ترجمات عبرية

هآرتس: يتحقق الانتصار عندما يتوقف أحد الطرفين عن أداء مهامه

هآرتس 2023-11-11،  بقلم: عاموس هرئيليتحقق الانتصار عندما يتوقف أحد الطرفين عن أداء مهامه

دخلت الحرب في غزة اليوم الجمعة (أمس) يومها الـ 35، اكثر بيوم من حرب لبنان الثانية. وهي الحرب التي انتهت بما وصف بالتعادل المحبط، بعد أن وجدت اسرائيل صعوبة في هزيمة العدو حزب الله. الظروف في هذه المرة في الحرب التي تركز الآن على حماس، اكثر صعوبة. اسرائيل بدأت الحرب بعجز فظيع في اعقاب فشل استخباري وعملياتي مثير للقشعريرة في 7 تشرين الاول. الى أن استيقظ الجيش الاسرائيلي وبدأ يرد بنجاعة، كان قد قتل 1200 اسرائيلي تقريبا واختطف حوالي 240 في الهجوم الارهابي القاتل لحماس. منذ ذلك الحين فان كل ما حدث وما سيحدث يشبه محاولة يائسة لملاحقة عدو قام باشعال النار وهرب بسرعة.

بعد العام 2006 والمعارك الكثيرة في اعقاب ذلك في غزة، اعتاد وزراء الدفاع ورؤساء الأركان على التحدث عن ضرورة هزيمة العدو بسرعة. في الجيش الاسرائيلي ادركوا أن نقطة الضعف توجد في الجبهة الداخلية في اسرائيل، التي ستكون معرضة للهجمات القوية من الصواريخ والقذائف، وأن الطريقة الى ترجيح الكفة هي توجيه ضربات قاسية للعدو خلال فترة قصيرة. وقد رافق النقاش دائماً خلاف حول الحاجة والامكانية لنقل الحرب الى ارض العدو، اعتماداً على قدرة الجيش البري الذي وحداته لم يتم اختبارها في حرب واسعة في المناطق المأهولة منذ حرب لبنان الاولى في 1982. قادة الجيش اقسموا بأن العملية البرية مطلوبة لتحقيق الحسم، وأن استخدامها سيثبت أن مستوى القوات افضل مما يعتقدون. في سلاح الجو وفي المستوى السياسي شككوا في ذلك.

عملياً، اسرائيل انتظرت تقريباً ثلاثة اسابيع الى أن ادخلت القوات البرية الى القطاع بسبب عوامل مختلفة مثل الحاجة الى ملاءمة الخطط العملياتية مع الظروف الجديدة التي وجدت، وتردد الكابنت على خلفية الحوار مع الادارة الاميركية. في هذا المساء سيكون مر اسبوعان على العملية البرية. الجيش الاسرائيلي يستخدم ثلاث قوات على مستوى الفرق في شمال القطاع، بعد أن طلب من الفلسطينيين الاخلاء والانتقال الى الجنوب. الهجمات الجوية الكثيفة في الاسابيع الاولى اشتدت من اللحظة التي طلب فيها من سلاح الجو أن يوفر للقوات التي توجد على الارض الحماية من مسافة قريبة. التقدم البطيء والمدمر بالطريقة التي تسمى المطحنة. القوات المدرعة وسلاح المشاة يستخدمون النار الكثيفة جداً امام أي مقاومة. هذا كما يبدو هو السبب الرئيس في أنه في حالات كثيرة حماس اختارت ابقاء اعضائها في الانفاق والامتناع عن الاحتكاك العسكري المباشر.

الجيش الاسرائيلي يتكبد خسائر عندما تقضم حماس ذيل القوات عندما تتوقف، أو عندما تمس منشآت حيوية جدا من أجل التنظم، التي حولها تبذل جهدا اكبر بكثير. جهات رفيعة في هيئة الاركان قالت للصحيفة بأن المنطقة التي يعمل فيها الجيش هي من اكثر المناطق اكتظاظا التي جرت فيها عملية كهذه في أي يوم. مقارنة مع المعركة الاميركية – العراقية ضد داعش في الموصل قبل خمس سنوات تقريباً فإنه يضاف للصعوبات في هذه المعركة ابعاد اخرى: منظومة الأنفاق المتشعبة جدا تحت الأرض، والى جانبها مبان كثيرة متعددة الطوابق، رغم أن جزءاً كبيراً منها تم تدميره في الهجمات الاسرائيلية.

الامم المتحدة تقدر أنه تقريباً نصف المباني في شمال القطاع هدمت أو تضررت في الهجمات. محللون اجانب يعتمدون على الصور الجوية نشروا أمس أنه في قطاع الشاطيء غرب مدينة غزة بقيت ثغرة صغيرة في الحصار الاسرائيلي عرضها 4 كم، لكن حتى هذه الثغرة هي فقط تؤدي الى البحر، وهي مسيطر عليها من قبل السفن الاسرائيلية.

هناك عدة اشارات ايجابية جدا كنتيجة للتقدم الاسرائيلي. يبدو أن الجيش الاسرائيلي قد استيقظ من الصدمة الاولى وهو الآن يعمل بصورة جيدة جدا داخل القطاع. اطلاق الصواريخ على جنوب البلاد، وبالاساس المركز، تقلص جدا في هذا الاسبوع، الامر الذي يمكن أن يعكس الصعوبات في منظومة قيادة وسيطرة حماس. حوالي 15 قائداً، قائد كتيبة أو ما يوازيه، قتلوا في عمليات الجيش الاسرائيلي. في بعض الحالات قتل ايضا نوابهم.

حماس تنشر انباء كاذبة عن قتل قادة كبار في الجيش الاسرائيلي وتدمير كبير للآليات المدرعة، الامر الذي يدل كما يبدو على الصعوبة في عرض انجازات حقيقية حتى الآن. تيار اللاجئين الهاربين من شمال القطاع الى الجنوب يزداد بشكل كبير رغم التشويش من قبل حماس، وهذا يشير الى وجود ضائقة داخل صفوفها. الجيش الاسرائيلي يظهر علامات على المس المنهجي للانفاق (حتى لو كان مطلوبا حتى الآن القيام بعملية ستساعد في تحويلها من ذخر الى عبء بالنسبة لحماس). جهات رفيعة في الحركة، من بينها صالح العاروري، تطرح انتقادات لحزب الله لأنه رفض التجند بشكل كامل للمعركة في صالح الفلسطينيين. ولكن من الجدير التذكير ايضا بأن الانتصار في الحرب يتم تحقيقه عندما يتوقف أحد الاطراف عن العمل، سواء بالاستسلام الصريح أو بسبب انهيار منظومته فعلياً. حماس حتى الآن تبدو بعيدة عن ذلك. تظهر هناك اضرار قاسية في أدائها في شمال القطاع، لكن هذا ليس انهيارا.

في هذه الاثناء يتجدد النقاش حول صفقة لاطلاق سراح المخطوفين. مصادر في مصر وفي قطر تتحدث عن صفقة صغيرة، اطلاق سراح 15 مخطوفاً في يد حماس مقابل هدنة قصيرة نسبيا في القتال. اسرائيل معنية بالطبع بعدد اكبر من المحررين. حسب صحيفة «الاخبار» اللبنانية، المقربة من حزب الله، فان حماس تطلب اربعة ايام من وقف اطلاق النار واطلاق سراح سجناء فلسطينيين مقابل المخطوفين. الولايات المتحدة تريد يومين واسرائيل مستعدة ليوم واحد فقط. حتى هذه القضية ما زالت بعيدة عن الانتهاء.

«الردع» لن يكفي

أول اهداف الحرب كما تم تحديدها في الجيش الاسرائيلي هو تدمير القدرة العسكرية والبنى السلطوية لحماس. في وضع النهاية المطلوب كتب أنه «قطاع غزة لن يشكل أي تهديد أمني لفترة طويلة». مطلوب من الجيش ايضا أن يعزز الشعور بالمناعة الوطنية لمواطني اسرائيل، وأن يعيد الشعور بالامان لسكان الغلاف، وأن يرسخ مناطق امنية عازلة في القطاع وخلق ظروف لاعادة المخطوفين، والردع واظهار القوة في كل القطاعات والاستعداد لامكانية التصعيد في المنطقة الشمالية.

هذه لغة مهنية وموضوعية جدا من الخطاب العلني الهجومي للمستوى السياسي. رئيس الاركان هرتسي هليفي يفضل التحدث عن تفكيك حماس من قدراتها وحذر من توزيع الوعود بمحو قوتها العسكرية، لكن ايضا هذا هدف طموح، القدرة على تحقيقه مرهونة بثلاثة امور وهي: استخدام القوة العسكرية الفعالة وتخصيص فترة زمنية طويلة بما فيه الكفاية والقدرة على علاج جنوب القطاع ايضا، حيث هناك المس بحماس قليل نسبياً في اعقاب انتقال المدنيين.

المحرر في «هآرتس» الوف بن أشار أمس الى أن اسرائيل قامت بتنفيذ عملية دراماتيكية تنبع من اخلاء المدنيين نحو الجنوب ومن الدمار الشديد الذي اوقعته بشمال القطاع. هذه النتائج لن تسمح بوجود حياة معقولة في شمال القطاع لفترة طويلة. ايضا من المرجح أن اسرائيل ستمنع عودة المدنيين طالما استمرت المواجهات مع حماس. ايضا هذا هو جزء من الرسالة الوحشية التي ترسلها الى المنطقة، بعد الضربة التي تلقتها وفي محاولة لمنع امتداد المعركة الى ساحات اخرى.

حتى الآن ما زال هناك الشرك المعتاد الذي سقطت فيه اسرائيل في السابق، عندما حاولت فرض منطق الغرب في تحليل نوايا وقدرات العدو. رئيس حماس، يحيى السنوار، ذهب الى المعركة مع معرفته الواضحة بأن القطاع سيتعرض لضربة شديدة، الى درجة تشبه نكبة الفلسطينيين في 1948. مع ذلك، قرار التصعيد الكبير في النضال ضد اسرائيل، رغم الاضرار الضخمة، بالتأكيد لمليوني مواطن يخضعون لحكمه، إلا أنه لم يتراجع عن هذا القرار. سيكون من الخطأ الكبير الاستنتاج من الصعوبات التي يواجهها الآن بأنه سيستسلم أو حتى يرتدع ازاء الضغط الذي يمارس عليه. عن «حماس ضعيفة وخائفة» سمعنا في السابق بما فيه الكفاية من الحكومة ومن الجيش في العمليات السابقة الاصغر في القطاع. لا أحد الآن يشتري هذه البضاعة المستعملة.

في مقالات كثيرة نشرت في هذا الاسبوع في «نيويورك تايمز» و»الغارديان» تم ايراد الاعدادات السرية لحماس للهجوم الارهابي وللاستراتيجية التي وقفت من ورائه. حسب «تايمز» فان الهجوم القاتل خدم احد الاهداف الرئيسية لمن خططوا له: حسم الخلاف في حماس بخصوص هدف المنظمة، هل هو هيئة تسيطر على القطاع أو هو تنظيم مقاتل. القادة في القطاع، السنوار ومحمد ضيف، انتصروا في هذا النقاش والآن حماس تحاول أن تعمم وضعا قتاليا ثابتا ضد اسرائيل، في المناطق وعلى الحدود، وأن تجر اليه المحور الشيعي الراديكالي ودول عربية.

بالنسبة لاسرائيل فان عامل الوقت هو حاسم. قادة الجيش الاسرائيلي في الميدان يتحدثون عن اشهر مطلوبة من اجل تنظيف شمال القطاع من القدرات العسكرية، وحتى الولايات المتحدة تعطي اشارات الى أنه لن يكون هناك اكثر من بضعة اسابيع، حتى بعد صفقة محدودة للمخطوفين. بعد ذلك هي تسعى الى قتال بطريقة اخرى – تطويق منطقة امنية عازلة بمساحة بضعة كيلومترات غرب الحدود (الى جانب منع العودة الى شمال القطاع)، والقيام باقتحامات عسكرية بشكل محدود. هكذا سيكون بالامكان ايضا تحرير جزء من قوات الاحتياط التي توجد في الشمال وفي الجنوب. والتخفيف قليلاً من العبء الشديد على الاقتصاد.

سلف ليفي في المنصب، افيف كوخافي، اختفى كليا من الساحة الاعلامية منذ بداية الحرب. في هذا الاسبوع كان في زيارة في بريطانيا كجزء من جهود الاقناع التي هدفت الى الحصول على الدعم الاوروبي للعمليات العسكرية في القطاع لفترة طويلة. وقد قال مشاركون في اللقاء الذي عقده مع الجالية اليهودية في لندن للصحيفة بأنه تولد لديهم الانطباع من اقوال رئيس الاركان السابق أن اسرائيل بحاجة الى بضعة اشهر من اجل استكمال عملية فعالة ضد حماس. في النهاية قدر أنه لن يكون مناص من معالجة مشكلة قوة «الرضوان»، قوة الكوماندو في حزب الله، التي تم نشرها على طول الحدود مع لبنان، والتي لديها قدرة عسكرية اكبر من قوات النخبة، وهي القوة الموازية التي ارسلتها حماس لتنفيذ المذبحة في الغلاف. ومثل من جاؤوا بعده في الجيش الاسرائيلي ايضا كوخافي اعترف بأن الجيش فشل في مهمة حماية المدنيين. وقد قال أحد المشاركين بأن هذا كان «أمسية حزينة ومخيفة قليلا».

«قوة الرضوان» على الجدار

الزيارات الى قيادة المنطقة الشمالية وسلاح الجو في الاسبوع الماضي وفرت تخفيفا معينا ازاء صورة الوضع الذي ما زال صعبا في الجنوب. في المكانين اللذين لم يكونا المسؤولين بشكل مباشر عن كارثة 7 تشرين الاول، هناك توجه لاستيقاظ اسرع من الذي سجل في هيئة الاركان وفي الاستخبارات العسكرية وفي الشاباك وفي قيادة الجنوب في ظل الشعور بالذنب والصدمة التي احدثتها المذبحة. وحتى الآن الشعور بالمسؤولية عن الفشل هو جماعي. وقد قال ضابط رفيع: «اكثر من 35 سنة وأنا في الخدمة العسكرية، وطوال حياتي علموني بأن وظيفتي هي أن أكون جدارا يفصل بين المدنيين والخطر. في 7 تشرين الاول فشلنا. هذا لا يعتبر أمر من السهل أن تنهض منه».

مع ذلك، لا مناص من التوصل الى الاستنتاج بأن آلة الحرب الهجومية الضخمة التي تم تطويرها في السنوات الاخيرة في الجيش الاسرائيلي وفي جهاز الاستخبارات قد عادت الى العمل. في قيادة المنطقة الشمالية وفي فرقة الجليل (الفرقة 91) غير متحمسين من هبوط الساحة امام حزب الله الى المكان الثاني في سلم الاولويات ازاء ما يحدث في قطاع غزة. ومثل كوخافي فانهم هناك يدركون أن وجود رجال قوة الرضوان على الجدار طوال الوقت لن يسمح لسكان المستوطنات قرب خط الحدود العودة الى بيوتهم. الادراك في الشمال هو أن غزة أولا في هذه الاثناء، وذلك من خلال الادراك أنه ما زالت هناك امكانية لحدوث تصعيد مع حزب الله – وادراك الحاجة الى معالجة هذه المشكلة فيما بعد.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى