ترجمات عبرية

هآرتس: وفجأة تسقط الأرض من تحت قدميك

هآرتس 25-8-2023م، بقلم دافيد غروسمان: وفجأة تسقط الأرض من تحت قدميك

كان لوجود إسرائيل منذ بدايته طابع القفزة. منذ الأمر الأول “اذهب، اذهب” كانت هناك حركة تجديد، حركة مبادرة وإبداع وخلق. مرت إسرائيل بفترات صعبة وأخطار وجودية، لكن الروح التي كانت تنبض فيها كانت روحا تنبض بالحياة، تشع أصالة، وغير متوقعة، ويمكنها أن تحلق عاليا لتصل الى ارقام قياسية جديدة في جميع المجالات.

بعد ذلك جاء الانقلاب النظامي، وبدأت إسرائيل في فقدان الحركة الحرة والمتناغمة لجسم سليم. كل ما كان طبيعيا ومفهوما ضمنا لمعظم مواطنيها – التماهي مع الدولة والانتماء اليها مثل الانتماء للعائلة الآن هو انتماء متردد ومشوب بالمخاوف والرعب. بدأت العملية في الواقع قبل الانقلاب، لكن الانقلاب هو الذي جعلها تنفجر بقوة كهذه وتغير تماما الواقع.

الآن تحدث في إسرائيل عملية انهيار وتفكك. عملية تحطم الاتفاق الاجتماعي وضعف الجيش والاقتصاد. ليس فقط تم وقف التحرك الى الامام، بل أيضا تتعزز الحركة الى الخلف، الى رؤى محافظة، ظلامية وعنصرية، الى اقصاء النساء والمثليين والعرب، الى الجهل والأمية كقيمة.

ومثلما يحدث اكثر من مرة في جسم مريض فان المزيد من الاضرار تحتاج الى علاج فوري. يظهر على سطح الوعي الإسرائيلي المعنى والتداعيات، والثمن الحقيقي ايضا لمرض الاحتلال المزمن؛ وللعلاقات المشوهة بين الاغلبية العلمانية والاقلية الحريدية، وايضا مع الجمهور الحريدي الوطني، الاخطر منه بقوة تأثيره المتطرف؛ والعلاقات المتفجرة للدولة مع الاقلية الفلسطينية الكبيرة الموجودة فيها ومع وضعها الكارثي وما شابه.

كل مرض من هذه الأمراض يكفي من أجل أن يشوش، أو حتى يشل، الوجود الطبيعي والسليم للجسم الذي يحملها – إسرائيل.

64 عضو كنيست وأغلبية ناخبيهم لن يتفقوا معي، كما يبدو، ولكن حتى هم اذا كان وعيهم غير منغلق تماما فسيجدون صعوبة في نفي أن شعور المناعة والقوة غير المحدودة تقريبا لإسرائيل لم يعد محميا من الشكوك والشروخ والمخاوف.

للمرة الاولى منذ سنوات بدأ الإسرائيليون يشعرون بمعنى الضعف. للمرة الاولى ربما منذ حرب “يوم الغفران” شعرنا في داخلنا بالتسرب الخفيف للخوف الوجودي. خوف الشخص الذي يشعر أن مصيره ليس في يده. خوف الشخص الضعيف. ورغم أن “الشعب الخالد لا يخاف” إلا أنه من المخيف الاعتراف بأن الخوف الآن لا يعتبر ردا طبيعيا امام تهديد خارجي. لأن المدمرين والمخربين لدينا خرجوا من داخلنا.

هناك أمر مهم وهو بالتحديد أن الذين يمثلون، في نظر انفسهم، الإسرائيلية القوية والواثقة، يثيرون الآن في إسرائيل مشاعر “المنفى” المشوبة بالخوف والضعف والتهديد.

ومثل الذي يسير على الحبل، والذي فجأة بدأ ينظر الى حذائه ويشاهد الهوة التي تحته، أصبحنا ندرك اكثر مشاعر هشاشة وجودنا هنا. اصبحنا ندرك رعب البديل. مشاعر الانقضاء، مشاعر الارض التي تسحب من تحت أقدامنا. فجأة لم يعد أي شيء مفهوما ضمنا، ليس الصداقة أو روح التضحية أو “جيش الشعب”، وليس التكافل.. الخ. الدولة الفريدة من نوعها، التي وجدت هنا تفرغ أمام عيوننا المندهشة من المركبات الأساسية لطابعها وتميزها وفرادتها.

هل يوجد سبيل للعودة من المكان الذي وصلنا اليه؟

لمن يئس أمام قوة وجشع اليمين يجب أن يتذكر، مرة تلو الأخرى، بأن حركة الاحتجاج هي الأمل، الحركة الحرة داخل هذا الجمود، النشاط الابداعي، التكافل، الشجاعة الايديولوجية. هي شريان الديمقراطية. هي فرصتنا نحن وأولادنا للعيش هنا حياة حرة. أنت يجب عليك أن تقويها وتغذيها وتتمسك بها، والالتزام على مدى بعيد بترميم إسرائيل وإنهاضها من عثرتها، وايضا من تحطم قلبها وإحيائها من جديد. الى حين نعرف هل تم انقاذها أو، يا للمصيبة، تحول مرضها عضالاً.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى