ترجمات عبرية

هارتس : الإدارة الفلسطينية لغزة تصيب «استراتيجية نتنياهو» في مَقتل

هارتس : بقلم تسفي برئيل : 10-01-2024

دون تصريحات علنية ودون بيانات رسمية، رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس التقى أمس مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من أجل “تنسيق المواقف قبل اللقاءات مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن”.
حسب التقارير من القاهرة فقد تناقشا في الوضع في القطاع واتفقا على الرفض بصورة قاطعة لهجرة الفلسطينيين إلى خارج القطاع.
في نفس المناسبة هنأ محمود عباس السيسي على فوزه في الانتخابات الرئاسية في الشهر الماضي وتمنى له النجاح في مهمته.
من أجل هذا الاتفاق لم يكن على محمود عباس ابن الـ 88 سنة أن يكلف نفسه عناء السفر إلى مصر. لقد كانت تكفي مكالمة هاتفية وحتى بيان في الواتس اب.
مصر ليست بحاجة إلى الدعم من عباس كي ترفض أي فكرة، إسرائيلية أو أميركية، تقول إن عليها أن تستوعب مئات آلاف سكان غزة على أراضيها.
السيسي أوضح في السابق بكل الصيغ الممكنة أنه يفضل ألا تطرح على مسامعه هذه الفكرة.
مصر ستواصل مساعدة سكان غزة، التي ترسل إليهم قوافل الغذاء كل يوم، من قبلها أو التي تصل من دول أخرى عبر المطار في العريش.
هي ستكون مستعدة للمشاركة في إعمار غزة ومواصلة الوساطة في صفقة المخطوفين، طالما كانت صفقات كهذه؛ لكن لن يمر أي فلسطيني عدا المرضى والمصابين ومن لديهم الجنسية المصرية من القطاع إلى أراضيها.
لقد كان للرئيسين شأن مستعجل آخر للانشغال به وهو إدارة غزة. على المدى القريب وربما الآني – إزاء الضغط الأميركي من أجل السماح بعودة حوالى مليون غزي هاجروا من شمال القطاع، إلى بيوتهم – تظهر حاجة ملحة لتشكيل أجهزة مدنية كي تعالج الاحتياجات الضرورية للعائدين؛ مثلاً، إقامة مساكن متنقلة أو وضع خيام.
معظم المباني في الشمال تم تدميرها وهناك حاجة لإعادة إقامة بنى تحتية حيوية منها شبكة المياه والمولدات وبعد ذلك ربط بشبكة كهرباء ما، أيضا إعادة ترميم الخدمات الصحية على الفور.
لا يوجد لحكومة إسرائيل في هذه الأثناء أي خطة حول الطريقة التي ستتم فيها إدارة عودة حوالى مليون شخص إلى أماكن سكنهم السابقة، ولا يوجد أي قرار حول من سيدير المنطقة التي ستبقى تحت السيادة الأمنية للجيش الإسرائيلي.
هذه ليست فقط مسألة تقنية. فأي قرار سيتم اتخاذه في هذا الشأن، حتى لو اعتبر “ترتيباً مؤقتاً”، يمكن أن يتحول إلى ترتيب دائم، حتى لو لم يعتبر هكذا.
في القطاع تعمل في الواقع تنظيمات محلية ولجان للأحياء تهتم بتوزيع المواد الغذائية التي تصل في قوافل المساعدات الإنسانية؛ لكن لا يوجد لها أي أدوات أو قدرة على إدارة المدن أو عدد كبير من السكان مثلما في شمال القطاع. لذلك، مطلوب تنسيق معقد، سواء مع مصر أو مع الدول المانحة الأخرى أو مع إسرائيل التي ستحتفظ بصلاحية إعطاء المصادقة على أي نشاطات مدنية تجري في القطاع.
هذه الأجهزة المحلية ستكون بحاجة إلى قوة حماية، الشرطة والحفاظ على النظام، حتى لو من أجل منع المواجهات التي يمكن أن تنشأ بين المواطنين على الأراضي والسيطرة على المباني التي بقيت أو على الأنقاض.
التجربة من أحداث مشابهة حدثت في دول أخرى مثل العراق وسورية، تعلم أن قوة الحماية مطلوبة للتعامل مع العصابات المحلية التي أثناء الحرب سيطرت على الممتلكات وفرضت الرعب على الأحياء السكنية وتصادمت مع السلطة الحاكمة.
في غزة لا توجد في هذه الأثناء سلطة مركزية، سواء شرطة أو مراقبون أو منظمون. وحتى إذا وجدت إسرائيل منظمات فلسطينية مدنية توافق على التعاون معها في إدارة منظومة إعادة الإعمار الأولية فهي ستضطر إلى أن تكون أيضاً هي الشرطي المحلي الذي سيهتم بأمنهم.

لا يوجد تمويل مع الاحتلال
رؤساء مدن، مخاتير وأصحاب مناصب إدارية أخرى، جميعهم كانوا من رجال حماس أو على الأقل أشخاصا حتى لو لم يكونوا مؤيدين لأيديولوجيا حماس إلا أنه كان عليهم أن يظهروا الإخلاص كي يتمكنوا من الحفاظ على مناصبهم.
إذا كانت إسرائيل تنوي “تطهير” غزة من وجود حماس، عسكرياً ومدنياً بالطبع، فإنه يجب عليها القيام بعملية تمشيط وغربلة كل جهاز، تنظيم أو مؤسسة، سيتعين عليهم إدارة القطاع.
يعيش في القطاع آلاف الموظفين الذين كانوا يحصلون على رواتبهم من السلطة الفلسطينية، على الأقل حتى الفترة التي قررت فيها إسرائيل خصم أموال الضريبة للسلطة، المبلغ المقدر الذي تحوله رام الله لدفع رواتبهم، وتمويل جزء من الخدمات العامة في القطاع مثل الصحة والمياه والكهرباء.
هؤلاء الموظفون يمكنهم في الحقيقة شغل عدد من المناصب والوظائف التي شغلها موظفو حماس، لكن حتى الآن ستبقى فجوة كبيرة بين الاحتياجات والعرض المهني.
عندما سيعود هؤلاء إلى أماكن عملهم فإن إسرائيل ستضطر إلى التقرير من الذي سيمول وكيف نشاطات عشرات آلاف الموظفين.
في الوضع الذي فيه إسرائيل هي القوة الحاكمة في القطاع، حتى لو لم تكن تعتبر وجودها في القطاع كاحتلال بل كمقاتلة ضد حماس، فمشكوك فيه أن يتم العثور على مصدر تمويل دولي أو عربي ثابت ويستطيع، يوافق على إعفاء اسرائيل من العبء الاقتصادي لإدارة القطاع. هذا التمويل يمكن أن يكون ممكناً فقط إذا سيطر على غزة نظام حكم فلسطيني.
في هذه القضية يوجد للإدارة الأميركية موقف واضح: “سلطة فلسطينية محدثة”، هي الجسم الذي يجب ويمكنه تحمل المسؤولية عن ذلك. أيضاً يوجد لإسرائيل موقف حازم بهذا الشأن.
فأي سلطة فلسطينية، محدثة، مجددة، محسنة أو مصقولة، لن تدخل إلى القطاع. هذا لا يعتبر رفضاً لأسباب أمنية تنبع من اعتبار السلطة الحالية “مؤيدة للإرهاب” أو منظمة إرهابية كما يعتبرها بعض أعضاء الحكومة وحتى رئيسها.
وسيطرة أي سلطة فلسطينية، مهما كانت نقية، في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، ولها تأثير واضح في شرق القدس أيضاً، يعني أنه للمرة الأولى منذ العام 2007 لفلسطين قيادة واحدة تمثل كل أجزاء الدولة التي تنوي أن تكون.
المعنى هو الانهيار الكامل للاستراتيجية التي أوجدها بنيامين نتنياهو لوقف كل عملية سياسية، التي تفيد بأنه طالما أنه لا يوجد تمثيل فلسطيني موحد ومعترف به وسيطرة فلسطينية كاملة على كل مناطق الدولة المستقبلية فإنه لا يوجد ما نجري المفاوضات حوله.
حماس خدمت بشكل جيد هذه الاستراتيجية، التي من أجلها تمت صياغة أيضاً المفهوم المشوه الذي يقول إن تحويل الأموال لحماس هو الذي سيجلب الهدوء.
عندما تتوقف حماس عن حكم القطاع بشكل نهائي فسيختفي أيضاً الشريك الاستراتيجي لنتنياهو. وسيبقى فقط التهديد الفظيع الذي يقول إنه في ظل السلطة الفلسطينية، الحالية أو المحدثة، لن تستطيع إسرائيل استخدام ذريعة عدم وجود تمثيل كملاذ من أي عملية سياسية في المستقبل.
يبدو أن هذا هو مفترق الطرق الذي مطلوب فيه تدخل الولايات المتحدة من أجل تحديد الشروط التي ستجعل السلطة الفلسطينية مشروعة من أجل إدارة القطاع؛ وما هي طلبات الفلسطينيين التي هي مستعدة لتنفيذها لهذا الغرض. مثلاً، عقد مؤتمر دولي لمناقشة قضية حل الدولتين. لكن إغلاق هذه الدائرة ما زال بعيداً.
حول هذا الأمر تركزت محادثات السيسي مع عباس أمس. الحديث يدور عن ضرورة تشكيل مبنى معقد يستند إلى طبقتين. في الطبقة الأولى سيتم تشكيل م.ت.ف موسعة ومحدثة، يكون فيها أعضاء من جميع التنظيمات الفلسطينية، ضمن ذلك حماس والجهاد الإسلامي وفصائل أخرى.
المعنى هو أن تكون تنظيم أعلى كل مركباته تعترف بالقرارات الدولية والاتفاقات التي وقعتها م.ت.ف “القديمة” مع إسرائيل؛ من بينها اتفاقات أوسلو.
من داخل هذا الجسم الموسع ستولد سلطة فلسطينية لا تضم أعضاء حماس أو الجهاد الإسلامي، والأعضاء فيها سيعتبرون تكنوقراط غير حزبيين.
هذه كانت النظرية التي استخدمها السيسي عندما عرض خطة المراحل الثلاثة لإنهاء الحرب في قطاع غزة. ولكن في هذه الأثناء تم شطب منها حسب طلب من عباس البند الذي يتناول تشكيل حكومة خبراء.
دون ذلك تصعب رؤية كيف سيتم تشكيل سلطة فلسطينية متفق عليها حسب الخطة الأميركية، التي هي أيضاً ما زالت تعاني من الغموض الكبير.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى