هآرتس: هذه الحرب هي الأكثر فاشية في تاريخ اسرائيل
هآرتس 6/9/2024، عديت رزطال: هذه الحرب هي الأكثر فاشية في تاريخ اسرائيل
في نهاية الشهر الـ 11 للحرب الطويلة في غزة، الدموية وعديمة الهدف، التي لا يمكن تبرير ضحاياها والتدمير الذي تسببه بأي شكل من الاشكال، اخلاقيا أو عقلانيا. الاستاذ في القانون في جامعة بار ايلان ورئيس معهد سياسة الشعب اليهودي، يديديا شتيرن، توصل الى الاستنتاج بأن الوقت قد حان من اجل التوصل الى صفقة (“هآرتس”، 23،8). حتى ذلك الوقت اعتقد شتيرن بأن الاعتبارات الكثيرة مثل انقاذ المخطوفين؛ التضامن والالتزام المتبادل واعادة المخلين الى بيوتهم؛ و/أو خطر اندلاع حرب اقليمية وتدهور مكانة اسرائيل الدولية والحاجة الى اجراء الانتخابات من اجل اعادة الثقة بين الجمهور وبين الحكومة ورئيسها (كل ذلك من صياغته)، هي في الحقيقة ادعاءات لها وزن كبير، لكنها ليست حاسمة. وهي تتقزم امام الاعتبار السامي، “الامن القومي لاسرائيل في الجيل القادم”. عندما تم تحقيق “الحسم” على حماس تمت ازالة المنع الموضوع على الصفقة، قال شتيرن بتحفظ. “ضمن الشروط الظاهرة”، وليس “بأي ثمن”.
شتيرن وضع على كفة، في الاشهر العشرة الاولى للحرب، مصير بشر حقيقيين لهم طابع وخصائص وآمال وعائلات واصدقاء وقصص وذكريات؛ واموات أو الذين ما زالوا يتنفسون ولكن خطر واضح وفوري يهدد حياتهم. وعلى الكفة الثانية وضع شتيرن الامن القومي لاسرائيل في الجيل القادم. ست كلمات، التي لا يوجد ما يكفي من الكلمات من اجل وصف خلاصتها. مسلمة لا تحتاج الى توضيح، وليس عليها كما يبدو نقاش، ولا يمكن التشكيك فيها، هدف لا يمكن لأي كمية من السلاح أن تضمنه. واختيار شتيرن كان حاد وقاطع.
طبيعة الامن المستقبلي التي يسعى اليها شتيرن، الذي يقف امام كل ما يحدد الاشخاص المحبين للحياة، غير واضحة. هو لا يعطي أي اشارة للامن ولا يقوم بتعريفه، وايضا لا يكشف المعلومات التي يستند اليها. وهو ايضا لا يحلل احتمالية الامن الوطني المجهول هذا، أو اخطاره أو ثمنه. الامر الوحيد المؤكد في موقفه من الامن الوطني هو عدم وجود مركبات اساسية حيوية، التي تخلق الامن الوطني: الديمقراطية غير المهددة في الداخل، حرية سياسية وسلطة قانون، التي فقط هي تستطيع بعث الاستقرار في المجتمع وتعطيه الامن والتطور والازدهار.
شتيرن يعرف ايضا أنه لا يمكن أن يكون امن وطني بدون رفاه واستقرار اقتصادي وتعليم متقدم وثقافة، والشعور بالمشاركة الذي يوجد في مجتمع ديمقراطي رغم الفروق بين مواطنيه. الامن الوطني مصنوع ايضا من امور صغيرة مثل الاعتراف بحقوق كل من هو ليس نحن، وتقديم التنازلات والتفاهمات والترتيبات معهم. الحرب تسببت بالضرر لكل هذه القيم، وبعضها دمرتها تماما، هذا اضافة الى حملة تصفية الديمقراطية المهتزة التي بدأها نتنياهو بالفعل عندما جلس في مكتب رئيس الوزراء، ولكنه اصبح يديرها بشكل اكبر منذ تقديم لوائح الاتهام ضده وتشكيل الحكومة الحالية في نهاية العام 2022.
البروفيسور شتيرن يعتبر شخص معتدل، دمث واقواله محسوبة. هو مركز الوسط. شخص يحاول التوفيق والتمكين في كل نشاطاته الاكاديمية والعامة. لا توجد أي لجنة أو منتدى للوحدة والتفاهم ورأب الصدع وما يسمى “حب اسرائيل” بين العلمانيين والمتدينين، بين اليسار واليمين، بين الديمقراطيين والاوتوقراطيين الخ، لم ينتم اليها. اذا تم هنا في أي يوم بذل الجهود لكتابة دستور فسيكون هو بدون ادنى شك من بين صاغته.
رغم ذلك وخلافا لما هو متوقع، بالنسبة للمخطوفين في أسر حماس هو اختار، مثلما اعترف، معارضة “أي صفقة”. ولكن كيف يمكن لهذا الشخص “الطيب” أن يقف في المقابل في الوقت الذي فيه الكثير من الاشخاص الذين دولتهم واجبها الاول هو ضمان امنهم وحياتهم ورفاههم قامت بخيانتهم وهم يمرون بألم فظيع وتعذيب لا يمكن للعقل أن يتحمله، يعارض انقاذهم؟. هل يمكن أن اليمين المتدين، الاكثر اعتدالا الذي يمثله شتيرن غير قادر على أن يكون ببساطة انسانيا، ويفضل الفرد وحياته وسعادته على اوامر الدولة والأمة المتغيرة، ودائما ستكون تغييرات ترتبط بالتحليلات؟.
“من عُذب يبقى معذبا الى الأبد… من عُذب لن يشعر مرة اخرى في أي وقت بأنه واحد من ابناء العالم”، كتب الناجي من الكارثة جان ايمري (“ابعد من الذنب والتكفير”، ترجمه للغة العبرية يونتان ميراد، 2000). مقابل عذاب وموت المخطوفين وحزن عائلاتهم المتواصل يبرز فقدان العقلانية العام، موت الحقيقة، تحطيم القضاء واعمال الشغب الفاشية التي تسمح بها الحكومة والحرب وتشجع عليها، فان شتيرن اختار خلال اشهر الوقوف في المقابل. الوقوف ضد هو شراكة، لأن جريمة كبيرة بحاجة ليس فقط الى مجرمين وضحايا، بل هي بحاجة ايضا الى من يقفون ضدها، ويحرفون انظارهم ويتجاهلون ويمكنون من حدوث الشر. كيف ضاع معنى “من ينقذ روح واحدة”، بالتحديد لدى شخص يخاف من الله؟.
شتيرن الموفِق والواصل اختار هذه الطريق ايضا خلافا لارادة الاغلبية الساحقة من الاسرائيليين (70 في المئة حسب جميع الاستطلاعات خلال اشهر)، الذين يؤيدون اعادة المخطوفين على الفور وبأي ثمن، ووقف الى جانب السلطة واليمين المتطرف المسيحاني في احباطهم الدائم لجهود المستوى الامني من اجل انقاذ المخطوفين. هكذا هو حتى ساعد، لو بعدم الفعل، حكومة خارجة عن القانون لممارسة سلوك ديكتاتوري وغير دستوري في ادارة حرب من يترأسها، وفي مشروع الخداع والاكاذيب وحرف الانظار والتحريض الذي عززوه، والذي استهدف ابعاد عن انفسهم المسؤولية عن جريمة 7 اكتوبر وفظائع التخلي عن المخطوفين. على ماذا يمكن التوصل الى تسوية مع ما يمثله شتيرن في مقاله؟ عن حياة المزيد من المخطوفين؟ عن الحقوق الاساسية لكل مواطن مثل الحصول من الدولة على الامن والحماية؟ عن التدمير “الجزئي” لسلطة القانون والديمقراطية؟ عن نصف فاشية وثلثي فاشية؟.
الحرب الحالية في غزة ليست فقط الحرب الاطول والاكثر تدميرا التي عرفتها اسرائيل، بل هي ايضا الحرب الاكثر فاشية. حملة التدمير التي تنفذها اسرائيل ضد الغزيين وضد نفسها تستهدف ليس فقط تصفية حماس بضربة واحدة والى الأبد، بل بالاساس اعادة لاسرائيل ما يعتبر كرامتها الوطنية، ومحو كارثة 7 اكتوبر.
عبادة البطولة وضحايا الحرب ومحاولة الحاكم الفرد، المجرم والمصاب بجنون العظمة والفاقد للانسانية، السيطرة على رواية الحرب والخلاص وادارتها، مع تطهير حكومة العار التي يترأسها وجرائمها، هو خاصية اخرى للحرب والدمار التي تفعله. في حين أن الفوضى المستمرة التي ترافقها تستهدف التمكين من مواصلة الانقلاب النظامي والسيطرة من خلال المذابح على المناطق المحتلة وطرد السكان الفلسطينيين منها، واحتلال مناطق اخرى، من بينها الحرم. على الاقل الفوضى التامة حققتها الحرب. ومن داخلها يظهر بكامل العظمة جين اسرائيلي يهودي جديد لسيادة يهودية وتفوق يهودي التي هدفها الدم والارض والموت، التي هي أسمى من الحياة.
الفاشية هي مخلوق متملص، وعدد نسخه وتعريفاته مثل عدد عروضه التاريخية والسياسية والثقافية. البيان المناهض للفاشية، “الفاشية الخالدة” لامبرتو آكو من العام 1995، يعرفه كثيرون. هو بعيد عن أن يكون الوحيد.
منذ صعودها كايديولوجيا وقوة لها تأثير مهيمن ومستمر، فان الفاشية رسخت نفسها واقامتها على العنف والحرب، وعلى الفوضى المرافقة لهما، ورأت فيهما ليس فقط ضرورة لا يمكن ردها، بل تطلع وعمل مقدس. لأن “الحرب تطهر العالم”، كما كتب فيليبو مرتينتي، وهو من المفكرين المؤثرين للفاشية في ايطاليا في بدايتها؛ الحرب هي اندلاع مدهش للحماسة والتسامح والبطولة التي بدونها البشر يغرقون في الانانية الخاملة، وملاحقة الملذات والانجازات المادية، وفساد الروح والارادة”.
الحرب في رؤية الفاشية لا تجلب السلام والامن أو الحياة، بل اشعال المزيد من الحروب والمطالبة بالضحايا. لأن هذه هي “ساعة الضحايا” للجميع، كما اعلن بينيتو موسوليني (من كتاب زئيف شترنهل “أسس الفاشية”، 1992). متحدث آخر باسم الفاشية ثمل من “النموذج الرائع” لحمل السلاح، وأن تكون “جندي في الحرب التي ستحدث” و”الرؤية الاعظم والاجمل على الاطلاق: رؤية الكتائب التي تحمل السلاح وهي تسير بخطى سريعة وبحماس الى المعركة”.
موسوليني، الذي تم اعدامه على يد الانصار في ايطاليا قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية، اعتبر الحرب الخبيثة تطلعا وطنيا وازالة لبقايا العالم القديم. الحرب ايضا كانت المستقبل والتوق الدائم اليه. في العنف والنضال الذي لا هوادة فيه هو رأى ضرورة تاريخية والسلاح الناجع الوحيد لحماية الوطن، وضد البرجوازية “المتعفنة”. حسب رأيه فان الوطن دائما في صراع من اجل الحياة والموت، والوطن هو نظام وتسلسل هرمي للسلطات والادوار. وعند الحاجة يجب ايضا حكمه بالقوة، من خلال العنف وقيادة ديكتاتورية.
عالم البرجوازية والديمقراطية الليبرالية، بانسانيتها وفرديتها وحقوق الانسان والحرية السياسية وحرية التعبير فيها، يجب تدميره. وعلى انقاض هذا العالم القديم يجب خلق عالم جديد وقيم جديدة للعظمة الوطنية والبطولة والتضحية الشخصية على مذبح الدولة الشمولية، التي يجلبها العائدون من الجبهة معهم من الحرب.
ليس فقط افكار معينة لـ “رجال الماضي”، البرجوازيون والديمقراطيون والليبراليون، هي التي تهدد الفاشية. التفكير نفسه كخاصية تحررية، والقدرة على التشكيك، والتخيل الانساني بأنه لا يوجد لأي قوة شمولية سيطرة مطلقة عليه، هي التي كانت وما زالت الخطر الحقيقي والمهدد لكل صورة من صور الفاشية والشمولية.
نفس “رجال الماضي”، البرجوازيون المستخذون والديمقراطيون والليبراليون النفعيون، الذين ليست لهم جذور ورؤيا خالدة، هم ايضا اعداء الفاشية المحلية، التي احد ممثليها المدهشين هو براك حيرام، الذي هو قائد يسير فوق الجثث، هنيبعل جديد. قبل شهر تقريبا قام بالقاء خطاب عسكري ومسيحاني في احتفال تسلمه لمنصبه كقائد لفرقة غزة. قطاع كامل في المجتمع الاسرائيلي، من الاشخاص العاملين والمنتجين والمبدعين الذين يناضلون من اجل مستقبل عقلاني في هذا المكان، وايضا يحبون الجلوس في المقاهي، هو بالنسبة له “منفصل” عن “نير ماضيه وما يقتضيه مستقبله”. اعداؤنا لاحظوا ذلك، قال، و”هبوا من اجل تدميرنا”، أي أنه تم العثور على المذنبين. لا توجد حاجة للفحص والتحقيق.
ما يطمح اليه حيرام هو تفوق اليهود والشريعة الدينية. “من خلال غطاء المتعة والفجور، تطفو القيم والمعتقدات القديمة التي توحدنا جميعا وتجعلنا شعب خالد”، قوموا بوضع اقواله على البيانات التأسيسية للفاشية وستجدون مثل اختبار الحمض النووي تطابق يزيد على 99 في المئة. هو قام بالقاء بيانه على قادته ومرؤوسيه علنا كموعظة، وفي جعبته صولجان رئيس الاركان. في حين أن الخدمات الجيدة للضابطة التي خدمت لاشهر في الاحتياط، والمرأة المهنية الناجحة والمطلوبة التي تجرأت على التعبير عن موقفها الشخصي في منشور خاص حول آفة المسيحانية، يتخلى الجيش دون أن يرف له جفن. هي الماضي وحيرام هو المستقبل.
منذ يوم الغفران المعروف فان المبشر لم يتوقف عن القدوم، وهو ينفذ بهدوء وتواضع مهمته اليومية. في الايام غير المحظوظة هو جاء ثلاث أو اربع مرات كما فعل في السنة الاخيرة. سنة واحدة وما قبلها من رفع التضحية بالانسان، من ذبح الضحايا على مذبح الدولة، فقدت الدولة الأمن والكرامة. ورهائن 7 اكتوبر الذين تخلت عنهم دولتهم، وحتى الآن تضحي بهم منذ سنة تقريبا، يقتلون ويموتون من اجل الحفاظ على سلطة الحكومة وتعميق قبضتها. هم وعائلاتهم الضحايا للفاشية الصاعدة في اسرائيل والحرب الدائمة التي تقودها حتى نهاية الزمان.