هارتس: سياسة “الركائز” تعود، بدون اسرائيل

هآرتس – العاد جلعادي – 22/4/2025 سياسة “الركائز” تعود، بدون اسرائيل
في يوم السبت الماضي زار وزير الطاقة الأمريكي، كريس رايت، الرياض واعلن عن “طريق مشتركة” لاتفاق نووي مدني مع السعودية. هذه الاقوال قيلت بصورة هامشية، ولكن معناها الاستراتيجي دراماتيكي. واشنطن، كما يبدو تعود الى فترة “سياسة الركائز” لريتشارد نيكسون. ولكن في هذه المرة، ايران والسعودية تستبدلان الأدوار، وإسرائيل بقيت وحدها.
في السبعينيات نيكسون ووزير الخارجية في حينه هنري كيسنجر قاما ببلورة مباديء ما سمي “سياسة الركيزتين”: حلف امريكي مع ايران في عهد الشاه، ومع السعودية في عهد عائلة آل سعود، الذي سيشكل الركيزتين للمصالح الامريكية في الخليج الفارسي. الخطة استهدفت ضمان استقرار إقليمي، وفرة في النفط ومساعدة متبادلة ضد النفوذ السوفييتي. الامريكيون كانوا – الذين خرجوا للتو من الحرب في فيتنام – يبحثون عن شركاء يتحملون عبء المنطقة حتى في ظل وجود أنظمة مستبدة.
الآن، في العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين يعود نفس المنطق، ولكن بدلا من النضال ضد النفوذ السوفييتي فان الولايات المتحدة تواجه الآن الصين، ازمة المناخ، وحروب منهكة التي أبقت الجمهور الأمريكي نافد الصبر. المقاربة القديمة – الجديدة لواشنطن هي مقاربة براغماتية. اذا لم تكن تستطيع تجريد الشرق الأوسط من النووي فعلى الأقل يجب عليك التأكد من أن كل لاعب سيحصل على صفقته بشروطك.
اعلان رايت عن اتفاق 123 يتطرق الى قانون الطاقة النووية الأمريكي من العام 1954. من اجل ان تستطيع أمريكا نقل تكنولوجيا نووية مدنية الى دولة أخرى يجب عليها التأكد من انه توجد آلية ناجحة لمنع الانتشار: حظر تخصيب اليورانيوم، استيراد وقود جاهز وليس انتاج ذاتي ورقابة دولية متشددة. ولكن هذا النظام، كما يعرفون في واشنطن، مليء بالثغرات. السعودية سبق وبدأت في تطوير برنامج تخصيب، وحسب التقارير هي فعلت ذلك بالهام من ايران، وربما حتى بتكنولوجيا تشبه التي حصلت عليها ايران من الباكستان.
من هنا يأتي الخوف: هل الاتفاق المستقبلي مع الرياض هو بمثابة كبح للانتشار أو أنه آلية غير مباشرة للشرعنة؟ هل السعودية مثلما في حالة اتحاد الامارات يمكنها الادعاء في المستقبل بأنه اذا حصلت أي دولة جارة (ايران مثلا) على الحق في التخصيب، يحق لها ذلك؟.
في خلفية كل ذلك اتفاق التطبيع مع إسرائيل. السعودية وضعت شروط ثقيلة للدفع قدما بعلاقات رسمية مع إسرائيل، من بينها اتفاق دفاع امريكي، قدرة على الوصول الى السلاح المتقدم وكذلك تعاون نووي. الحرب في غزة جمدت المبادرة. السعوديون لا يمكنهم، سياسيا، الظهور كمن يقيمون علاقات مع إسرائيل في الوقت الذي تتعرض فيه غزة للقصف. بناء على ذلك، الولايات المتحدة تواصل تطوير العلاقات مع الرياض في آفاق اقل علنية، مثل الطاقة والذرة.
يجب إضافة الى ذلك حقيقة أنه في نفس نهاية الأسبوع بالضبط مبعوثون امريكيون وايرانيون التقوا من اجل مواصلة المحادثات النووية. توقيت الإعلان في الرياض هو رسالة مزدوجة للايرانيين: في الواقع المفاوضات مستمرة ولكن اذا واصلتم التخصيب أيضا عدوتكم ستستطيع فعل ذلك. ومثلما أن محمد بن سلمان قال في 2008: “اذا حصلت ايران على القنبلة أيضا نحن سنفعل ذلك على الفور”. للمفارقة، ربما أن المقارنة بالذات مع ايران تعطي السعودية شرعية في الساحة الدولية، حيث أن الولايات المتحدة تعرض الرياض خلافا لإيران كشريكة مسؤولة ومستعدة للرقابة الدولية.
هكذا، في الوقت الذي يواصلون فيه في إسرائيل التهديد بحرب مع ايران، فانهم في واشنطن يفضلون الحوار مع طهران وحوار عميق مع الرياض. المساعدات العسكرية تستمر في التدفق، لكن الدعم السياسي، لا سيما فيما يتعلق بهجوم على المنشآت النووية في ايران، آخذ في التبدد.
في الخلفية أيضا توجد توترات في العلاقات بين إسرائيل وامريكا بسبب سياسة الحكومة الحالية والحرب المستمرة في غزة. الامريكيون يبنون جسر نووي مع السعودية، ويتحركون بين الحوار والمنع مع ايران، ويركزون على اهداف جيوسياسية أوسع بكثير من القضية الإسرائيلية – الفلسطينية، إسرائيل يمكن أن تكتشف أنها لم تعد لاعبة رئيسية، بل على الأكثر ورقة هامشية.
السعودية تدفع بمصالحها بصمت وبصورة منهجية. فهي لا تسارع الى الاعتراف بإسرائيل، لكنها أيضا لا تخضع لضغط ايران. المملكة تدرك أن النووي ليس فقط سلاح محتمل، بل هو ورقة مساومة، رمز للمكانة وجزء هام في الصفقة الضخمة مع واشنطن. بالنسبة للسعودية فان التعاون النووي ليس هدف بل هو وسيلة.
التاريخ، كما يبدو، يكرر نفسه. أيضا في هذه المرة واشنطن تبني استقرارها الإقليمي على التحالف مع أنظمة استبدادية. وفي هذه المرة أيضا يوجد تجاهل لتداعيات أخلاقية. وفي هذه المرة إسرائيل أيضا تكتشف أن “الصداقة الحقيقية” ليست دائما ترجمة لمساعدة تلقائية. الصيغة الجديدة لـ “الركيزتين” ستشمل كما يبدو نفط أقل، نووي أكثر، وجبة معقولة من التهكم. أيضا هذا كما يبدو هو جزء من المعادلة الامريكية الجديدة في الشرق الأوسط.