هارتس : الوضع في الشمال …أهون الشرور

بقلم : عاموس هرئيل : 08-01-2024
رد «حزب الله» على اغتيال القائد الكبير في «حماس»، صالح العاروري، في الضاحية في بيروت، وصل، صباح أمس، على شكل رشقة شديدة من الصواريخ من لبنان نحو الجليل. حسب «حزب الله» هذه فقط هي الوجبة الأولى من العملية المخطط لها، إطلاق الصواريخ لم يتسبب بإصابات، لكنه وجه لأهداف تقع في منطقة أكثر جنوبا مما في السابق، في منطقة شارع صفد – عكا. الأكثر أهمية من ذلك هو الهدف الرئيس الذي تركز حوله الإطلاق وهو جبل «ميرون»، حيث توجد هناك وحدة المراقبة الجوية الشمالية لسلاح الجو، والتي توجد فيها رادارات تراقب كل حركة جوية في المجال السوري – اللبناني.
إلى جانب إطلاق الصواريخ جرت، أمس، عدة محاولات لإطلاق طائرات مسيرة هجومية إلى حدود إسرائيل، أيضا هناك لم يكن إصابات. سلاح الجو رد بهجمات كثيفة نسبيا على جنوب لبنان، في واحدة منها أصيبت قاعدة لصواريخ «ارض – جو» تابعة لـ»حزب الله». إضافة إلى العاروري فإن «حزب الله» يتكبد خسائر فادحة في الهجمات الأخيرة التي أحيانا تكون موجهة لخلايا أطلقت الصواريخ والقذائف المضادة للدروع داخل الأراضي الإسرائيلية.
رئيس «حزب الله»، حسن نصر الله، ألقى، أول من أمس، الخطاب الثاني له في غضون يومين تناول فيه اغتيال العاروري والحرب في غزة وفي لبنان. حسن نصر الله كرر تهديداته بالثأر، لكنه لم يهدد بأن ذلك سيؤدي إلى حرب شاملة من قبل «حزب الله» ضد إسرائيل.
في هذه الأثناء، يبدو أن معظم الاحتمالات هي أن «حزب الله» سيواصل التركيز على المنطقة الشمالية ولن يحاول توسيع المعركة نحو المركز. حتى الآن هذا هو التقدير الذي يمكن أن يتلاشى. إضافة إلى ذلك نحن وصلنا إلى وضع فيه إسرائيل ترى في الإطلاق الموسع الذي يحدث منذ ثلاثة اشهر والذي أدى إلى إخلاء عشرات آلاف المدنيين من بيوتهم، الخيار الأقل سوءا. طالما أن رد «حزب الله» يبدو «متفهما»، فإن إسرائيل أيضا تقيد نطاق قوة هجماتها؟
بالنسبة لسكان الشمال ليس في ذلك أي أمل أو عزاء، وفي هذه الفترة يبدو أن الجهود الأميركية للعثور على حل سياسي ينهي القتال تتقدم ببطء شديد. الحكومة والمتحدثون بلسانها بدؤوا الإشارة إلى أنه ستمر بضعة اشهر قبل أن يكون بالإمكان الأمل بعودة الهدوء إلى الشمال.
مَن المسموح له بإجراء التحقيق؟
في مساء يوم الخميس الماضي، نشر الصحافي يوآف زيتون في موقع «واي نت» أن رئيس الأركان هرتسي هليفي قرر تعيين طواقم أولية للتحقيق لفحص عدة قضايا حاسمة تتعلق بأداء الجيش الإسرائيلي عشية الحرب. هذه النية نشر عنها هنا قبل بضعة أسابيع، لكن النبأ الذي نشره زيتون أثار العاصفة حول هوية المحققين: وزير الجيش الأسبق شاؤول موفاز، والجنرال احتياط سامي ترجمان والجنرال احتياط أهارون زئيفي (فركش) والجنرال يوآف هار ايفن. موفاز شخص كهدف في اليمين بسبب تأييده، كوزير جيش في حكومة اريئيل شارون للانفصال. خطأ زئيفي (فركش) هو أنه تماهى بشكل مهذب وحذر كالعادة مع انتقاد خطة الانقلاب النظامي.
الادعاء الثاني أيضا الذي نشرته ماكينة السم هو ادعاء مدحوض، وهو الاتهام بتضارب المصالح كما يبدو، لأن الشخصية الرفيعة التي تم ذكرها هي والد قائد وحدة في الجيش الإسرائيلي. «كيف يمكن للأب أن يحقق مع الابن؟»، سأل البيبيون بصدمة مصطنعة. هذا هراء مدحوض: الابن يخدم في وظيفة لا ترتبط بالإخفاقات. فعليا، هو ورجاله يوجدون في الجبهة ويحاربون ببطولة منذ 7 أكتوبر ووحدته تكبدت خسائر كبيرة.
هليفي لم ينسق خطواته والتعيينات المتوقعة مع نتنياهو ومع وزير الدفاع يوآف غالانت. عندما خرج الوزراء لاستراحة وفتحوا هواتفهم المحمولة اندلعت الفوضى، النهاية تمت مشاهدتها في الفخ الذي خطط بسرعة لرئيس الأركان. وزراء «الليكود» دافيد امسالم (الذي لسبب ما حصل على دعوة للمشاركة في جلسة «الكابنيت» السياسي الأمني كمراقب) وميري ريغيف ووزيرا اليمين المتطرف، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش انقضوا عليه كجوقة.
لا يكفي أن هليفي ورؤساء اذرع الأمن المختلفة مطلوب منهم في كل أسبوع أن يقضوا وقتهم في هذا المنتدى الزائد والمتطرف (القرارات الحقيقية تتخذ في «كابنيت» الحرب المقلص)، الوزراء أيضا تنافسوا فيما بينهم من منهم يهاجم ويهين اكثر رئيس الأركان. نتنياهو لم يعمل على وقف الهجوم. هذه ليست المرة الأولى، أشار المشاركون في النقاش، بأنه اظهر الرضا من هذا التوبيخ الذي وجه لهليفي. هكذا، ليس من الصعب التخمين من يخدم هذا الهجوم. رئيس الحكومة يقلق من أي تقدم نحو التحقيقات العسكرية لأنها تبشر ببداية عملية الفحص، التحقيق واستخلاص العبر الشخصية. نتنياهو، كما نذكر، هو الوحيد في القيادة الإسرائيلية الذي امتنع عن تحمل أي مسؤولية عن الإخفاقات واكتفى بالوعود الضبابية بأن كل شيء سيتم التحقيق فيه عندما يحين الوقت.
مع كل ذلك هذا تحقيق لن يزعجه بشكل كبير. مراقب الدولة، نتنياهو انغلمان، ابلغ غالانت في الأسبوع الماضي بأنه سيبدأ في القريب تدقيقا مفصلا حول سلسلة قضايا ترتبط بسلوك جهاز الأمن والجيش الإسرائيلي قبل الهجوم الإرهابي لـ»حماس» وأثناء الحرب. انغلمان كما يبدو يخطط لإجراء تحقيق طموح جدا يشمل سلسلة قضايا حساسة (التي في جزء منها ينوي الجيش الإسرائيلي إجراء تحقيق داخلي، رغم الوزراء). لكن يجب التذكر من هو انغلمان. فهو شخص تم انتخابه للمنصب بعد تدخل طويل لنتنياهو في الوقت الذي فيه رئيس الحكومة يدير منذ سنوات عملية متشعبة لكبح حراس العتبة وتثليم أسنانهم.
لولا الفظائع التي تحدث في الخارج لكان يمكن التوقف للحظة والانفعال من دقة وجمال حركة الكماشة المركبة التي يقودها هنا نتنياهو. من جهة، خطوات مخيفة ضد رئيس الأركان التي تعيق تأخير فتح التحقيق الذي هو غير مريح لرئيس الحكومة. من جهة أخرى، يطلقون مراقب الدولة، الذي يمكنه أن يتعمق في فحص حياة الضباط الكبار أثناء الحرب. وإذا لم يكن هذا كافيا فإن دخول المراقب إلى الصورة يمكن أن يقتحم حدود أي لجنة تحقيق في المستقبل وتقييد خطواتها.
من المحظور التقليل من مسؤولية الجيش و»الشاباك» عن الفشل الذريع في 7 أكتوبر. كل الشخصيات الرفيعة التي كانت متورطة في ذلك يجب عليها الذهاب إلى البيت. ولكن إذا كان أي شخص يتوهم بأن شيئا ما في المذبحة الفظيعة قد أثر بنتنياهو، فمن الأفضل له التنازل عن هذا الوهم. هذا بالضبط هو نتنياهو نفسه. فهو ينوي البقاء على الكرسي إلى الأبد، وكل الوسائل مشروعة من ناحيته من اجل تجسيد هدفه. رئيس الحكومة ورجاله اهتموا، أمس، أيضا بالتأكد من أن وزراء «الليكود» الذين يتم إجراء المقابلات معهم في وسائل الإعلام سيهاجمون رئيس الأركان.
سلوك نتنياهو في جلسة «الكابنيت» في ليلة الخميس – الجمعة، سيزيد الضغط على وزراء المعسكر الرسمي، بني غانتس وغادي ايزنكوت، من اجل الانسحاب من الحكومة. في الوقت نفسه هو يؤجج الغضب في أوساط المعارضة ويسرع توسيع الاحتجاج ضد الحكومة ومن يقف على رأسها، رغم أن الحرب في غزة بعيدة عن نهايتها. الوضع الحالي الذي يدير فيه نتنياهو الحرب بكل الطرق المخادعة والمعروفة هو ببساطة أمر لا يطاق.
معضلة من جهنم
اليوم، تكون قد مرت ثلاثة اشهر على الحرب في غزة، الحرب الأطول منذ حرب لبنان الأولى. ربما من اجل أن يرفع قليلا معنويات الجمهور فقد نشر، أمس، المتحدث بلسان الجيش فيلما قصيرا وصورا لرئيس الأركان هرتسي هليفي ورئيس «الشاباك» رونين بار ورئيس الاستخبارات العسكرية أهارون هليفي وقائد المنطقة الجنوبية يارون فنكلمان، وهم يتجولون في نفق لـ»حماس» في خان يونس. الرسالة بالتأكيد موجهة للطرف الفلسطيني وهي أن إسرائيل تقترب من المملكة التحت أرضية لرئيس «حماس» يحيى السنوار. هليفي وبار يكثران من التجول معا في القطاع والتحدث مع قادة الوحدات. الصور في الزيارة الأخيرة تثير الخوف أيضا حول المخاطرة الزائدة بحياة القادة الكبار. في الجيش الإسرائيلي يهدئون ويقولون، إن النفق تم العثور عليه وتطهيره قبل فترة طويلة نسبيا، وأن الزيارة تم إعدادها بشكل جيد.
في نهاية الأسبوع، قتل مقاتل من الجيش الإسرائيلي، المقدم روعي يوحاي يوسف مردخاي، من لواء الناحل. هذا الضابط الذي أصيب في شمال القطاع كان سيتولى منصب قائد كتيبة في اللواء، وهو القتيل الإسرائيلي الأول في القطاع منذ اربعة أيام. في حادثة أخرى، قتل في هجوم جوي إسرائيلي في مخيم النصيرات في وسط القطاع قائد كتيبة في «حماس» ونائبه.
في الوقت الذي تتقلص فيه النشاطات في مناطق أخرى فإن مركز اهتمام إسرائيل بقي في خان يونس. وتيرة التقدم هناك بطيئة لكنهم في الجيش وفي «الشاباك» يأملون بأنه سيكون بالإمكان في نهاية المطاف الوصول إلى كبار قادة «حماس» في القطاع. خلال ذلك بقيت هناك معضلة من جهنم: على فرض أن الشخصيات الرفيعة هناك فكيف يمكن المس بهم من غير المس بالمخطوفين الاسرائيليين الذين بالتأكيد تم إجبارهم على أن يشكلوا حزام أمان حول كبار قادة المخربين؟.