هآرتس: يوجد حل للنزاع، لكن اسرائيل غير معنية به
هآرتس 22/10/2024، مئير امير: يوجد حل للنزاع، لكن اسرائيل غير معنية به
هل يوجد أصلا حل للنزاع مع الفلسطينيين؟ هكذا تساءل عوفر اديرت، حيث أن الامر في النهاية يتعلق حسب قوله بموضوع “معقد” (“هآرتس”، 15/10). أولا، الحديث لا يدور أبدا عن موضوع معقد، ويوجد حل للنزاع مثلما تم على مدى السنين حل عدد غير قليل من النزاعات بين الدول. النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين لا يختلف عنها.
تساؤل اديرت يكرر رسائل اليمين التقليدية في اسرائيل، لا يوجد شريك ولن يكون شريك؛ الفلسطينيون يريدون تدمير اسرائيل؛ الفلسطينيون رفضوا كل عروض السلام التي قدمتها اسرائيل لهم وهكذا دواليك.
الفلسطينيون لا يختلفون عن الشعوب الاخرى. مثلما نجحنا في التوقيع على اتفاقات سلام مع مصر والاردن فانه يمكن فعل ذلك ايضا مع الفلسطينيين. ومن اجل ذلك يجب على الطرفين التوصل الى اتفاق حول الثمن، وثمن السلام مع الفلسطينيين معروف منذ عشرات السنين: العودة الى حدود 1967، مع تعديلات متفق عليها، الاعتراف بالدولة الفلسطينية التي ستقام على اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة. هذا هو الثمن واسرائيل لم توافق على دفعه في أي يوم من الايام. لن يكون سلام بدون هذا الثمن.
ايضا التفسير التاريخي الذي يعطيه اديرت للنزاع مع الفلسطينيين خاطيء. الفلسطينيون حقا رفضوا خطة التقسيم من العام 1947، التي عرض عليهم فيها 45 في المئة من مساحة ارض اسرائيل الانتدابية. وقد حاولوا هم والدول العربية افشال اقامة الدولة اليهودية وفشلوا فشلا ذريعا. دولة اسرائيل اقيمت على 78 في المئة من مساحة ارض اسرائيل الانتدابية داخل حدود الخط الاخضر لسنة 1967، وحصلت على اعتراف بهذه الحدود من الامم المتحدة ومعظم دول العالم. الفلسطينيون والدول العربية لم يسلموا بهذا الواقع، وخلال سنوات استمروا في الايمان بأن ما أخذ بالقوة سيسترد بالقوة.
أول من استيقظ هو انور السادات، الذي في 1971 عرض الاعتراف باسرائيل والتوقيع معها على اتفاق سلام مقابل الانسحاب الى حدود 1967. غولدا مئير وموشيه ديان رفضا ذلك. فهما لم يصدقا أن اتفاق السلام يمكن أن يضمن الامن لاسرائيل، وفضلا ابقاء احتلال شبه جزيرة سيناء على حاله بدون سلام.
هذا كان خطأ كبير أدى الى مأساة حرب يوم الغفران. ديان ادرك حجم الخطأ. بعد تولي الليكود الحكم في 1977 انضم الى مناحيم بيغن من اجل التوصل الى اتفاق سلام تاريخي مع مصر، بعد موافقة اسرائيل على الانسحاب الى حدود 1967. موشيه ديان اعتقد في حينه بأنه يمكن التوصل الى تسوية مشابهة مع الفلسطينيين واعطاءهم حكم ذاتي كامل في الضفة الغربية، الذي ربما سيؤدي فيما بعد الى اقامة الدولة الفلسطينية. بيغن لم يوافق. فقد أراد توطين اليهود في كل ارجاء الضفة الغربية وقطاع غزة. وديان انسحب في اعقاب ذلك من الحكومة في 1980.
في نهاية الثمانينيات ادرك الفلسطينيون بأن اسرائيل هي حقيقة واقعة، وأنها دولة حديثة وقوية ولديها مكانة دولية. هم تنازلوا عن معارضة وجودها داخل حدود الخط الاخضر. هذا التغيير أوصل الى اتفاق اوسلو، الذي رغم أنه لم ينجح إلا أنه رسخ اعتراف الفلسطينيين بوجود اسرائيل. بعد ذلك تم التوقيع على اتفاق السلام مع الاردن، وفي العام 2002 اتخذت الجامعة العربية قرار بحسبه ستعترف باسرائيل واقامة علاقات سلام كاملة معها شريطة انسحابها الى حدود 1967 والاعتراف بالحق في اقامة الدولة الفلسطينية.
هذا هو الموقف الذي كرره بشكل سلس وبسيط وزير الخارجية الاردني، أيمن الصفدي، في الجمعية العمومية للامم المتحدة في شهر ايلول الماضي. “57 دولة اسلامية مستعدة للاعتراف باسرائيل والتوقيع على اتفاق سلام معها مع اعطائها ضمانات أمنية، بعد انسحابها الى حدود 1967 والسماح باقامة الدولة الفلسطينية”، قال الصفدي. ولكن هذا الموقف غير مقبول على نحو 80 في المئة من الجمهور اليهودي في البلاد، وهكذا فقد حكم عليهم بالعيش في دولة بدون حدود معترف بها، وروتين حياتها هو الخوف المستمر من اعمال العنف والارهاب والحروب الدورية، التي تتفاخر اسرائيل في عرضها كـ “ادارة النزاع”. ادارة النزاع بالنسبة للفلسطينيين هي عملية اسرائيلية عنيفة من اجل الحفاظ على الوضع الراهن في القطاع وفي الضفة الغربية، حصار غزة بدون أفق والسلب والاهانة في الضفة.
الاشهر الاخيرة في الحرب الحالية اثبتت قوة اسرائيل العسكرية والتكنولوجية والاستخبارية. ولكن كل ذلك لم يؤد حتى الآن الى الصحوة، والى عملية سياسية تترجم الانجازات العسكرية الى انجازات سياسية تؤدي الى حل النزاع. ما فائدة القوة العسكرية الضخمة والقوة التكنولوجية الكبيرة اذا كنا نخشى خطوة سياسية مطلوبة لا يوجد فيها تقريبا أي خطر أمني؟ من أين الخوف وما هو تفسيره؟ هل نحن نخاف من احداث تشبه احداث 7 اكتوبر بعد اقامة الدولة الفلسطينية؟. في نهاية المطاف هذه الاحداث وقعت في الوقت الذي قمنا فيه بـ “ادارة” النزاع ومنعنا اقامة الدولة الفلسطينية.
الامتناع عن حل المشكلة الفلسطينية هو التهديد الوجودي التي يقف امامنا؛ ويغذي النزاع الدموي مع لبنان وتهديد ايران. عندما سيتم حل القضية الفلسطينية فسيكون بالامكان بالتأكيد التوصل الى اتفاق مع لبنان ومع ايران، والبدء في ادارة حياة طبيعية ومزدهرة في ارض اسرائيل القديمة، الصغيرة والجميلة، في حدود 1967. الآن بقي رؤية متى سيتم استيعاب هذا الفهم، الذي يقف خلفه كل العالم وضمن ذلك الفلسطينيين والدول العربية، من قبل الاغلبية اليهودية في اسرائيل.
عودة الى موشيه ديان. خطاب تأبين ديان على قبر روعي روتبرغ في ناحل عوز في نيسان 1956 يفسره اديرت بشكل خاطيء. ديان القى خطابه المتشائم بعد سبع سنوات على انتهاء حرب التحرير واتفاقات الهدنة. الرأي الذي ساد في اوساط الجمهور في حينه وبحق هو أن العرب لن يسلموا بهزيمتهم في حرب التحرير، وهم سيستعدون لجولة قتال اخرى. ولكن منذ التوقيع على اتفاقات السلام مع مصر والاردن، الفلسطينيون ايضا اعترفوا بحق اسرائيل في الوجود. ديان غير موقفه، وايضا شمعون بيرس واسحق رابين وحتى دافيد بن غوريون قبل وفاته.
فقط نحن بقينا في متلازمة الضحية والخوف الأبدي، ومحكوم علينا العيش في حياة غير آمنة، بدون مستقبل ورضا، وكل ذلك امام ناظري العالم المندهش ازاء سياستنا الهستيرية وغير الاخلاقية.