هآرتس 25/4/2022 – بقلم: يوسي ميلمان
الجنرال (احتياط) يوفال شمعوني شخص حساس ومراعٍ، هكذا أراد أن يترك انطباعاً من الرأي الذي كتبه مؤخراً بشأن مردخاي فعنونو. يقول شمعوني في هذا الرأي بأنه يفهم تفكير فعنونو، و”رغبته في مغادرة إسرائيل واضحة لي تماماً. ويمكن التماهي معه على المستوى الإنساني”. هذا الرأي صاغه شمعوني، المسؤول عن الأمن في جهاز الأمن، استناداً إلى محادثة مدتها ساعة ونصف مع فعنونو. جاء شمعوني إلى هذا اللقاء عقب توصية من قاضي المحكمة العليا عوفر كروسكوفر، الذي ناقش التماساً قدمه فعنونو بواسطة محاميه افيغدور فيلدمان. هذا الأمر لا يمنعه من كتابة “أنا أجري محادثة بقلب مفتوح ونفس تواقة بهدف أن يتولد لدي انطباع بصورة شخصية ومباشرة من أقواله”. لكن بعد ذلك تظهر سطور تناقض تماماً هذا “التماهي” و”القلب المفتوح”. يقول شمعوني بأنه محظور بأي شكل من الأشكال السماح لفعنونو بمغادرة إسرائيل، وأنه يجب ابقاء القيود المفروضة عليه على حالها، وإلا فإن هذا سيمس بأمن الدولة.
القيود المفروضة على فعنونو والتي تم تخفيفها قليلاً على مر السنين، دخلت إلى حيز التنفيذ منذ إطلاق سراحه من السجن في 2004، بعد أن قضى عقوبة سجن 16 سنة. كان فعنونو تقنياً في المفاعل النووي في ديمونا، وأدين بسبب مخالفات أمنية خطيرة بسبب معلومات نقلها عن عمله لصحيفة “صاندي تايمز” في 1986. استناداً لهذه المعلومات، استنتجت الصحيفة بأن لدى إسرائيل مخزوناً من السلاح النووي المتطور وفيه أيضاً قنابل نووية وهيدروجينية ونيوترونية.
ومن أجل مواصلة التظاهر بـ “أنا حساس”، يشير شمعوني إلى أن رأيه مهني، لكن “هذا هو انطباعي الشخصي” أيضاً. من خلال الأقوال المزدوجة، الشخصية والمهنية، استنتج أن “المعلومات التي لدى السيد فعنونو ما زالت حساسة جداً”. ولكن رأي الخبير الذي قدمه مليء بالإخفاقات المنطقية.
ادعاء شمعوني الذي يقول إن المعلومات الموجودة لدى فعنونو “ما زالت حساسة”، يظلم إسرائيل ويعرضها كدولة نووية دونية. حسب منشورات أجنبية، كانت إسرائيل الدولة السادسة في العالم التي طورت سلاحاً نووياً قبل 55 سنة. تحدث فعنونو عما شاهده وسمعه وصوره في المفاعل بعد عشرين سنة. وحسب منطق المسؤول عن الأمن في جهاز الأمن منذ ذلك الحين وحتى الآن، ورغم مرور 36 سنة، يبدو أن لا شيء تغير في عالم النووي الإسرائيلي؛ التكنولوجيا لم تتطور، والمعدات ووسائل الإنتاج لم تجدد، والمعرفة لم تتطور.
إذا صدّقنا رأي شمعوني، فيجب أن تكون النتيجة أن العالم النووي سار إلى الأمام في الوقت الذي تقف فيه إسرائيل مكانها. لذلك، كل ما عرفه فعنونو في حينه هو ما يعرفه الآن علماء لجنة الطاقة النووية. ولكن ربما حسنت إسرائيل برنامجها النووي وجعلته متقدماً أكثر، بالطبع دون معرفة فعنونو. ولكن المسؤول عن الأمن في جهاز الأمن يفضل عدم قول ذلك من أجل تبرير استمرار التنكيل به.
في محادثة مع المسؤول عن الأمن في جهاز الأمن، أوضح فعنونو بأنه لا ينوي “نشر أي معلومات حول عمله في المفاعل مستقبلاً”، لأنه لا مصلحة له فيما يحدث في المفاعل. ولأنه أنهى دوره التاريخي (أي كشف أسرار النووي الإسرائيلي)، وهو الآن أصبح متعباً من “محاربة الدولة ومؤسساتها”. شمعوني لا يصدق فعنونو، ولتبرير استنتاجه بأن فعنونو يشكل خطراً أمنياً فإن ادعاءاته تستند إلى حالات سابقة، خرق فيها فعنونو القيود التي فرضت عليه، مثل الملدوغ الذي يخاف من جر الحبل.
المحامي فيلدمان في رده على الرأي الخبير للمسؤول عن الأمن في جهاز الأمن، يشير إلى أن خروقات فعنونو الذي تم تقديمه للمحاكمة بسبب بعضها، هي خروقات بسيطة، منها عدم الإبلاغ بأنه “انتقل إلى شقة في نفس المبنى الذي يعيش فيه، من الطابق الثاني إلى الطابق الثالث”، وتحدث مع أشخاص يحملون جنسيات أجنبية وأجرى مقابلة بمصادقة الرقابة مع القناة الثانية “قال شيئاً فيه كما يبدو سر يتعلق بعمله”. فيلدمان يؤكد أن خروقات فعنونو “لم تمس بأمن الدولة بأي شكل من الأشكال”. وفي لائحة الاتهام المقدمة ضده بسبب المقابلة مع القناة الثانية، لم يتم الادعاء بأنه مس بأمن الدولة. وحسب أقوال فيلدمان، فإن رأي الخبير “تمسك بخروقات هنا وهناك لقيود سخيفة”.
رأي الخبير الذي قدمه يذكّر بقصة عن الدكتور جكيل ومستر هايد، التي كتبها شخصان، اللذان هما شخص واحد؛ فالعميد شمعوني، الإنسان الحساس والمراعي والمسؤول عن الأمن في جهاز الأمن، الصارم والمهني، حسب رأيي، لا يمثل هنا إلا خداعاً، فقد استهدف إخفاء الحقيقة البسيطة وهي أن فعنونو لن يسمح له بمغادرة إسرائيل إلى الأبد. في جهاز القضاء، الذي يقف دائماً بصمت عند سماع كلمة أمن، مشكوك فيه أن نعثر على قاض واحد، أكان صغيراً أو كبيراً، يجد في نفسه الشجاعة كي يختلف مع منطق مليء بالتناقضات أتى به المسؤول عن الأمن في جهاز الأمن- شمعوني.