هآرتس: نـتـنـيـاهـــو: الــوقـــوف علـى «مـفـترق الصـفـقــة»

هآرتس 2024-02-01، بقلم: عاموس هرئيل: نـتـنـيـاهـــو: الــوقـــوف علـى «مـفـترق الصـفـقــة»
زعيم “حماس” في الخارج، إسماعيل هنية، قال، أمس، إن منظمته لا ترفض تماما عرض الوسطاء لمرحلة أخرى في صفقة المخطوفين بين إسرائيل و”حماس”. وحسب قوله فإن “حماس” تفحص الخطة التي تم عرضها، يوم الأحد، في باريس على رؤساء أجهرة الأمن الإسرائيلية. رد “حماس” يمكن أن يتم في اللقاء مع ممثلي دول الوساطة في القاهرة.
العملية التي قادها رئيس الـ”سي.آي.ايه” وليام بيرنز، استهدفت توحيد العروض المتنافسة التي قدمت بشكل منفصل في الأسابيع الأخيرة من قبل مصر وقطر. منذ اللحظة التي قدم فيها العرض الجديد تحت مظلة أميركية موحدة فإن صورة الوضع في المفاوضات أصبحت واضحة أكثر. في الوقت نفسه، بدأ متحدثون أميركيون ومصريون وقطريون في الدفع قدما بالرسالة التي تفيد بأن المفاوضات وصلت إلى مرحلة حاسمة وأنه يمكن إنهاؤها بشكل إيجابي في القريب.
الواقع كالعادة معقد اكثر. فـ”حماس” لم تتم دعوتها للقمة في باريس والتفاؤل الذي ظهر هناك في يوم الأحد الماضي في نهاية المحادثات عكس ما يحدث في المحادثات بين الممثلين الاسرائيليين والوسطاء الأميركيين والعرب. هذا يشبه قليلا اتفاق الزواج بين العريس والحاخام الذي فيه لم تسأل العروس بعد عن رأيها. إضافة إلى ذلك، من اللحظة التي بدأت تنشر فيها، أول من أمس، في وسائل الإعلام في إسرائيل تفاصيل الصفقة التي تلوح في الأفق، صدر على الفور بعض النفي من مكتب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
كل خطة ستناقش بجدية ستجبر إسرائيل على تقديم تنازلات مؤلمة مثل إطلاق سراح آلاف السجناء، وبالأساس وقف القتال لشهر ونصف الشهر في القطاع، مقابل إطلاق تحرير دفعة أولى تشمل 35 مخطوفا. نتنياهو لا يريد التعهد بذلك إزاء المعارضة في الداخل.
الأمر الذي حدث بالفعل في باريس هو أن إسرائيل وافقت على أن تنقل دول الوساطة العرض لـ”حماس”، كما حدث أول من أمس. بذلك فقد ربطت إسرائيل نفسها بشكل كبير بعرض دول الوساطة، حتى لو لم تصادق عليه بالكامل وبشكل رسمي. وقد اصبح هناك أيضا التزام مصري وقطري تجاه الإدارة الأميركية التي هي معنية جدا بالتوصل إلى صفقة. هاتان الدولتان لا تنقصهما وسائل الضغط على “حماس”. النظام في غزة يعتمد على التمويل من قطر، وعلى الطريقة التي ستقرر فيها مصر فتح الحدود مع القطاع أمام البضائع والأشخاص.
الطرفان ينتظران الآن تقديم عرض مضاد من قبل “حماس” ردا على عملية الوساطة. عرض “حماس” سيكون بالتأكيد اكثر صعوبة على الهضم من ناحية إسرائيل، لكن عندما سيأتي سيكون بالإمكان فهم هل يمكن التقدم نحو تحقيق صفقة. عندها أيضا ستعود الكرة إلى ملعب إسرائيل وعندها سيتعين على نتنياهو التقرير إذا كان مستعدا لتقديم التنازلات المطلوبة.
من الواضح الآن أن الجناح اليميني المتطرف في الحكومة سيضع العقبات أمام أي صفقة. فالوزير إيتمار بن غفير سارع إلى إطلاق التصريحات ضد الصفقة التي تكون مرتبطة بتقديم تنازلات، واطلق تهديدات بحل الحكومة. (الوزير بتسلئيل سموتريتش غير بعيد عنه). في اليمين يقلقون من احتمالية أن وقفا طويلا لإطلاق النار سيعتبر فعليا إنهاء للحرب وسيبقي “حماس” في السلطة، على الأقل في جنوب القطاع. أيضا نتنياهو يدرك أن إعادة بعض المخطوفين مقابل آلاف السجناء سيتم تفسيرها من قبل جمهور واسع على أنها اعتراف بالفشل.
هذه الصفقة سترفع من مكانة “حماس” في أوساط الفلسطينيين، وربما ستخلص قيادة “حماس” في القطاع من الضغط العسكري الذي يستخدم عليها الآن. عائلات المخطوفين تقول، وهي محقة جدا في ذلك، إنه لم يبق للمخطوفين وقت كبير للعيش وأنه على الدولة واجب كبير لإنقاذهم إزاء الفشل الفظيع في 7 أكتوبر. في الوقت نفسه، يجب الاعتراف بأن الصفقة بصيغتها الحالية ستكون بمثابة إنجاز لـ”حماس” – لا يهم كيف ستغلف الحكومة ذلك. تخفيض عدد القوات والانسحاب في الوقت الذي تحتفل فيه “حماس” في المناطق التي قام الجيش الإسرائيلي بإخلائها، لن يتم هضمه من قبل اليمين رغم الخطر الواضح على حياة المخطوفين.
في القطب المقابل للضغط الذي يستخدمه سموتريتش وبن غفير في “الكابنيت” الأمني يقف وزراء المعسكر الرسمي بني غانتس وغادي آيزنكوت، الأعضاء في “كابنيت” الحرب المصغر الذين يؤيدون الصفقة حتى بثمن تقديم تنازلات كبيرة. رئيس المعارضة، عضو الكنيست يائير لابيد (يوجد مستقبل)، قال، أمس، إن قائمته ستوفر للحكومة شبكة أمان لأي صفقة تعيد المخطوفين.
نتنياهو قال في زيارته في مستوطنة “عيلي”، “نحن لن نسحب قوات الجيش من القطاع ولن نطلق سراح آلاف المخربين. هذا لن يحدث”. لكن عمليا، رئيس الحكومة يقترب من النقطة التي سيضطر فيها إلى اتخاذ قرار حاسم بين الموقفين. بن غفير لن يكون وحده، سيكون له عدد غير قليل من الشركاء في الجناح اليميني في الحكومة ومن بينهم وزراء في “الليكود”. أي أنه مهما كان الأمر، فإنه في حالة الدفع قدما بالاقتراح لن يكون للائتلاف احتمال كبير للبقاء بالتشكيلة الحالة. ومهما كان قرار نتنياهو فإن اليمين أو اليسار سينفصل عنه. لا توجد صفقة على جدول الأعمال يمكن لبن غفير وسموتريتش التعايش معها. ومن جهة أخرى، يبدو أنه لا يوجد سيناريو انفجار في المحادثات (باستثناء تحطيم كامل للأدوات من قبل “حماس”)، ما يمكن أن يبقي غانتس وآيزنكوت في الحكومة فترة أطول.
الصورة الكبيرة
الإدارة الأميركية لا تنشغل فقط بصفقة المخطوفين، بل هي تنشغل أيضا بعمليات إقليمية أخرى بعيدة المدى. ففي الأسابيع الأخيرة تنشغل الإدارة الأميركية في محاولة إعادة تحريك المفاوضات حول اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسعودية وربطه بترتيبات اليوم التالي في القطاع. الوزير رون ديرمر يتولى الاتصالات من قبل نتنياهو مع الولايات المتحدة في هذا الشأن. لكن الأميركيين أيضا يهتمون بإبلاغ رؤساء الأحزاب الكبيرة الأخرى، المعسكر الرسمي و”يوجد مستقبل”، عما يوجد على الأجندة.
زمن الإدارة ينفد: في بداية شهر آذار سيبدأ شهر رمضان، وهذه فترة حساسة في الشرق الأوسط. وفي شهر حزيران سيتم تسريع السباق على الرئاسة بين الرئيس جو بايدن والمرشح الجمهوري المتوقع دونالد ترامب، البيض الأبيض لا يكتفي بحل مشكلة المخطوفين، بل هو معني أيضا بربط علاقات إسرائيل والسعودية بذلك، إضافة إلى دفع المملكة السعودية واتحاد الإمارات وقطر إلى تمويل ودعم اتفاقات اليوم التالي في قطاع غزة.
الصيغة الأميركية تشمل إقامة حكومة تكنوقراط فلسطينية وإعطاء موطئ قدم للسلطة الفلسطينية في القطاع، وضمن ذلك إبقاء دور معين لـ”حماس” من وراء الكواليس. إزاء رفض نتنياهو لإظهار أي دعم لإقامة الدولة الفلسطينية فإن الإدارة الأميركية تفحص بديلا يفيد بأنه سيتم التحدث عن ذلك مع الحكومة الحالية في إسرائيل كحديث عن حلم مستقبلي وليس كحل فوري، عملي. جهات سعودية رفيعة صرحت مؤخرا في صالح المطالبة الملحة اكثر من إسرائيل بالاعتراف بالدولة الفلسطينية قبل انتهاء الحرب في القطاع. إضافة إلى ذلك يبدو أن السعودية لم تتنازل بعد عن فكرة التطبيع مع إسرائيل.
الطلبات التي طرحتها السعودية على الإدارة الأميركية كجزء من المفاوضات على اتفاق قبل سنة تقريبا بقيت على حالها: حلف دفاع مع الولايات المتحدة وتزويدها بالسلاح الأميركي المتقدم وإعطاء الضوء الأخضر لمشروع نووي مدني في السعودية. في هذه الأثناء، السعودية تؤمن كما يبدو بأنه سيكون من الأسهل عليها تحقيق ذلك من بايدن اكثر مما سيكون أمام كونغرس منقسم اكثر في سيناريو سيفوز فيه ترامب في الانتخابات في تشرين الثاني القادم.