هآرتس: هاجاري تحدث كثيرا عن جرائم الجيش الإسرائيلي، الآن هو رمز الإنسانية في إسرائيل

هآرتس 9/3/2025، جدعون ليفي: هاجاري تحدث كثيرا عن جرائم الجيش الإسرائيلي، الآن هو رمز الإنسانية في إسرائيل
لقد سقط تاج رأسنا، دانييل هجاري تمت ازاحته من منصبه، الشبكات امتلأت بالنحيب والرثاء على ذهاب صاحب الغرة الجميلة. آية كوريم كتبت عنه قصيدة اشتياق. حتى نجم رئيس الأركان الجديد ايال زمير، الذي لمع للحظة خفت بسرعة في نظر نصف الشعب، فقط لأنه أخذ منه هاجري. الجميع تحدثوا عن نزاهته، استقامته وظهوره. كيف قام بحمايتنا في الحرب، وكيف كان دائما موجود للتعزية والتشجيع. بعد أسبوع على تعيين رئيس الشباك في منصب منقذ الديمقراطية، جاء دور المتحدث بلسان الجيش ليعين في منصب المخلص الوطني. هكذا هو الامر في معسكر اليسار الصهيوني المتنور.
هكذا فان الشخص المعزول لعب الدور بشكل جيد. دوره كان أن يكذب، يطمس، يخفي، يخدع، ينفي، يتنصل، إخفاء عن عيوننا وعيون العالم الجرائم. امير النزاهة والاستقامة، هاجري، تميز في وظيفته. لقد قام بالطمس والخداع والكذب بدون أن يرف له جفن، وظهر نزيها وانسانيا جدا. حتى أنه ذات مرة اختنقت حنجرته، هو شخص حساس جدا.
لذلك نحن أحببناه. فبفضل هاجري ليس فقط لم نعرف أي شيء، بل لم نسمع أي شيء ولم نشاهد أي شيء. بفضل هاجري وامثاله ما زال هناك إسرائيليون على قناعة بأن الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم. ومن غير الغريب أن اقالته اثارت موجة كبيرة للاعتراف بالجميل. أيضا حقيقة أن هاجري لم يرق لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أثرت بالتأكيد عندما بدأ يكبر وأصبح الأم القومية. منذ كؤوس المياه لنحمان شاي لم يكن لدينا أم كهذه في الحرب. هل هذا بالذات الذي قاموا باقالته؟ هاجري الذي أراحنا جدا في الوقت الذي فيه كل العالم قام بادانتنا وعزلنا.
يمكن التأثر من شخصية هجاري، من تهذيبه وظهوره – لكن بينه وبين النزاهة والاستقامة توجد فجوة كبيرة من الظلام. هجاري لم يقل في أي يوم الحقيقة حول ما يفعله الجيش الإسرائيلي في غزة، بالضبط مثلما لم يقل الحقيقة عن الذين قتلوا الصحافية شيرين أبو عاقلة في جنين. هذه كانت وظيفته، وهذا كان دور كل متحدث بلسان الجيش الإسرائيلي – التغطية على جرائم الجيش.
منذ عشرات السنين وأنا اطلب ردود من المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي عن الأخطاء اليومية للاحتلال. ولم احصل في أي يوم على رد حقيقي واحد. الردود العامة تتراوح بين “تم فتح تحقيق”، الذي مشكوك فيه اذا تم فتحه ولن ينتهي الى الأبد، ومرورا بـ “الحادثة معروفة لنا” وانتهاء بـ “يعرض الحياة للخطر” (ولد يمسك حجر أو فتاة على نافذة بيتها). عن الألم وعن الخطأ، عن الاعتراف بالذنب وتحمل المسؤولية أو القليل جدا من الندم، لم يسمع المتحدث بلسان الجيش لاسرائيلي طوال حياته. هجاري كان المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي في السنوات الأكثر ظلامية للجيش، والآن هو رمز النزاهة. هجاري تحدث عن الإبادة الجماعية، والآن هو رمز الإنسانية في إسرائيل. من كان يصدق ذلك؟.
إن الحزن والنحيب على اقالة هجاري تبلغنا عن الذين ينتحبون أكثر بكثير مما تبلغنا عن هجاري نفسه. لأنه في نهاية المطاف لم يكن يجب علينا توقع أي شيء منه، في وظيفة التي جوهرها الخداع والدعاية. من يتأثر من هجاري يقول في الحقيقة: اكذبوا علينا مرة أخرى، بقدر استطاعتكم. أعطونا المزيد من هذا الخداع اللطيف للجيش الأخلاقي، قولوا لنا المزيد عن كم نحن جميلون وكم هو جميل جيشنا، ومن الأفضل أن يأتي ذلك على لسان ضابط بليغ. هكذا بالضبط كان هجاري، كم كان معزيا أن نسمع منه بأنه لا توجد مشكلة في تدمير برج سكني في قطاع غزة لأنه في احدى الشقق فيه كان يعيش نائب المسؤول المالي في حماس. وكم هو جيد أن نعرف من فمه بأن جنودنا لم يقتلوا في أي يوم أطفال أو نساء، وأن العالم فقط يقوم بالافتراء علينا.
الرغبة في الظهور بمظهر جيد والشعور بالرضى عن انفسنا وعن جيشنا، هي رغبة شديدة الى درجة أن إسرائيلي وسيم مثل هجاري قادر لوحده على اشباع رغبتنا. هو ليس ايتمار بن غفير أو عوفر فنتر، هو ارض إسرائيل الجميلة، البلاد التي استقبلتنا بالترحاب، البلاد الأخلاقية والقيمية والتي اخفت عنا بلطف كل جرائمها منذ اقامتها. الآن تخيلوا، تم طرده.