ترجمات عبرية

هآرتس: نموذج ترامب السوري قد يفشل في لبنان ويشهد على نواياه تجاه ايران

هآرتس 26/5/2025، تسفي برئيل: نموذج ترامب السوري قد يفشل في لبنان ويشهد على نواياه تجاه ايران

هذا كان خطاب ساخن، ودونالد ترامب صاغ فيه بشكل حاد وواضح الايديولوجيا التي ستوجه استخدام القوة العسكرية للولايات المتحدة والاستراتيجية المترتبة عليها. “خلال عشرات السنين تم ارسال جنودنا الى حملات صليبية في دول لم ترغب في اقامة علاقات معنا، من قبل زعماء لم تكن لديهم أي فكرة عن البلاد البعيدة، واساءوا استخدام جنودنا في محاولات ايديولوجية هنا وهناك… هم اخضعوا قواتنا المسلحة لكل انواع المشاريع الاجتماعية والذرائع السياسية، وتركوا حدودنا بدون حماية وافرغوا ترسانتنا لشن الحروب على دول اخرى. نحن حاربنا من اجل حدود ثلاث دول أخرى، ولكن ليس من اجل حدودنا”، هكذا انتقد ترامب في احتفال انهاء دورة للضباط الذي اقيم في يوم السبت في ويست بوينت.

هذه ليست رؤية جديدة وثورية التي يطرحها ترامب للمرة الاولى. هي ظهرت في ولايته الاولى عندما اعلن في 2019 عن نية سحب القوات الامريكية من سوريا (هناك لا يوجد أي شيء باستثناء الرمال)، وعندما وقع مع طالبان على اتفاق لانسحاب جزئي للقوات من افغانستان. في الفترة الاخيرة مرة اخرى تم تطبيق هذه الايديولوجيا عندما اعلن ترامب عن وقف اطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين، وهكذا فقد اعتبر الحرب في البحر الاحمر حرب لم تعد متعلقة بالامريكيين. اذا كانت اسرائيل أو أي دولة اخرى تريد أن مضطرة لمواصلة الحرب فلتتفضل وتفعل ذلك بنفسها. 

بعد فترة قصيرة طرح ترامب مشهد آخر لهذه الرؤية عندما قرر الالتقاء مع احمد الشرع ومصافحته ورفع معظم العقوبات عن سوريا، رغم أن المنظمة التي يترأسها الشرع، هيئة تحرير الشام، ما زالت تعتبر منظمة ارهابية. نموذج سوريا يمكن أن يعطي مؤشر على ما يمكن توقعه.

في شهر آذار عرضت الادارة الامريكية على الشرع عدة طلبات، التي يجب عليه تنفيذها كشرط لرفع العقوبات، ضمن امور اخرى، طلب منه محاربة الارهاب وابعاد المحاربين الاجانب وتدمير مخزون السلاح الكيميائي وتحمل المسؤولية عن ادارة معسكرات الاعتقال لاعضاء داعش وعائلاتهم والانضمام الى اتفاقات ابراهيم. هذه الشروط لا تشمل اقامة نظام ديمقراطي واحترام حقوق الانسان والمساواة في مكانة المرأة وكل البنود الاخرى التي هي بلغة ترامب “تتناول تجارب اجتماعية”. الشرع تعهد بتنفيذ كل هذه الشروط، وضمن ذلك الانضمام الى اتفاقات ابراهيم “عندما تنضج الظروف”. ولكن أي طلب من هذه الطلبات تم تنفيذه حتى الآن. رغم ذلك، خلافا لموقف اسرائيل، في الاسبوع الماضي تم رفع معظم العقوبات. البنك المركزي السوري يمكنه الانضمام الى منظومة المقاصة الدولية “سويفت”، والشركات الاجنبية يمكن أن تبدأ في الاستثمار في سوريا بدون أي خوف من معاقبة امريكية أو اوروبية، بعد أن قرر الاتحاد الاوروبي رفع العقوبات ايضا.

منذ كانون الاول حصلت سوريا على مساعدة اقتصادية محدودة، بالاساس من السعودية وقطر وتركيا، استهدفت بالاساس تمويل النشاطات الجارية. من الآن فصاعدا يمكنها تجنيد مليارات الدولارات للبدء في اعادة بناء نفسها واعادة الى بيوتهم ملايين السوريين الذين اصبحوا لاجئين أو مهجرين في وطنهم. عمليا، حتى قبل رفع العقوبات وقع نظام الشرع على اتفاقات مع شركات اجنبية، من بينها الاتفاق على ادارة وتطوير ميناء طرطوس، الذي وقع مع شركة “دبي بورتس” (التي تنافست قبل اربع سنوات على ادارة ميناء حيفا مع شركة السفن الاسرائيلية). الاتفاق مع شركة سي.ام.ايه – سي.جي.ام الفرنسية على تطوير ميناء اللاذقية. هذه الشركة، التي هي الشركة الثالثة الاكبر في العالم، يمتلكها الملياردير الفرنسي من اصل لبنان رودلف سعادة، وهو صديق مقرب لترامب. وقد تعهد ايضا باستثمار 20 مليار دولار في تطوير اسطول السفن الامريكية.

المهم والاصل في نموذج سوريا، الذي خلقه ترامب عندما قام برفع العقوبات، استنادا الى تعهد مستقبلي للشرع، يكمن في نقل المسؤولية عن “سلوك الرئيس السوري المناسب” الى رعاية السعودية، قطر وتركيا. هكذا حرر ترامب نفسه، ظاهريا، من الانشغال بـ “دولة بعيدة” اخرى، التي لا تهدد حدود الولايات المتحدة. ولأن سوريا ما زالت دولة “مشبوهة” وبؤرة احتكاك خطيرة مع اسرائيل، وهكذا فانه من شأنها ان تتطور فيها مواجهة عنيفة تجر الولايات المتحدة وتعيدها الى الساحة.

ترامب يطمح الى التوصل الى “تسوية” مشابهة ايضا مع لبنان. للوهلة الاولى قام نظام جديد برئاسة جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، ايضا هو بحاجة الى عشرات مليارات الدولارات من اجل ترميم انقاض الحرب والخروج من الازمة الاقتصادية. مثل القيادة السورية، لبنان ايضا وضع كمبدأ اساسي سيطرة الدولة على كل القوات المسلحة. حسب هذا المبدأ الذي تم وضعه ايضا في اتفاق وقف اطلاق النار مع اسرائيل فان لبنان ملزم بنزع سلاح جميع المليشيات المسلحة، بما في ذلك حزب الله والتنظيمات الفلسطينية.

النظام في لبنان الذي في يوم السبت استكمل الجولات الانتخابية الاربعة للسلطات المحلية، بتأخير ثلاث سنوات تقريبا، وطرح انجاز سياسي واداري، يوجد في معضلة تشبه معضلة نظام الشرع: كيف يقوم بنزع السلاح غير القانوني بدون الوصول الى مواجهة عنيفة يمكن أن تتدهور الى حرب اهلية. بخصوص نزع سلاح الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين وخارجها، تم التوصل الى اتفاق مبدئي في اللقاء بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في لبنان في الاسبوع الماضي وعون وسلام ورئيس البرلمان نبيه بري، الذي يدير ما يسمى في لبنان “الثنائي الشيعي”، الذي يشمل حركة امل وحزب الله، وبلورة اتفاق حول نزع سلاح الفلسطينيين. لكن العبوة الموقوتة تكمن في نزع سلاح حزب الله. الولايات المتحدة تضغط على عون من اجل البدء على الفور بنزع السلاح من شمال الليطاني وليس فقط من جنوبه. ولكن عون يخشى من أن اجراء عنيف جدا سيفيد حزب الله ويجعل الدولة ساحة قتال داخلية. هو يفضل حوار يثمر اتفاقات، في حين أن الولايات المتحدة تعتقد أن عون لا يمكنه ضمان ان ينجح هذا الحوار في انهاء قضية حزب الله كتنظيم عسكري.

هنا ايضا توجد عدة فروقات جوهرية بين الوضع في سوريا والوضع في لبنان. وهي فروقات تضع لبنان في مكان متدن نسبيا عن مكانة سوريا، البارز من بينها هو أنه لا يوجد للبنان حلقة من الدول الأبوية التي هي مستعدة لتقديم ضمانات بأنها ستنفذ شروط الولايات المتحدة. السعودية ودولة الامارات تعهدت بالمساعدة على اعادة اعمار لبنان، وقطر ستضاعف في هذه السنة مبلغ المساعدة السنوية التي تحولها للجيش اللبناني، من 60 مليون دولار الى 120 مليون دولار. ولكن خلافا لسوريا، التي حصل رئيسها على الشرعية الكاملة مسبقا، فان أي دولة عربية لم تعرض على ترامب ضمان سلوك الحكومة اللبنانية امام حزب الله، أو أنها ستنفذ الاصلاحات الاقتصادية العميقة التي يجب عليها تنفيذها كشرط لتقديم المساعدات. 

من اجل ان يستطيع ترامب التحرر من عبء لبنان، كما هو ينفصل عن سوريا، بصورة تضمن بأنه لن تشتعل فيها مواجهة عنيفة تهدد اسرائيل أو تورط الولايات المتحدة، فانه يجب عليه التقرير اذا كان سيطبق نموذج سوريا في لبنان، واعطاء لحكومتها الاعتماد الذي منحه للشرع. أي السماح لها بادارة الحوار مع حزب الله كلما كانت حاجة لذلك، أو استخدام كل ثقل المكبس والمخاطرة بفقدان السيطرة. هناك احتمالية ثالثة وهي ادارة الظهر وترك لبنان يدير شؤونه مع اسرائيل كساحة محلية لا تتعلق بالولايات المتحدة.

السياسة التي تبناها ترامب فيما يتعلق بسوريا وطريقة تصرفه مع لبنان يمكن أن تدل ايضا على الاستراتيجية المتوقعة مع ايران. هل سيضع الحرب ضد ايران في قاموس الحروب المناسب خوضها للدفاع عن الولايات المتحدة، أو أن هذه ستكون حرب اخرى لـ “دول اخرى” لا صلة لها بالامريكيين، حتى لو قررت اسرائيل شنها. حتى الآن الرئيس الامريكية اكد على أن خطه الاحمر يوجد في قدرة ايران على الحصول على السلاح النووي، وقد اظهر استعداده لفتح “باب جهنم”. وهو لم يتعهد بالقتال في حرب اسرائيل.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى