هآرتس 25/10/2012 نار كثيفة على الجنوب؛ في السودان يتهمون الجيش الاسرائيلي بالهجوم على مصنع سلاح مخصص لحماس../ غزة، الخرطوم، طهران../
من آفي يسسخروف وعاموس هرئيل
في القدس يمتنعون عن تناول الانباء عن الهجوم الجوي فجر أمس على مصنع لانتاج الوسائل القتالية في الخرطوم عاصمة السودان. ولكن يحتمل بالتأكيد أن تكون المعركة التي تديرها اسرائيل في الايام الاخيرة ضد حماس في قطاع غزة اتسعت الى جبهة أوسع – السودان. هكذا على الاقل يدعي وزير الاعلام السوداني، احمد بلال عثمان، الذي قال أمس في مؤتمر صحفي في الخرطوم ان اسرائيل هي المسؤولة عن الهجوم.
الطائرات التي عملت في السودان، اذا كانت اسرائيلية حقا، فقد قطعت نحو 2.000 كم كي تضرب لاول مرة بالعاصمة الخرطوم نفسها (في الماضي اتهم السودان اسرائيل بهجمات اخرى في نطاقه، ولكن ليس في الخرطوم). ووفرت السلطات السودانية أمس جملة من الانباء المتضاربة والمشوشة (حتى عن عدد المصابين) بالنسبة للهجوم وامتنعت عن الحديث عن المصنع نفسه وعما ينتج فيه بالضبط.
يحتمل أن يكون سبب ذلك يكمن في التقارير التي نشرت في السنتين الاخيرتين في وسائل الاعلام العربية والغربية، وكذا عن المعارضة السودانية في أن ايران اقامت مصانع لانتاج السلاح في السودان، من خلال جيش القدس في الحرس الثوري. وهكذا تحرص ايران على توريد منتظم للسلاح الى حماس في غزة. وبالفعل، لم ينفِ عثمان على الاطلاق ان تكون الوسائل القتالية من المصنع معدة لحماس في غزة وادعى بأن عمل المصنع لا يتناقض والمواثيق الدولية.
وحسب تقارير من الماضي، فقد اقيمت المصانع الايرانية بالتعاون مع حكومة السودان نفسها. وتجدر الاشارة الى أن التعاون العسكري بين الخرطوم وطهران لا ينحصر فقط في اقامة مصنع عسكري كهذا أو ذاك. ففي الماضي تحدثت وسائل الاعلام الاوروبية عن أن ايران بعثت ايضا برجال الحرس الثوري لتدريب الجيش السوداني. اضافة الى ذلك، فقد نجح جيش القدس في تهريب عشرات الصواريخ المضادة للطائرات، بما فيها صواريخ SA-24 من مخازن سلاح الجيش الليبي المتفكك الى السودان، لنقلها في نهاية الامر الى حماس. وفي أحد التقارير جاء أن هذه الصواريخ توجد في موقع عسكري في شمالي اقليم دارفور، بمسؤولية الحرس الثوري.
ليست هذه هي المرة الاولى التي يتهم فيها السودان اسرائيل بالتورط في قصف في نطاقه. في أيار من هذا العام وقبل ذلك في نيسان وشباط ادعت الخرطوم بان اسرائيل مسؤولة عن ثلاثة تفجيرات قتل فيها عدة سودانيين. في كانون الثاني من العام 2009 علم أن بضع طائرات قتالية هاجمت قافلة سيارات في شمال شرقي السودان وقتلت 119 شخصا. في كل الاحوال، يبدو أن التعاون العسكري بين السودان وايران سيستوجب اعادة النظر في الخرطوم.
في جبهة غزة يحتمل أن يكون التغيير الاهم الذي سجل على الارض في الاسابيع الاخيرة هو الدور الفاعل لحماس نفسها في اطلاق النار على اسرائيل. ولعل هذه هي ريح الاسناد التي تلقتها من الزيارة الرسمية للامير القطري، وربما احساس المنظمة بانها تجلدت أكثر مما ينبغي من الوقت في ضوء الاغتيالات الاسرائيلية لنشطاء الجهاد المتطرفين في غزة.
ما يبدو للعيان، استنادا الى هجمة الصواريخ الكثيفة من القطاع صباح أمس، هو أن حماس غيرت سياسة عملها ضد اسرائيل. فهي لا تطلق فقط الصواريخ، بل تسارع الى اعلان مسؤوليتها عن ذلك. يبدو ان المنظمة تخشى الان رد فعل اسرائيل بقدر أقل. والاعتقاد السائد في قيادتها هو أن اسرائيل في فترة انتخابات، وبالتالي فانها ستمتنع عن رد شديد في القطاع. وعليه، يمكن لحماس أن تواصل تحقيق نقاط الاستحقاق في الرأي العام الفلسطيني، بعد ان تبرز نفسها كمنظمة تتجرأ على القتال ضد اسرائيل ولا تصبح سلطة فلسطينية ثانية. فالعلاقات الوثيقة نسبيا مع مصر، وكذا زيارة الامير تبث فيها إذن ثقة بالنفس كفيلة بان تتبين كمغلوطة ومبالغا فيها.
منذ فترة طويلة وعلى حدود القطاع يجري تصعيد. ولكن حتى صباح يوم امس كان يبدو أن الامور توجد تحت قدر من السيطرة. وأهم الاشتباكات دارت بين منظمات الجهاد السلفية التي اطلقت الصواريخ نحو اسرائيل، وبين الجيش الاسرائيلي الذي ضرب خلايا اطلاق النار واحيانا اغتال نشطاء كانوا مشاركين في محاولات تنفيذ عمليات عبر سيناء. ولعبت حماس لعبة مزدوجة: مولت أحيانا نشاط المنظمات واحيان اخرى اتخذت اجراءات كبح جماح، حين شعرت بان مبادرات هذه المنظمات من شأنها أن تجر نحو حملة عسكرية واسعة من جانب اسرائيل فتعرض للخطر استقرار حكمها.
في عدة مناسبات في الاونة الاخيرة اصيب ايضا نشطاء من حماس، وفي مرة واحدة ايضا اصيب مواطنون، في هجوم لسلاح الجو. قبل ثلاثة ايام قتل نشيطان من حماس ولجان المقاومة الشعبية، كانا يخوضان بزعم المنظمة معارك اطلاق نار ضد قوة من الجيش الاسرائيلي عملت داخل القطاع. وفور ذلك اعلنت حماس بانها ستنتقم – وهكذا بالفعل فعلت صباح امس حين أطلقت الصواريخ، بل وتبنت المنظمة المسؤولية لاحقا عن تفجير العبوة الناسفة أول أمس التي اصيب بها بجراح خطيرة قائد سرية من لواء جفعاتي، النقيب زيف شيلون.
في الاماكن التي كانت فيها منظومة قبة حديدية ناجعة، مثلما في عسقلان، فقد اعترضت الصواريخ. ولكن في النار على البلدات الاقرب من الجدار، الدفاع جزئي في أفضل الاحوال والنتيجة كانت اصابة العمال الاجانب في حظيرة في احدى البلدات. ولكن في هذه المعادلة يوجد أيضا طرف هام آخر: اسرائيل. في السنوات الاربعة لولاية حكومته، اتخذ بنيامين نتنياهو خطا عسكريا حذرا ومسؤولا في كل الجبهات. ورغم صورته، امتنع نتنياهو قدر استطاعته عن الدخول الى معارك عسكرية واسعة. كما أن جولات العنف الموسمية على حدود غزة تميزت بخطابية اسرائيلية قصوى، ولكن دون أن تطلق القوات البرية نحو أعماق المنطقة. التهديدات الاسرائيلية، مضاف اليها هجمات سلاح الجو، كانت تكفي في كل مرة لاقناع حماس بفرض النظام في القطاع قبل أن تخرج المواجهة عن السيطرة.
يحتمل أن تكون قواعد اللعب قد تغيرت الان. فنتنياهو يدخل في حملة انتخابات، احدى الاوراق الاساس فيها هي الهدوء الامني (النسبي) المتواصل على الحدود. وعندما تجرى اللقاءات الاذاعية مع سكان غلاف غزة فيسألون اين الدولة، فان رئيس وزراء يتنافس في انتخابات متجددة سيجد صعوبة في الا يعمل بصلابة أكبر.
لا حاجة الى المضي بعيدا الى الوراء لتذكر السوابق. ففي بداية كانون الاول 2008، كانت في حينه حكومة وسط – يسار من كديما والعمل. وتحفظ كبار مسؤولي حكومة اولمرت، ومعهم معظم قادة جهاز الامن من حملة عسكرية في غزة. ولكن عندما انهار وقف النار مع حماس، فيما كانت احزاب الائتلاف تستعد للانتخابات وقادتها يتعرضون للانتقاد، تغير نهج الحكومة. في نهاية ذاك الشهر انطلقت اسرائيل الى حملة رصاص مصبوب. هذا على ما يبدو ليس لا يريد نتنياهو، أو حتى حماس، أن يحصل – ولكن القصة بالتأكيد قد تكرر نفسها.