هآرتس: يهود وعرب في القدس يصرون على التقارب

هآرتس 5/5/2025، نير حسون: يهود وعرب في القدس يصرون على التقارب
من تحت اسوار البلدة القديمة في القدس، ومرورا بباب الخليل على خط التماس الذي كان يقسم القدس حتى 1967، وبشكل معين يقسمها حتى الآن، يمتد مسطح اخضر كبير مصنوع من الانجيل الصناعي. في طرف المسطح يوجد حجرا رحى، الأثر الأخير لجورة العناب، وهو حي يهودي – عربي صغير كان يوجد هناك في نهاية القرن التاسع عشر. في القرن العشرين، كلما ازداد العنف بين يهود القدس وعربها ارتفعت الاسوار وارتسمت الحدود وتم ترك الحي، ودمر ومحي من المشهد. ولكن في الصيف الأخير عادت المنطقة لتشكل مكان للقاء بين اليهود والعرب، هذه المرة وهم يحملون صحون “فريزبي” الطائرة للعب.
في كل مساء يوم ثلاثاء يجتمع هناك تقريبا 15 لاعب من هواة الصحون الطائرة، بينهم حريديون من مئة شعاريم وفلسطينيون من سلوان وطالبات امريكيات جئن من أمريكا وطلاب ثانوية من غربي القدس ومدير عمل من أبو غوش، في اطار مشروع “فريزبي على خط التماس”. رغم صورة لعبة شاطيء بدون قواعد فان الفريزبي التنافسي هو فرع رياضي يذكر بكرة القدم، باستثناء الصدامات العنيفة. من يريدون استخدام هذه اللعبة لتقريب القلوب يجدون فيها ميزة أخرى، القانون الذي يحظر الركض وأنت تحمل صحن الفريزبي بيدك يفرض على اللاعبين التعاون الوثيق وبناء استراتيجية مشتركة. هذه ليست لعبة نجوم، بل هي عمل طاقم مشترك.
في صباح 18 آذار، عندما استانف الجيش الإسرائيلي القتال في قطاع غزة، وزارة الصحة الفلسطينية احصت 300 امرأة وطفل قتلى، وعائلات المخطوفين عبرت عن مخاوف شديدة على مصير أبنائها. ولكن على المسطح الاخضر تم الحفاظ في ذلك المساء على روتين الفريزبي. “بالتحديد في أوقات كهذه يجب أن نواصل ولا نتوقف”، قال للصحيفة مؤسس هذا المشروع، حسام موسى وهو من سكان سلوان. “أنا لم آت لحل مشكلة الشرق الأوسط، لكن طالما نحن نلتقي هنا فان هذا بحد ذاته نجاح”.
مثلما في كل مكان أيضا في القدس تسببت الحرب بضعضعة العلاقات بين اليهود والعرب. علاقات كثيرة قطعت، عدم الثقة تعمق، الفضاءات المشتركة افرغت والعنصرية تعززت. بالتحديد على هذه الخلفية استمرت مشاريع للقاءات بين الفلسطينيين واليهود في المدينة، وحتى ولدت مشاريع جديدة – حول مضامين مثل الرياضة، الفن، تعلم اللغة أو علاقات جيرة. المشاركون يعترفون أنهم اقلية صغيرة في الطرفين، لكنهم أيضا يشعرون أنهم يحافظون على جمرة الامل بواقع مختلف.
موسى، مرشد (35 سنة)، بدأ يتعرف على المجتمع الإسرائيلي في فترة مكافحة الكورونا، عندما قل السياح في المدينة اقترح جولات في شرقي القدس لجمهور إسرائيلي، بعد ذلك بدأ في عقد لقاءات بين اليهود والعرب. “كل أسبوعين يختارون موضوع ويجلسون ويتحدثون”، قال. في شهر آب خطرت بباله لعبة الفريزبي التي تجتاز الحدود. “في البداية فكرت بكرة القدم ولكني خفت من أن يجلب ذلك كل أنواع الأشخاص غير المناسبين. بحثت عن شيء اخف يمكن اللعب به على خط التماس”، قال. “في مدينة فيها بصعوبة يتحدث الواحد مع الآخر، يأتون الى هنا ويلعبون الفريزبي، هذا أيضا شيء ما”.
الشائعة حول الألعاب تمر من الفم الى الاذن. مجموعة طلاب ثانوية يهود انضمت بعد محادثة في المدرسة، التي فيها تحدث لهم موسى عن حياته في المدينة. “كان لقاء صعب”، قال. “في اللحظة التي عرضت فيها نفسي قالوا لي: أنت لست فلسطينيا، بل إسرائيليا. هذا كان لكمة في البطن. في النهاية عندما حدثتهم عن المشروع سألتني معلمة: لماذا انت تتحدث عن ذلك فقط الآن؟ أنا اجبت بأنني لم آتي للقول بأن كل شيء جيد وجميل هنا. ولكن يوجد أيضا هذا. بعد الظهر جاء أربعة طلاب للاعتذار باسم الصف، قلت لهم: أيها الطلاب اللطفاء، هذا ليس ذنبكم. وقد بقوا للعب وقاموا بدعوة المزيد من اصدقائهم، ومنذ ذلك الحين هم يأتون بشكل دائم”.
لاعب آخر، يعقوب (اسم مستعار)، وهو من المتدينين المقدسيين من مئه شعاريم، الذي ذات يوم كان يتنزه في المحيط واقترح عليه اللاعبون الانضمام. هو استجاب وانجرف الى المشروع. “في اللعب أنت لا تشعر من هو اليهودي ومن هو العربي، بالنسبة لي الجميع هم بشر”، قال. اصغر اللاعبين هو شالوم إسرائيل شبيرفر (15 سنة) من القدس، الذي عائلته تعيش في المستوطنات، ووالده هو مبعوث جمعية حباد في كفار عصيون. “والدي يقول: انا اؤمن بالسلام، لكن…”. دائما توجد “لكن” بين السطور، الذي في الواقع يقول “انا لا اؤمن بالسلام لأنني لا اؤمن بالناس الذين اريد السلام معهم. أيضا جدتي مصدومة قليلا وأبناء عمي الذين هم من شبيبة التلال. عندما يسألوني أقول لهم ان هذا ممتع، وهو نشاط انتظره خلال الأسبوع”.
لقاءات أخرى تجري في اطار جمعية ليسان التي تقترح على النساء الفلسطينيات في شرقي القدس تعلم اللغة العبرية. عبر هذه الجمعية تقريبا 50 متطوعة إسرائيلية وفلسطينية يعلمن حوالي 400 طالبة من الفتيات وحتى النساء البالغات. في القريب سيتم افتتاح في اطار هذه الجمعية أيضا مجموعة لتبادل اللغة، وهي ستسمح للنساء من غربي المدينة ومن شرقها بالتعلم المتبادل للعربية والعبرية. أيضا في حي أبو طور تعمل مجموعة مشتركة من الجيران اليهود والعرب.
قبل عيد الفصح نشرت “كولنا”، النداء السنوي لليهود للتبرع بالخمير لجيرانهم في شرقي المدينة. في كل سنة تستجيب مئات العائلات لهذا النداء. “هذا امر خاص جدا بالقدس. نحن شاهدنا ان الناس متحمسون له”، قال عمادي. “توجد لنا تقاليد أخرى. مثلا، محمود، احد مؤسسي الجمعية دائما يحضر لنا الخمير الأول في الميمونة. الناس ببساطة يأتون الى لعبة الفريزبي والى جولة ولا يهم السبب. فقط يجب التوقف عن الخوف والتأكد من أن الامر ممكن. انا لا اريد تغيير موقفكم، فقط خففوا قليلا من الحواجز والمخاوف وستحدث أمور عظيمة”.