هآرتس: يلعبون بالنار؛ على مسافة خطوة عن الفشل
هآرتس 7/6/2024، عاموس هرئيل: يلعبون بالنار؛ على مسافة خطوة عن الفشل
مع بداية الشهر التاسع للحرب فانه يصعب الابلاغ عن أنباء جيدة تلوح في الأفق. سلسلة المحادثات التي جرت في الاسابيع الاخيرة مع شخصيات رفيعة في جهاز الامن تظهر المزيد من الاشارات التي بحسبها فان وجهة اسرائيل هي نحو فشل ذريع متعدد الابعاد. استراتيجيا نحن عالقون في كل الساحات. الاكثر والاهم من بينها (امام حزب الله في لبنان) تقف اسرائيل امام خطر اشتعال شامل، اذا تحقق سيغطي على كل ما حدث في السابق. الاتصالات حول صفقة التبادل مع حماس يبدو أنها عالقة في ازمة مرة اخرى بعد أن ظهر للحظة أن خطاب الرئيس الامريكي ربما ينجح في تخليص العربة من الوحل، والعمليات العسكرية في القطاع، التي تتركز الآن في رفح ومخيمات اللاجئين في وسط القطاع، تجبي ثمن من حماس لكنها لا تدفع قدما بالانتصار في الحرب على المدى المنظور.
الايام الاخيرة تميزت بالتصعيد في الشمال. في يوم الاثنين اندلع حريق ضخم في كريات شمونة وفي محيط الكيبوتسات القريبة بعد أن اطلق حزب الله الصواريخ والمسيرات على جنوب الحدود. بعد يومين بادر حزب الله الى هجوم ناجع بالمسيرات على قوة للاحتياط انتشرت في منطقة مفتوحة قرب قرية حورفيش الدرزية. جندي قتل واصيب عشرة جنود. في غضون ذلك قنوات التلفاز الاسرائيلية ذهبت الى منطقة الحدود وبثت من هناك من ستوديوهات خاصة تحت عنوان “نحن نفقد الشمال” (القناة 14 غير السخية في النفقات وفي الأنباء السيئة، اختارت اخطار المذيعين في مركز البلاد).
مثلما في الافلام الامريكية القديمة فان اسرائيل وحزب الله يلعبان لعبة “الدجاجة” على حافة الجرف. ربما أن الشعار القديم الذي يقول إنه لا يوجد لهما أي مصلحة في حرب شاملة، ما زال صحيحا. ولكنهما يمكن أن يصلا الى هناك، بالاساس نتيجة خطأ في الحسابات. مثلما في غزة اسرائيل لا تنجح في ترجمة تراكم انجازات تكتيكية الى نصر استراتيجي. رئيس حزب الله، حسن نصر الله، اتخذ في بداية الحرب قرار عدم بذل جهود مشاركة في الشمال، بحيث يسحب الى حدود لبنان قوات كبيرة من الجيش ويبقيها هناك وبذلك يساعد حماس في غزة دون الانجرار الى مواجهة شاملة. بعد انهيار وقف اطلاق النار الاول في بداية كانون الاول الماضي اعلن بأنه سيعود الى المواجهة، وأنه سيوقف النار فقط عند انتهاء الحرب في غزة.
يكفي ما يفعله حزب الله – ابعاد 60 ألف اسرائيلي من بيوتهم على طول الحدود والتنقيط المستمر لخسائر في الشمال واطلاق عشرات الصواريخ والمسيرات كل يوم – من اجل زيادة احباط الجمهور والضغط على الحكومة من اجل أن تعمل. هنا ولدت الفكرة التي ما زالت تعلم في القيادة السياسية والامنية، زيادة الهجمات بشكل كبير على حزب الله على أمل اجباره على وقف النيران، لكن الامتناع عن الحرب الشاملة. عندما يوجد لديك مطرقة وزنها 5 كغم فان أي مشكلة ستظهر وكأنها مسمار. لكن من يؤيدون ذلك حتى الآن لا ينجحون في شرح لماذا يعتقدون أن حزب الله سيرتدع بالضرورة، ولن يستنتج بالذات أن اسرائيل ما زالت تخادع، لذلك فانه يمكن الاستمرار في مهاجمتها دون أن يؤدي ذلك الى حرب.
عدد من وزراء الليكود واليمين المتطرف يريدون الذهاب ابعد من ذلك، وشن هجوم شامل على حزب الله. في الاسبوع الذي تم فيه احياء الذكرى الـ 42 لحرب لبنان الاولى الفاشلة، ظهر أن هؤلاء الاشخاص لم يتعلموا أي شيء من تجربة اسرائيل الاولى في فرض نظام جديد في لبنان. بعضهم كان قصف ايران بالنسبة له ملح، ووضع حد للتهديد النووي الآخذ في التطور هناك. من الواضح أنه لا يوجد لديهم أي فكرة عن الوضع وعن القدرات الحقيقية للجيش الاسرائيلي.
اسرائيل يمكن أن تجد نفسها في حرب بدون شرعية دولية (التي تبددت بعد مذبحة 7 اكتوبر ازاء ابعاد الدمار والقتل التي ارتكبت في غزة)، وبدون دعم امريكي قاطع ومع جيش متآكل ومتعب، يناضل على توفير منتظم للسلاح وقطع الغيار. وفد برئاسة مدير عام وزارة الدفاع، الجنرال احتياط ايال زمير، قامت في هذا الاسبوع بزيارة واشنطن لمناقشة مع البنتاغون ووزارة الخارجية الامريكية الازمة التي حدثت حول قرار الرئيس الامريكي، قبل نحو شهر، تأخير ارسالية تشمل 3500 قذيفة دقيقة لسلاح الجو. في وزارة الدفاع يتحدثون عن تقدم ايجابي، لكن المشكلة لم يتم حلها حتى الآن.
فوق كل ذلك ورغم الاشارات الآخذة في الازدياد، التي ينثرها المحللون في الاستوديوهات، يبدو أن الجمهور لم يستوعب حتى الآن الفرق الذي سيتم الشعور به في الجبهة الداخلية، بين اضرار صواريخ حزب الله واضرار صواريخ حماس. في الوقت الذي قتل فيه 20 اسرائيلي بنار الصواريخ التي اطلقت من القطاع في الايام الاولى للحرب، الكارثة التي تم ابعادها عن الوعي على قاعدة المشاهد غير المسبوقة للمذبحة في بلدات الغلاف ومواقع الجيش الاسرائيلي. ولكن عدد الصواريخ التي اطلقتها حماس، 5 آلاف صاروخ تقريبا في اليوم الاول، فان حزب الله يمكنه تقليدها خلال شهر واكثر، وكثير منها هي اثقل وذات مدى اطول وبعضها اكثر دقة.
يحتمل أن من يتحدث عن عشرات آلاف الضحايا في الجبهة الداخلية في الحرب مع حزب الله يبالغ في التقدير (الكثير يتعلق بدرجة امتثال المواطنين لتعليمات الحماية لقيادة الجبهة الداخلية). ولكن في كل الحالات فان مدن الشمال والوسط ستشهد تهديد بحجم وقوة غير مسبوقة. يجب الأمل بأنهم في حزب الله ايضا يدركون حجم المخاطرة وحجم الضرر الذي سيلحق بلبنان والبنى التحتية والمدنيين. وأن هذه الامور ستكبح سلوك قيادته. خلافا للانطباع الذي تولد من بعض التقارير الاخيرة فانه يصعب القول بأن القيادة في اسرائيل متحمسة للحرب في الشمال. مع ذلك، يوجد خطر من أن يؤدي الاستعراض الفعال جدا لقدرات الجيش الاسرائيلي الى عكس النتيجة المأمولة، التي ستؤدي الى الحرب الشاملة.
دفع الثمن
لقد مر اسبوع على خطاب الرئيس الامريكي، وحتى أمس لم يتم تسلم رد رسمي من رئيس حماس في القطاع، يحيى السنوار، على الاقتراح الاسرائيلي – الامريكي لوقف اطلاق النار وعقد صفقة تبادل اخرى. كبار القادة في الادارة الامريكية يؤكدون على أن اسرائيل ردت بالايجاب على الاقتراح (رغم التحفظات التي طرحتها منذ القاء الخطاب). والآن الكرة توجد في ملعب حماس.
السنوار يتوقع أن يركز تحفظاته على النقطة الحاسمة التي تفشل الاتفاق منذ بضعة اشهر. هنا الحد الادنى لاسرائيل لا يلتقي مع الحد الاعلى للفلسطينيين. الفجوة بين الطرفين ترتكز على الانتقال بين المرحلة الاولى والمرحلة الثانية في الصفقة القادمة. بعد انتهاء الـ 42 يوم التي خلالها سيعاد بالتدريج المخطوفين المصنفين في مجموعة “الانسانية” (النساء وكبار السن والمرضى والجرحى)، وسيتم الحفاظ على وقف اطلاق النار، سيتم اجراء مفاوضات سريعة حول اعادة باقي المخطوفين والجثامين، مقابل الوقف الشامل للحرب وانسحاب الجيش الاسرائيلي بشكل كامل من القطاع.
حماس تخشى، بدرجة من المنطق، من أن اسرائيل تعد لها شرك: المفاوضات ستفشل ورئيس الحكومة نتنياهو سيستأنف الحرب كما فعل في كانون الاول الماضي. الرئيس الامريكي في الواقع يقول للسنوار ورجاله: ثقوا بي، القتال لن يستأنف. ولكن حماس معنية بضمانات ملموسة اكثر، التي ستضمن انهاء الحرب، وفي الواقع انتصارها (استنادا لحقيقة أن حكمها ما زال قائما). هذا سيجد نتنياهو صعوبة كبيرة في توفيره طالما أنه يريد البقاء في الحكم. حتى الآن انهارت كل محاولات الالتفاف على هذا العائق بواسطة صياغات قانونية ابداعية.
قبل شهرين – ثلاثة عندما ظهر أن وضع اسرائيل في القتال افضل، فوتت فرصة لعقد صفقة بسبب تصميم نتنياهو على التملص من اتخاذ قرار حاسم. الآن الوضع معقد اكثر، ايضا بسبب أنهم في حماس يعتقدون أن الوقت يعمل في صالحهم وأن نشاطات الجيش الاسرائيلي على الارض تتعقد. ازاء هذه الظروف فانه يبدو أن الامر الصحيح الذي يجب فعله الآن هو السعي بكل القوة الى صفقة التبادل، حتى بثمن وقف الحرب. الخطر الاكبر يكمن في لبنان. فاسرائيل يجب عليها كسب الوقت لتهدئة النفوس في الشمال واستنفاد الفرصة (المحدودة) من اجل التوصل الى اتفاق سياسي يبعد قوة الرضوان عن الحدود والاستعداد لاحتمالية اندلاع حرب شاملة هناك. ايضا الوحدات نفسها بحاجة الى هذه الهدنة.
وزير الدفاع يوآف غالنت يحاول الدفع قدما بفكرة ايجاد بديل سلطوي لحماس، الذي ربما سيندمج بعد ذلك في الجهود الامريكية للدفع قدما بصفقة اسرائيلية – سعودية. ايضا هنا فرصة النجاح في خلق “جزر سلطوية” لكيان فلسطيني، غير حماس، (الذي سيكون مرتبط بشكل متعرج بالسلطة الفلسطينية)، غير مرتفعة. الاحتمالات الاخرى مثل استمرار حكم حماس، حكم عسكري اسرائيلي، فوضى مستمرة على شاكلة الصومال، هي احتمالات اسوأ.