويعد سقوط ترامب فيها خدمة للأميركيين والعالم كله. وتزداد أهميتها كونها تعقد في ظل تفاقم مأزق أميركا وتراجع دورها العالمي، وتقدم الصين المتزايد، ومنافستها للولايات المتحدة، ما يجعل أي رئيس قادم غير قادر – حتى إذا أراد – تجاوز المأزق إذا لم يملك مقاربة مختلفة جوهريًا عن المقاربات المعتمدة من الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين.

مثلما ينقسم الأميركيون بين المرشحين ينقسم العالم كذلك كل وفقًا لمصلحته، بين من يفضّل التجديد لترامب، وهذا المعسكر يضم روسيا وإسرائيل والسعودية والإمارات ومصر وغيرها من الدول، وبين من يفضّل بايدن، وهذا المعسكر يضم الصين وأوروبا وإيران وغيرها، وبين من يقف محتارًا، لأنه لا يدرك أيًا من المرشحَيْن سيحقق مصالحه، أو يمثل ضررًا أكبر له.

وإذا نظرنا إلى معسكر كل من المرشحَيْن، فسنجد أن اليهود يفضّلون بايدن بنسبة 70%، والمسلمين بنسبة 60%، والعرب بنسبة 59%، في حين يفضل 78% من الإنجيليين، خصوصًا المتطرفين، ترامب.

ووفقًا لمركز “بيو ريسيرش” (Pew Research Center)، فإن 66.7% من المصوتين المحتملين سيكونون من البيض، والباقي من الأقليات والملونين، وهي أعلى من النسب السابقة، وأظهر الاستطلاع أن تصويت البيض سيكون (51% لترامب، و44% لبايدن)، والسود (8% لترامب، و89% لبايدن)، والأصول اللاتينية (29% لترامب، و63% لبايدن)، والأصول الآسيوية (22% لترامب، و75% لبايدن)، والنساء (39% لترامب، و55% لبايدن)، ومن سن 18-29 (29% لترامب، و59% لبايدن)، ومن سن 30-49 (38% لترامب، و55% لبايدن)، ومن سن 50-64 (47% لترامب، 49% لبايدن)، وفوق سن 65 (49% لترامب، 49% لبايدن). أما بخصوص التحصيل العلمي، فسيكون تصويت أصحاب الشهادات العليا (28% لترامب، و68% لبايدن)، وأصحاب الشهادات الجامعية (37% لترامب، و57% لبايدن)، والثانوية أو أقل (49% لترامب، و45% لبايدن).

ما يهمنا نحن الفلسطينيين أن نحدد من الأفضل للقضية الفلسطينية، أو الأصح: من الأقل سوءًا ترامب أم بايدن؟ فالاثنان مؤيدان بشدة لإسرائيل، ويدعمان تفوقها العسكري، ويعرفانها كدولة يهودية، ويتفقان على اللاءات الإسرائيلية (لا لتقسيم القدس، لا للعودة إلى حدود 67، لا لعودة اللاجئين).

ورغم أنهما وجهان لعملة واحدة، إلا أنّ هناك خلافات بينهما يجب أن نراها ونتعامل على أساسها، فترامب لا يكتفي بتأييد إسرائيل، بل يؤيد لأسباب عقائدية ودينية وسياسية اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يعمل على إقامة “إسرائيل الكبرى”، وطرح رؤيته التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية.

في المقابل، رغم أن بايدن مؤيد كبير لإسرائيل إلا أنه يعارض خطة ترامب، والضم القانوني، ويدعو إلى استئناف المفاوضات، والعودة إلى إدارة الصراع، وليس إلى حله، أي العودة إلى مسار السلام القديم، بما في ذلك التنسيق الأمني وبقية الالتزامات مع إسرائيل، ولكنه قد لا يتمكن من ذلك بسهولة بسبب العقبة الإسرائيلية، وانشغاله بقضايا ملحة أخرى، إضافة إلى تعهده بإعادة فتح مكتب المنظمة، واستئناف العلاقات مع السلطة، والمساعدات للفلسطينيين، وإعادة القنصلية الأميركية إلى ما كانت عليه، ولكن من دون إعادة السفارة إلى تل ابيب، إلى جانب موقفه المؤيد لإقامة دولة فلسطينية عبر المفاوضات بين الجانبين على مساحة أكبر مما هو وارد في رؤية ترامب، وأقل من حدود 67.

أما بخصوص المصالحة الفلسطينية، فسيؤيد بايدن دمج حركة حماس في السلطة والمنظمة، مع تشديده على قبولها بشروط الرباعية، أو تليين موقفها، وهذا يعني أنه سيضغط على السلطة لوضع شروط أصعب لتمضي في الانتخابات والمصالحة، وهذا قد يعقّد المساعي الحالية للمصالحة وإجراء الانتخابات، التي ستُجرى ضمن عملية سياسية إذا وافقت إسرائيل عليها، وهذا أمر مشكوك فيه إذا لم تتغير الحكومة الإسرائيلية إلى حكومة أقل تطرفًا، وهذا أمر غير متوقع، أو إذا كانت الانتخابات لتكريس الانقسام.

وهناك غموض حول ما إذا سيعود بايدن إلى سياسة باراك أوباما بخصوص دعم موجة ثانية من “الربيع العربي”، ودمج الإسلام السياسي بالأنظمة القائمة، فالظروف تغيرت. فتركيا العلمانية التي كانت إدارة أوباما تصورها على أنها نموذجًا لما تسميه “الإسلام المعتدل” تغيرت خلال السنوات الأخيرة، لدرجة أن بايدن تعهد باتباع سياسة أشد منها. أما الإخوان المسلمون الذين شهدوا مرحلة نهوض ومن ثم هبوط حاد، فمن غير المؤكد أن يعود بايدن في حال فوزه إلى سياسة إدماجهم، ولكن من المؤكد أنه سيستخدم الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان كأداة لخدمة سياسته الخارجية. كما أنه سيعيد الاتفاق مع إيران، وإن بشكل جديد، وهذا ستكون له ارتدادات كبيرة على المنطقة.

ما سبق يوضح أن هناك فروقًا بين الاثنين، ولكن لا تسمح بالمراهنة عليهما، فالرهان الفلسطيني والعربي على الخارج وليس على الذات خطأ فادح في كل الأحوال، وخصوصًا إذا فاز بايدن وكان مقيدًا بكونغرس أغلبيته جمهوريين، ما سيحيد ضغوط التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي. كما أنه سيواجه بحكومة إسرائيلية متطرفة بزعامة نتنياهو أو زعيم يميني آخر ممكن أن يكون أكثر تطرفًا، ولن يكون بوارد الضغط الجدي عليها، ما سيدفعه إلى الانصراف عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية نحو قضايا داخلية وخارجية ذات أولوية، مع إبقاء وهم “حل الدولتين”.

وهناك من يقول من الفلسطينيين والعرب الثوريين فلينجح ترامب، لأنه يمثل الوجه الحقيقي والبشع لأميركا، فهو أوضح في تعنته وعدائه وعنصريته، ويمنع تجدد الأوهام عند القيادة الفلسطينية بالمفاوضات والتسوية، أو لأنه لم يبق شيئًا يعمله ضد الفلسطينيين، أو لأنه سيقود أميركا بسياسته الهوجاء والحمقاء والمتطرفة إلى الدمار والحرب الأهلية، وتقسيمها إلى دول عدة، وهذا سيكون عملًا يخدم البشرية جمعاء.

وردًا على ذلك نقول إن ترامب إذا فاز سيستكمل سياسته، وسيمضي في تطبيق رؤيته الرامية إلى تصفية القضية، وربما يصل إلى تبني خطط، مثل “الوطن البديل”، وخطة “الإمارات السبع” الإسرائيلية التي تقوم على فك وإعادة السلطة لكي تصبح سلطات (إمارات) عدة. وهذا الأمر سيجعل السلطة في وضع أصعب بكثير، وستكون مطالبة إما بالنزول عن الشجرة والاستعداد لإعادة العلاقات الأميركية، والتعاطي مع رؤية ترامب، وهذا بمنزلة انتحار سياسي، أو البناء على موقفها الحالي، وتسريع خطوات الوحدة، وهذا يفتح طريق مواجهة شرسة مع الاحتلال، وستكون أمام مؤامرة لاستبدال القيادة الفلسطينية بقيادة مطواعة، وإعادة بناء السلطة بما يتناسب مع رؤية ترامب. وفي هذه الحالة ستكون الانتخابات معركة مع الاحتلال وليس جزءًا من الاتفاق معه.

كما قد يشجع ترامب إسرائيل على تهجير الفلسطينيين إلى سيناء والأردن والسودان وغيرها من الدول حتى تستكمل الحركة الصهيونية تحقيق هدفها في إقامة دولة يهودية نقية بأقلية فلسطينية مفككة، وهذا يمنع استمرار وجود حوالي 7 مليون فلسطيني على أرض وطنهم، والعدد مرشح للتزايد، بما يهدد إسرائيل اليهودية. كما سيدفع ترامب التطبيع إلى منتهاه، ويمضي في العقوبات والعداء ضد إيران، وقد يصل إلى شن حرب ضدها.

ما سبق ليس دعوة للرهان على بايدن، وإنما لرؤية الفوارق مهما كانت صغيرة، لأن السياسة تأخذ في حسابها حتى الهوامش والفروقات مهما كانت صغيرة. فالفوارق لا تبرر الرهان ولا الاستقواء ببايدن الذي تؤدي سياسته إلى تصفية القضية الفلسطينية بالتدريج، وبالمفرق وخطوة خطوة، ويسعى لكي يتم ذلك، وإلى التطبيع بغطاء فلسطيني وعربي ودولي، وعبر عملية تسمى “عملية سلام”، وهي عملية ستكون من دون سلام مثل سابقتها.

بالنسبة إلى السلطة، يمثل فوز بادين خشبة خلاص ستعيد مبرر بقائها، وهذا يناسب سياسة الانتظار والبقاء التي تعتمدها.

الخلاصة مما تقدم، من الخطورة الرهان على بايدن، على أهمية الاستفادة من فوزه، لأنه يعطي إكسير الحياة للسلطة لأعوام أخرى، وهذا سيجد ترحيبًا من قسم مهم من الفلسطينيين، في وقت نحن بحاجة إلى تغيير السلطة في إطار تغيير المقاربة المعتمدة منذ اتفاق أوسلو وحتى الآن، وهذا صعب، لكنه ليس مستحيلًا كما يقول بعض المثقفين الفلسطينيين الذين يضعونا أمام ثنائية حادة، إما حل السلطة أو بقاؤها كما هي.

ولا بد من الرهان على الذات أولًا وثانيًا وعاشرًا حتى نستطيع أن نمنع المخاطر المرشحة للتزايد بشدة إذا فاز ترامب، ونحوّل المخاطر والتحديات إلى فرص إذا فاز بايدن، وهذا يحتاج لأن يكون العامل الفلسطيني موحدًا وفاعلًا على أساس رؤية شاملة وإستراتيجية جديدة متعددة الأبعاد والمجالات، وأشكال العمل والنضال.

في هذه الحالة، فإن إنجاز الوحدة والفعالية والمبادرة والمثابرة بعيدًا عن الانتظارية القاتلة مسار ممكن، نظرًا لوجود مخاطر مشتركة ومتزايدة ضد الفلسطينيين. وهذا يتطلب الاعتماد على الذات بما يدفع الوضع الفلسطيني نحو استعادة زخم القضية الفلسطينية، من خلال إستراتيجية تعمل على إعادة الاعتبار للمشروع الوطني، والكيان الوطني الجامع (المنظمة)، وتصاعد المقاومة والمقاطعة نحو اندلاع انتفاضة ثالثة أكثر عمقًا واتساعًا وتنظيمًا وواقعية وقدرة على تحقيق أهدافها، من دون خضوع أو مغامرة، بحيث ستُفرض فلسطين على أي من يكن في البيت الأبيض، فإذا كان بايدن فسيتم خلق الظروف والدوافع التي تحركه نحو الأفضل، وإذا كان ترامب سيجد سدًا منيعًا قادرًا على إحباط مخططاته ورؤيته ودفعها إلى الموت فعلًا بدلًا من الحديث عن موتها، رغم أنها ما زالت حية ويجري استكمال تطبيقها، سواء عبر الضم الزاحف والفعلي أو عبر الضم القانوني.

وعلينا ونحن نتابع الانتخابات الأميركية أن نضع في حساباتنا أن خسارة ترامب في انتخابات اليوم لا تخرجه من البيت الأبيض فورًا، فهو سيبقى رئيسًا حتى العشرين من كانون الثاني 2021، وهي فترة كافية يمكن أن يشجّع فيها نتنياهو على ضم أكثر من 30% من الضفة أو أقسام منها، وتطبيع مزيد من الدول العربية مع إسرائيل، وهذا سيضع السلطة أمام اختبار فقدان ما تبقى من مبررات البقاء. كما سيضع بايدن أمام اختبار حقيقي، فهل هو مستعد لممارسة الضغوط الجدية على إسرائيل، أم سيكتفي بالشجب والإدانة، وإبقاء وهم الحل الآني ليعطي شرعية لبقاء السلطة كما هي، كما كان يفعل سلفه أوباما عندما كانت حكومة نتنياهو تدير الظهر له وتمضي في تطبيق مخططات توسيع الاستعمار الاستيطاني، وخلق الحقائق الاحتلالية الجديدة على الأرض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى