ترجمات عبرية

هآرتس: هل لا يوجد جوع في غزة؟ “الغيتو ايضا كان مليء بالخيرات”

هآرتس – اهود عاين – غيل – 11/8/2025 هل لا يوجد جوع في غزة؟ “الغيتو ايضا كان مليء بالخيرات”

الانكار الاول: “لا يوجد جوع في غزة”. الانكار الثاني: “يوجد في غزة ما يكفي من الطعام للجميع. اذا كان يوجد جائعين فهذا بسبب ان حماس تسرق معظم الغذاء لبيعه باسعار مرتفعة”. الانكار الثالث: “كل صور الجائعين في غزة هي انباء كاذبة، دعاية مخيفة لحماس وهي من عمل الذكاء الصناعي”. الانكار الرابع: “يوجد ما يكفي من الطعام في غزة، لكن الاقوياء هم الذين يأخذون معظمه، والضعفاء مثل المرضى وكبار السن والمعوقين والنساء والاطفال، لا يتبقى لهم أي شيء”. الانكار الخامس: “جوع في غزة؟ لا يوجد أي أحد جائع، هم سمان ومعافون، كل ذلك هراءات وكذب وفرية حقيرة”. 

“الغيتو مليء بالخيرات”. “المهربون اليهود تعاونوا مع المهربين الآريين من جهة، وتآمروا مع الحراس الالمان ورجال الشرطة البولنديين من جهة اخرى – الحي اليهودي كان يعج بأنواع الخيرات. الغلاء لم يخف أي أحد. من كان لديه المال في زمن السلب، ومن كان يكسب ما يكفيه للعيش (لم يكن نقص في هؤلاء ايضا حتى لو كانوا قلائل)، دفع المطلوب بدون أن يلتفت الى الاسعار المرتفعة”.

من الذي كتب ذلك؟ هل هو شخص الماني ينكر الجوع أو بولندي؟ لا، هذا اقتباس اخذ من يوميات المربي والناشط السياسي الصهيوني حاييم اهارون كابلان، مع تعديل بسيط للغة الحالية (“يوميات غيتو وارسو”، اصدار دار النشر عام عوفيد). كابلان كتب ذلك في 26 شباط 1941، بعد اربعة اشهر على حبس اليهود في الغيتو. هل كان كابلان ينكر الجوع؟ لا، لكن اذا قمنا بجمع الاقتباسات من مذكراته، وقمنا بجمع حقائق بصورة منهجية، فيمكن “اثبات” انه ايضا في غيتو وارسو لم يكن يوجد تجويع ولم يكن جوع. 

هاكم اقتباس سابق آخر من يومياته في 5/12/1940: “المحتل كان يريد تحقيق هدفين وهما الفصل والتجويع. الاثنان لهما هدف واحد وهو الابادة والموت… الحي اليهودي ليس إلا معسكر اعتقال لنصف مليون انسان، بما في ذلك الشيوخ، المرضى، النساء والاطفال؛ وهو بحكم الموقع الجغرافي محاط بالاحياء الآرية، وليست له صلة بالعالم الخارجي؛… يحظر ادخال المواد الغذائية اليه أو أي بضائع… في هذا الامر يدقق المحتل القاسي في كل تفصيلة في القانون. فهو لا يسمح حتى بادخال رغيف خبز من الخارج… مع ذلك، العالم يتصرف كما كان دائما. حيثما يتم منع التنقل يوجد تهريب، ومن هذا التهريب نستمر في العيش. صحيح ان البضائع المهربة اغلى بعشرة اضعاف، لكن في هذا المكان لا يتوقع ان نموت من الجوع”.

بعد ذلك يميز كابلان بيننا وبين الآخرين: “كما هي العادة في العالم منذ العصور القديمة فان من يملك المال في خزينته يملك رغيف الخبز في سلته، ومن تكون خزينته فارغة تكون معدته فارغة ايضا”.

“حلوى للاولاد اليهود”. اذا كان الامر هكذا فكيف سندحض ادعاءات بشان الجوع؟ مثلا، يوزعون الحلوى على الاطفال ويوثقونهم للاثبات. في 15 شباط 1941 كتب كابلان عن ضابطين نازيين وقفا في الغيتو وهما محاطان بالاولاد اليهود الصغار. “النازيون يدسون بين حين وآخر الحلوى في افواههم”. كابلان المندهش شاهد ذلك، وبعدها لاحظ كاميرا في يد احد النازيين، “في الوقت الذي دس فيه صديقه قطعة الحلوى في فم الطفل العبري الثاني قام بالتوثيق. عندها تم حل اللغز. لا يوجد نازي بدون سياسة، يبدو انه توجد لهم حاجة الى صور صداقة مع اولاد اسرائيل من اجل مقال أو من اجل السياسة أو من اجل خداع الناس. كل الوسائل مشروعة. 

في 1 نيسان 1941 فسر كابلان الصعوبات الوجودية لاشخاص مثله، اصحاب دخل يبلغ 150 – 200 زلوتي في الشهر: “الغلاء يمتص نخاع عظامنا. ببساطة ضعفت قوتنا، كيلو الخبز بـ 5 زلوتي، كيلو اللحم بـ 12 زلوتي، كيلو البطاطا بـ 1.5 زلوتي، كيلو البصل بـ 3.5 زلوتي. حسب نفس القيمة السلع الاخرى”. هو يحسب “وجبة متوسطة” لعائلة تتكون اربعة افراد سعرهار 12 زلوتي، أي راتب يوم. النتيجة هي: لا توجد لدينا تغذية كافية.

يهود سمينين في المطعم. بعد سنة، في 19 ايار 1942، كان كابلان شاهد على أمر استثنائي: “في الساعة العاشرة صباحا توقفت قرب مطعم “شولتس” المعروف ثلاث سيارات مليئة بالنازيين، وعلى وجوههم ابتسامة ودية. هم لم ياتوا في هذه المرة للقتل والسرقة. فقد تعاملوا بشكل ودي مع الذين التقوا معهم ودخلوا الى محادثة حميمية مع ابناء الغيتو. ماذا عن اليوم، اليوم جاءوا للقيام بتصوير الحياة في الغيتو وسكانه. الصور يجب ان تعكس الوفرة والسعادة في الغيتو. في الغيتو الجائع لا توجد أي مشكلة في خلق “وفرة وسعادة” مؤقتة ومصطنعة، تم صنعها على يد النازيين انفسهم. أولا، اوقفوا كل فتاة عذراء جميلة، كل امرأة انيقة وحتى شبه انيقة، أمروهن بالقيام بحركات سعيدة واسماع اصوات من السرور والسعادة كاسلوب فتاة في الوقت الذي تكون فيه مسرورة”. وبالطبع صوروهن من اجل كم افواه من يكذبون وينشرون دعاية مخيفة. “هاكم حياة الغيتو. كم الفتيات مسرورات فيه، لا يوجد هناك جائعون يقدرون على اظهار الضحك والاستخفاف، من خلال الفرح ومن وفرة الثروة والسعادة”. بهذا لم تنته وظيفة رجال الدعاية النازية. هم اوقفوا من اجل التصوير كل يهودي سمين وله كرش. فقط يهود قلائل كهؤلاء بقوا في الغيتو. لكن من بين عشرات آلاف المارة ايضا سيجدون اشخاص مثل هؤلاء”. هؤلاء امروهم بالدخول الى مطعم “شولتس”، الذي كان مليء بـ “الاثرياء” اليهود الذين ياكلون وجبات دسمة ويستمتعون بالحلوى والاكلات الشهية. باختصار: الغيتو اليهودي لا ينقص فيه أي شيء. بل بالعكس، هم يستمتعون بكل الخيرات. 

حتى أنا في الغيتو اكلت وشبعت. في 22 تموز 1942 بدأت العملية الكبرى – طرد معظم سكان الغيتو الى تربلنكا. بعد ستة ايام كتب كابلان “عندما بدأ الطرد توقف التهريب. عندما لا يكون تهريب لا تكون بركة في الامعاء. نصف كيلو من الخبز  لاسبوع لن يشبعك. لأنني لم اعرف في أي يوم ألم الجوع. حتى بعد ان تم دفعي الى داخل الغيتو اكلت وشبعت. من الآن فصاعدا ذقت ايضا طعم الجوع. كنت اعيش كل يوم على ربع كيلو خبز وشاي بدون سكر. بسبب هذا النظام الغذائي بدأت قوتي تضعف، وشعرت أن قوتي استنفدت.

كابلان لم يبق على قيد الحياة. التسجيل الاخير في يومياته كتب في 4 آب. الشحنة الاخيرة الاكبر من الغيتو كانت في 12 ايلول 1942. بعد سبعة اشهر بدأ النازيون بعملية طرد لليهود الباقين من الغيتو، لكنهم اصطدموا بمقاومة مسلحة. حول انتظار اليهود للتمرد في هذه الاشهر كتب الدكتور يوسف كرميش، المدير الاول لارشيف “يد واسم”، في مقدمة كتابه “تمرد غيتو وارسو في نظر العدو” (اصدار يد واسم 1966).

مخزون من الطعام والماء. اضافة الى شراء السلاح، حدثت في الغيتو اعمال كثيرة لبناء مئات المخابيء والانفاق. “في اشهر تشرين الثاني – كانون الاول 1942 بدأ بناء محموم للمخابيء، التي تم اعدادها لفترة البرد، مع حساب أنه يمكن التواجد فيها لاشهر كاملة. المخابيء بنيت في الاقبية أو في احد الطوابق. لقد كانت مخابيء تم انفاق عليها عشرات آلاف الزلوتيات. وقد تم تركيب خزانات للغذاء والمياه النقية لاشهر كثيرة. في بعض الاماكن حفرت آبار ارتوازية. ايضا بعد سنتين ونصف على تجميع يهود وارسو ومحيطها في غيتو تحيطه الاسوار والتجويع المنهجي الذي ادى الى موت 80 ألف شخص بسبب الجوع والمرض، وبعد طرد أو قتل معظم سكان الغيتو في العملية الكبرى، بقي في الغيتو اليهود الاثرياء والامكانية لتخزين الغذاء والمياه لاشهر. يجب التفكير في ذلك قبل الادعاء بانه في غزة لا يوجد جوع. 


مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى