ترجمات عبرية

هارتس : “دولة إبراهيم” من النهر إلى­ البحر.. وصفة دموية

هارتس بقلم ايال فنتر : 30-12-2023
بعد 15 – 20 سنة، وبعد التوقيع على اتفاق تاريخي برعاية الجامعة العربية والولايات المتحدة واوروبا وروسيا والصين – الاتفاق الذي ستضطر الحكومة الاسرائيلية الى المصادقة عليه في الوقت الذي ستقف فيه على طول حدودها جيوش كل من ايران والعراق ومصر وسورية ولبنان، التي جاءت لمساعدة منظمة «شهداء مكة» في الضفة والقطاع – ستكون بضعة اشهر تهدئة قصيرة في الأراضي المقدسة.
إسرائيل ستوافق على الاتفاق الرهيب الذي سيلغي مكانتها كدولة مستقلة بعد اعلان الولايات المتحدة عن الحياد والجيش الاسرائيلي سيوضح بأنه في هذه الحرب لا توجد أي امكانية للانتصار. الاتفاق، الذي ربما سيكون بعنوان «دولة ابراهيم من النهر الى البحر»، سيؤدي الى تهدئة قصيرة لأنه على الفور بعده سيتم التوضيح بأن هذه الدولة الحرة لا تختلف كثيرا عن دول تجريبية اخرى مثل يوغسلافيا أو ارمينيا أو لبنان أو السودان، التي حاولوا فيها تجميع في دولة واحدة مجموعات سكانية متعادية من ناحية عرقية ودينية.
رغم ذلك، ربما تكون هذه دولة مختلفة بسبب الكراهية غير العادية بين المجموعتين السكانيتين اللتين ستشكلان دولة ابراهيم. هذه ستكون دولة دموية، القتل فيها في الطرفين سيكون يومياً وكثيفاً. هذه ستكون دولة مع ناتج محلي خام أقل مما في نيجيريا، المواطنون فيها، اليهود والعرب، سيضطرون الى السفر من اجل تلقي العلاج الكيميائي في مستشفى في العريش كي يحصلوا على بضعة اشهر اخرى من الحياة. هذه ستكون دولة سيتعلم فيها معلمو المدارس الثانوية، وفي المدارس الثانوية سيعلمون فقط الدفاع عن النفس والقرآن والتوراة. هكذا ستظهر دولة ابراهيم، ليس لأن مواطنيها اليهود والعرب لا توجد لديهم الكفاءات، بل لأن جميع قدراتهم وكفاءاتهم سيتم استثمارها في العداء والكراهية، وبسبب عدم القدرة على اتخاذ قرارات حكومية حتى في المواضيع الصغيرة جدا. الفوضى التي ستكون في دولة ابراهيم ستعتم على الفوضى التي سادت في الدولة اليهودية التي وصلت الى الذروة في صيف 2023.
دولة ابراهيم ستكون ساحة للجلادين الذين لا يكفي أنه فرض عليهم تقاسم قطعة الارض نفسها، بل هم سيضطرون ايضا الى تقاسم دولة واحدة. بعد ذلك، ذات يوم سينشر في صفحة الآراء في صحيفة «هآرتس» في العام 2045، الصفحة الاخيرة، مقال قصير لعومر ايميت، يسأل فيه كيف حدث كل ذلك. كيف حدث أن سكان دولة اسرائيل لم ينجحوا في منع الخراب الفظيع، ولم يعرفوا كيفية تطبيق فكرة الدولتين.
حتى خطة التقسيم من العام 1947 بكاملها هي افضل من الواقع الآن، سيكتب، أو تسوية خطوط العام 1967 التي رفضنا الموافقة عليها اكثر من 80 سنة، وعادت الى جدول الاعمال بشكل ناجع بعد المذبحة الفظيعة في 7 اكتوبر في العشرينيات.
وهو ايضا سيسأل كيف بقي حتى بعد يوم السبت اللعين 90 في المئة من اعضاء الكنيست في الدولة اليهودية في حينه، يعارضون حل الدولتين على أمل وهمي بحكم يهودي من النهر الى البحر. وكيف حدث أن جزءا كبيرا من اليسار في تلك السنوات كان أسيرا لفكرة رومانسية، لا تقل اهمية عن الاولى، عن دولة يهودية – عربية، ديمقراطية وحرة، تقوم هي ايضا من النهر الى البحر.
بعد بضعة ايام سيظهر في الصفحة الاخيرة في «هآرتس» مقال رد لبتسلئيل سموتريتش، الذي سيقول في الحقيقة وضعنا اسوأ بكثير، لكنه لم يكن امامنا أي خيار، لأن الضعف الذي اظهرته اسرائيل أمام الفلسطينيين زاد شهيتهم الى أن كف خيار الدولتين عن الوجود.
بعد بضعة ايام سيظهر مقال رأي لجدعون ليفي في الصفحة الاولى يقول بأن سموتريتش على حق 100 في المئة، لأنه يخالف صديقه الرأي بأن السبب في ذلك لم يكن هو أنه لم يكن لدينا خيار. وسيشرح بأن السبب الحقيقي هو أن اسرائيل كرّهت الفلسطينيين فيها من خلال الاحتلال المتواصل الى درجة أن حل الدولتين اعتبر استمرارية للاحتلال.
اذا كنت قد تسببت بالذعر للقراء بسبب توقعاتي الفظيعة فسأنتقل الى توقعات متفائلة اكثر، التي احتماليتها تقل يوما بعد يوم. ولكن من المحتمل أن المذبحة الفظيعة في 7 اكتوبر والحرب قد أحدثت الشرخ في وعي من يحبون من النهر الى البحر لأسباب مختلفة. وهو الشرخ الذي يمكن للضوء أن يمر من خلاله.
الحروب بطبيعتها تخلق الفرص الجديدة للاتفاقات. والزعماء الذين اعتقدوا في السابق بأن المشكلة الفلسطينية هي حبة البطاطا الساخنة التي من الافضل إبقاؤها داخل الفرن وعدم الاقتراب منها، يدركون الآن بأنه اذا لم يتم اخراجها من الفرن فهي يمكن أن تحرق كل البيت، وربما حتى كل القرية العالمية. واذا حدث ذلك فيتوقع أن نشاهد نبوءة مختلفة، التي بدايتها ستكون اتفاقا آخر، اتفاق الدولتين. اتفاقاً ربما ستغيب عنه ايران وروسيا، لكن الجامعة العربية والولايات المتحدة واوروبا بالتأكيد ستدعمه سياسيا وماليا.
خلافاً للاتفاق السابق الذي وصفته، في الاشهر الاولى بعد التوقيع على هذا الاتفاق بالتحديد لن يكون أي هدوء. كما يبدو ستكون عمليات ارهابية واستفزازات للمستوطنين، لكن التصميم والاستمرار سيؤديان الى خفوت الارهاب. اسطوانة الاوكسجين الذي تغذيه بواسطة المعاناة والفقر والإهانة في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، ستفرغ. وعندما سيترسخ الهدوء ويصبح روتين قبل 2045 بكثير سينشر مقال رأي لعومر ايميت في صحيفة «هآرتس»، سيسأل فيه كيف استغرقنا 100 سنة كي نصل الى حل الدولتين؟ وكيف أنه في كل مرة حاولنا التقدم من هذا الحل استسلمنا للمتطرفين الذين حاولوا افشاله؟.
لماذا في كل مرة حدث ذلك تم طرح الفكرة الغبية لدولة «من النهر الى البحر» التي صاغها المتطرفون من اليسار واليمين. وكيف يمكن الشرح بأنه بالنسبة لأغلبية الجمهور العقلاني كان الحل الأفضل هو أنه لا يوجد حل، حيث أنه اضافة الى شقة صغيرة في حولون وحساب صغير في البنك، اورث كل جيل لأولاده أيضا دولة معيبة كان يمكنه إصلاحها بنفسه. ولن يكون أي مقال رد على مقال عومر ايميت هذا، سواء من سموتريش أو من ليفي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى