ترجمات عبرية

هآرتس: وقود الخلاف الجماهيري على استمرار القتال

هآرتس 2024-01-25، بقلم: عاموس هرئيل: وقود الخلاف الجماهيري على استمرار القتال

أول من أمس، كان اليوم الأقسى على الجيش الإسرائيلي منذ بداية العملية البرية في قطاع غزة في نهاية تشرين الأول. في حادثة بخان يونس قتل ثلاثة ضباط من لواء المظليين النظامي نتيجة إطلاق “آر.بي.جي”، في حادثة أخرى قتل 21 من جنود الاحتياط الآخرين قرب الجدار الأمني أمام مخيمات اللاجئين في الوسط. الجنود أصيبوا في انهيار مبنيَين، كما يبدو بعد أن أصابت قذائف “آر.بي.جي” مواد متفجرة إسرائيلية في أحد المباني وإحدى الدبابات. أيضاً خمسة جنود أصيبوا في الحادثة.

الأحداث كثيرة الإصابات وقعت في الوقت الذي كان فيه الجيش الإسرائيلي يزيد الضغط على “حماس” في خان يونس ويوسّع حجم العملية هناك لتصل إلى غرب المدينة أيضاً، وهي المنطقة التي لم تسجل فيها أي نشاطات برية إسرائيلية منذ بداية الهجوم على خان يونس قبل نحو شهر ونصف الشهر. صباح أمس، أعلن الجيش الإسرائيلي عن استكمال محاصرة المدينة. لكن الخسائر الكثيرة إلى جانب الشعور بأن صفقة أخرى لتبادل الأسرى تتباطأ بصورة يمكن أن تكلف حياة مخطوفين آخرين، يتوقع أن تزيد الخلافات في أوساط الجمهور بخصوص استمرار الحرب ضد “حماس”.

إسرائيل شاهدت في السابق هذا الفيلم بحرب لبنان الأولى وفي فترة المنطقة الأمنية بجنوب لبنان. والولايات المتحدة شاهدته، بحجم أكبر، في حرب فيتنام في نهاية الستينيات. النقاشات تنقسم بدرجة كبيرة حول خط الانكسار السياسي القديم بين اليمين واليسار. الادعاء من قبل اليمين الذي يردده أيضاً رئيس الحكومة، هو أن الطريقة الوحيدة للتقدم تتعلق باستمرار ضرب العدو. وبحسب هذه المقارنة، فإن “حماس” تتكبد خسائر باهظة. أمس، أيضاً، قتل عشرات من رجالها في المعارك، وإذا استمر الجيش الإسرائيلي في ضربها بشدة فهي ستصل في نهاية المطاف إلى نقطة الانكسار التي ربما ستؤدي إلى عقد صفقة أسرى معها بشروط أسهل.

في المقابل، في اليسار يزداد القلق على حياة المخطوفين مع الشعور بالإلحاحية، لأنه دون إطلاق سراحهم بسرعة، فإنهم سيموتون في الأسر أو سيختفون. الآن نحن يتم تبشيرنا بموت بعض المخطوفين في كل أسبوع. الجيش الإسرائيلي أعلن حتى الآن عن 30 جندياً ومواطناً مخطوفاً من بين الـ 136 كأموات. العدد الحقيقي للقتلى يمكن أن يكون أعلى. أمس، في نقاش بالكنيست كشفت مخطوفات تم تحريرهن عن تحرش جنسي بالنساء اللواتي بقين في الأسر. نتنياهو ووزير الدفاع غالانت (اللذان لا يوافقان تقريباً على أي شيء آخر)، يواصلان إعطاء الوعود بالانتصار المطلق على “حماس”. لكن هذا الانتصار، كما كان معروفاً من البداية عندما نثرت الحكومة وعوداً عديمة المسؤولية في منتصف تشرين الأول، يتباطأ. في ظل غياب انتصار واضح، ودون مشاهد استسلام قيادة “حماس”، فإن إسرائيل تجر مرة أخرى إلى بديل معروف للجيوش المتفوقة في مواجهات من هذا النوع – إحصاء جثث العدو.

هذا مخرج إشكالي لعدة أسباب. أولاً، “حماس” تنتقل بسهولة كبيرة من نمط العمل العسكري المنظم نسبياً إلى نموذج حرب العصابات لخلايا صغيرة. ثانياً، عدد الخسائر الذي ينشره الجيش غير موثوق كما يعترف بذلك الضباط الكبار. ثالثاً، إذا كان هناك مورد لا ينقص في القطاع، فهم الشباب الصغار اليائسون والذين يكرهون إسرائيل، الذين سيفرحون بملء الصفوف. فترة الإعداد المطلوبة في الأصل غير طويلة، جزء كبير من المصابين في المعارك مؤخراً كان بسبب صواريخ الـ “آر.بي.جي”. هذا سلاح غير دقيق والفلسطينيون استخدموه بشكل كبير ضد إسرائيل في حرب لبنان الأولى في 1982، حينها جزء كبير ممن يطلقون هذه الصواريخ كان يطلق عليهم “فتيان الـ آر.بي.جي”، أبناء 14 – 15 فما دون.

مع ذلك، من يدعو لعقد صفقة الآن فيها تحرير “الجميع مقابل الجميع” لا يمكنه تجاهل الفهم أن هذه الصفقة التي تنبع من واجب أخلاقي سام ستعزز مكانة “حماس” في أوساط الجمهور الفلسطيني، وهي ستصعب إبعاده عن مراكز القوة إذا كنا نأمل في الوصول إلى “اليوم التالي” في القطاع. خلافاً لفيتنام، فإن الحرب التي تديرها إسرائيل هنا لا تتعلق بدولة تبعد آلاف الكيلومترات، بل بجيران وراء الجدار. فهناك يتحصن حكم متوحش قادته سبق وأعلنوا أن لديهم نية كامنة لتكرار أعمال القتل على صيغة 7 أكتوبر.

وقود للاحتجاج

الجهود العسكرية في خان يونس، التي تتركز بمخيم اللاجئين في غرب المدينة، يمكن أن تزيد الضغط على قيادة “حماس” من أجل العودة ومناقشة صفقة جديدة للتبادل بجدية، بعد انهيار الصفقة الأولى ووقف إطلاق النار المرتبط بها في 1 كانون الأول. الخسارة الكبيرة لعدد كبير من الجنود في يوم واحد، معظمهم من جنود الاحتياط ومن بينهم الكثير من الآباء لأطفال، ستؤثر بشكل سيئ على المعنويات القومية. على المدى البعيد يجب رؤية التأثير بروحية ما حدث أثناء القتال في لبنان – ترجيح الرأي العام لصالح حلول بديلة للقتال تحت كل الظروف. الخسائر الاستثنائية يمكن أن توفر الوقود لشعلة الاحتجاج – عائلات المخطوفين – التي تطالب بصفقة على الفور، وشعلة من يعارضون نتنياهو، الذين يطالبون بالإعلان عن إجراء الانتخابات الآن. يتولد الانطباع بأن الغضب العام بسبب الإخفاقات حول شن الحرب لم يضعف، لكن في المقابل أيضاً لم يشتعل إلى درجة موجة شعبية تعرض للخطر استقرار حكم نتنياهو. هكذا حدث في السابق، بالتدريج وبشكل بطيء جداً، في حرب يوم الغفران وحرب لبنان الأولى والثانية.

الادعاءات والاحتجاج بسبب مراوحة الحرب في المكان تزيد الانشغال بالاقتراحات التي توجد على الأجندة حول صفقة تبادل ثانية. التفاصيل تسربت في البداية لوسائل الإعلام الأميركية في بداية الأسبوع. منذ أمس، بعد أن زادت العائلات الاحتجاج، تم نشر تفاصيل كثيرة أيضاً في وسائل الإعلام الإسرائيلية. من المرجح أن الأمر يتعلق بمحاولة من نتنياهو كي يظهر للعائلات بأن هناك نقاشات جدية حول صفقة.

حسب التفاصيل، فإنه تتم مناقشة مبادئ صفقة على ثلاث مراحل، في إطارها سيتم إطلاق سراح آلاف السجناء الفلسطينيين مقابل دفعة أولى تشمل “حالات إنسانية”، هم مرضى وشيوخ ونساء، دفعة ثانية تشمل مدنيين ودفعة ثالثة تشمل جنوداً وأعضاء من فرق طوارئ في المستوطنات (تسريبات من الوسطاء القطريين والمصريين تحدثت عن تقسيم مختلف قليلاً). إضافة إلى ذلك يجري نقاش حول هدنة لشهرين أو ثلاثة أشهر، حيث تأمل “حماس” تحويلها إلى وقف كامل لإطلاق النار لكن إسرائيل ترفض التطرق إلى ذلك. أيضاً تم طرح موضوع تقليص قوات الجيش في مراكز السكان بالقطاع أثناء تطبيق الاتفاق، ومسألة السماح لسكان شمال القطاع أو قسم منهم بالعودة إلى بيوتهم.

أسامة حمدان، أحد كبار قادة “حماس” الموجود في بيروت نفى، أمس، تقارير تفيد بأن “حماس” تفحص خروج قادة “حماس” في القطاع إلى المنفى بعد وقف إطلاق النار. الفكرة تم طرحها حقاً كما يبدو بين إسرائيل والوسطاء، لكن تصعب رؤية يحيى السنوار وجماعته على استعداد لقبول مثل هذا الاقتراح، وبالتأكيد في الوقت الذي يعتقدون فيه أنهم ينتصرون في الحرب رغم الأضرار الفادحة التي تكبدها سكان القطاع. يبدو أن الفجوة بين الطرفين ما زالت كبيرة، لكن على الأقل يظهر أن الاتصالات قد تم استئنافها بصورة أكثر كثافة.

اقتصاد تسليح

في الساعات التي سبقت نشر بيان المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي عن القتلى، صباح أمس، فقد نشرت وسائل الإعلام عن قتال شديد في القطاع. هذه صيغة شيفرة معروفة لكل مستهلك إسرائيلي للأخبار، وترمز إلى أن هناك أنباء سيئة في الطريق، لكنها لم تصل بعد إلى عائلات القتلى، لذلك لم يتم السماح بنشرها. مع ذلك، هناك شيء ما مضلل في هذا الوصف للقتال الآن. عملياً، كما ذكر في السابق، “حماس” لا تواجه الجيش الإسرائيلي من خلال استخدام تشكيلات عسكرية كبيرة، بل هي تحاول قضم ذيل الجيش بوساطة خلايا عصابات صغيرة. “حماس” يكفيها نجاح أو اثنين كل يوم من أجل خلق الانطباع بوجود مقاومة شديدة. أول من أمس، كانت محظوظة وتسببت بخسائر كبيرة.

الحادثة نفسها يجب على الجيش الإسرائيلي التحقيق فيها بشكل جذري رغم استمرار القتال. الجنود الذين أصيبوا ينتمون لفرقة غزة، وقد انشغلوا في الأسابيع الأخيرة بمهمة إقامة المنطقة الأمنية، التدمير المنهجي للمنازل والحقول بمسافة كيلومتر عن الحدود داخل الأراضي الفلسطينية. وهذا ما كان يفترض أن تستخدم من أجله المواد المتفجرة العسكرية التي تفجرت وقتلت الجنود.

عندما نشرت أبعاد الكارثة طرحت على الفور أسئلة الجمهور، مثل: لماذا لم يتم تفجير البيوت من الجو؟ هذا يوجد له أسباب أساسية. الأول هو أن الجيش وسلاح الجو يديران “اقتصاد تسليح” ويحاولان الرقابة على استخدام الذخيرة الجوية من أجل الحفاظ على احتياطي لمواصلة الحرب، لا سيما إذا اندلعت حرب شاملة في الشمال. الثاني هو أن القصف من الجو يؤدي على الأغلب إلى أضرار أقل من تفجير كميات كبيرة من الألغام على الأرض، وبعد ذلك تقوم الجرافات بإخلاء الأنقاض. لذلك، هذه هي طريقة العمل المفضلة وإن كانت هناك حاجة إلى فحص هل تم اتباع وسائل الحذر المطلوبة لتخزين الألغام إلى حين استخدامها المخطط له.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى