هآرتس: هذه ليست لعنة، بل عودة إسرائيل الى ابعادها الحقيقية هي نعمة
هآرتس 20/11/2025، جدعون ليفي: هذه ليست لعنة، بل عودة إسرائيل الى ابعادها الحقيقية هي نعمة
مثل الهبات من السماء تسقط علينا البشائر. ورغم ان وسائل الاعلام تصور كل شيء على انه كوارث وهزائم، الا انه لم يحدث منذ زمن أي تغيير يبشر بالامل. هاكم القائمة: يمر الإسرائيليون والفلسطينيون بعملية متسارعة لتدويل الصراع، ويتخذ مجلس الامن قرار يشير الى الاتجاه الصحيح، وتستعيد إسرائيل ابعادها الحقيقية بسرعة مشجعة، ويزداد خروج مصير الفلسطينيين عن سيطرتها الحصرية. يصعب طلب المزيد. فما تم تقديمه في إسرائيل على انه سلسلة من الهزائم المهينة، هو في الواقع سلسلة من التطورات المشجعة.
التطور الأهم هو استعادة إسرائيل لمكانتها الحقيقية. لقد عادت القوة العظمى الى هيبتها، ودولة الرعاية عادت الى مكانتها الطبيعية. لقد انتهى الوضع الذي كان يصعب فيه معرفة من موجود في جيب من، وانتهى اختلاط الأدوار بين القوة العظمى ودولة الحماية، الذي استمر لعقود. هذه بشرى سارة لإسرائيل.
لقد انتهى جنون العظمة، جنون عظمة الدولة القادرة على كل شيء. هو لم يعد موجود، وهذا جيد. لم يعد بإمكان إسرائيل فعل ما تشاء. كان لا بد من انهاء الإبادة الجماعية في قطاع غزة، ليس لان بنيامين نتنياهو أراد ذلك، بل لان دونالد ترامب أمر بذلك. لولاه لاستمرت المجزرة.
حتى “الهزيمة” التي تتمثل في تزويد السعودية بطائرات اف35 ليست بالضرورة هزيمة. ان توزيع السلاح في المنطقة قد يؤدي الى احتواء دولة إسرائيل التي تصرفت حتى الآن كقوة متنمرة يخشاها الجميع. تقصف وتدمر من الهند وحتى افريقيا، منتهكة بذلك كل سيادة ممكنة في المنطقة، حيث كان كل شيء مسموح به لها ولا تتم معاقبتها على أي شيء.
هذا انتهى، ان هذا أمر جيد لإسرائيل لان بعض الكوارث التي اصابتها كانت نتيجة مباشرة لغطرستها وعدوانيتها، وكأنه لم تكن هناك دولة أخرى غيرها. الان انتهى الامر. لم تعد الطائرة الأكثر تقدما في العالم في يدها وحدها، وسيتعين عليها الحذر قبل أي قصف قادم في المنطقة. أيضا سيطرة الولايات المتحدة على ما يحدث في قطاع غزة هو تطور إيجابي. ما تجيد إسرائيل فعله في قطاع غزة اصبح واضح منذ عقود، لا سيما في السنتين الأخيرتين. النتيجة هي ان قطاع غزة اصبح مثل مقبرة. الآن جاء الى الحي فتى جديد، سنشاهد ما الذي يقدر على فعله. أسوأ مما فعلته إسرائيل لا يمكن ان يكون.
ان انتزاع السيطرة من إسرائيل قد يؤدي الى خطوة مشابهة في الضفة الغربية. والآن يتحول الامر الى حلم: دخول قوة دولية الى الضفة الغربية وحده هو الكفيل بوضع حد للوضع الذي يعيش فيه شعب عاجز، بلا حماية أو حقوق، بينما يقوم شعب آخر بانتهاكه بلا هوادة. هذا ما زال حلم بعيد المنال، لكنه قد يتحقق.
في هذه الاثناء الولايات المتحدة تعزز علاقاتها مع السعودية: ماذا يضير ذلك بالضبط إسرائيل؟ إسرائيل تطالب بتعويض على المس بـ “التفوق النوعي”، كما يبدو التفوق النوعي اعطي لها كوعد الهي، سوية مع حقوقها الحصرية في البلاد. استنادا الى ماذا تعتقد إسرائيل انه لها فقط مسموح التسلح من أخمص القدم وحتى الرأس، وفقط لها يحق ذلك.
هجمات في كل مكان يحدث فيه شيء ما لا يرضيها، انتهاكات صارخة لوقف اطلاق النار، تصفيات واعمال إرهابية. إسرائيل لا تؤمن فقط بان كل شيء مسموح لها، بل هي على قناعة أيضا بانه غير مسموح ذلك لاحد آخر.
هذا التوجه افسدها، ربما هذا سينتهي الان. عندما تكون إسرائيل متواضعة اكثر في طموحاتها واقل تسلحا، ربما ستكون لها فرصة لقبولها اكثر في المنطقة. في 1970 نشر شبتاي تيفت كتابه بعنوان “لعنة النعمة”، عن الثمن الباهظ للنجاح العسكري المدهش في 1967. والآن حان وقت “نعمة اللعنة”: ليس لعنة ما يحل علينا، بل ربما بركة تشير الى نهاية عصر المسيحانية والتعالي على الجميع، بداية العودة الى الواقع.



